خبير أمني: استمرار الحرب سيحول السودان إلى بؤرة للإرهاب

اللواء شرطة (م) دكتور عصام عباس مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات مصدر الصورة : راديو دبنقا

دعوة للاستجابة لبيان الرباعية


امستردام- 3 نوفمبر2025- راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
أكد اللواء شرطة متقاعد الدكتور عصام عباس، مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات، أن تطورات الوضع الميداني في مدينة الفاشر وما صاحبها من أحداث عسكرية وأوضاع إنسانية مؤسفة للغاية، تستدعي وقفة جادة من جميع الأطراف، معربًا عن أمله في ألا تُرتكب انتهاكات جديدة، وأن تكون هناك جدية في محاسبة من ارتكبوا الانتهاكات السابقة، داعيًا إلى عدم تبرير الأفعال التي وقعت، واصفًا ذلك بأنه أمر “مؤسف للغاية”.

ودعا اللواء عباس طرفي الحرب إلى الاستجابة لنداءات وقف القتال، مؤكدًا أن هذه الحرب “لا يمكن حسمها عسكريًا” وأن استمرارها سيكلف الأرواح من الجنود والضباط والمدنيين على حد سواء ويزيد من معاناة الشعب.

وحث الطرفين على الاستجابة لصوت العقل ونداءات المجتمع الدولي، واستغلال الفرصة التي هيأها بيان “الآلية الرباعية” الذي دعا بوضوح إلى وقف الحرب كفرصة للتوصل إلى هدنة إنسانية ثم وقف دائم لإطلاق النار.

وأكد أن القانون سيعلو على ماسواه، وأنه ستجرى محاسبة وسيُعمل بمشروع للعدالة الانتقالية، وجميع هذه النقاط ممسكات بقاء الدولة السودانية محذرًا من أن استمرار الاحتراب والتشظي والانهيار الذي سيحوّل السودان إلى بؤرة إرهاب مؤرقة لكل العالم قد تُغذي الإقليم بأكمله.

استعادة الفاشر مسألة وقت

وقال عباس لـ”راديو دبنقا”: إن قوات الدعم السريع أحكمت سيطرتها على إقليم دارفور باستلامها لمدينة الفاشر لكن في المقابل إن تحرك الجيش نحو الفاشر يعتمد على قدراته القتالية والتي قال بأنها أعلى بكثير من قدرات الدعم السريع، خاصة في التحرك الهجومي المتدرج، مشيراً إلى أنه من خلال تقييمه للعمليات الميدانية يظهر أن الدعم السريع لا يجيد الدفاع، مراهناً على أنه في حال نجح الجيش في طرد قوات الدعم السريع من شمال كردفان، فإن استعادة الفاشر ستكون “مسألة وقت” لا أكثر.

وأوضح أن الدعم السريع في كل مواجهاته ليس لديه قدرة على الدفاع كونه يفتقر إلى هندسة الدفاعات، وأن سيطرته على بقية ولايات دارفور مثل زالنجي والجنينة والضعين ونيالا ستستمر لفترة مؤقتة إلى حين حدوث اختراق سياسي. وأضاف أن الطبيعة الجغرافية الواسعة وصعوبة العمليات البرية في تلك المناطق لاتمكن الجيش على التقدم إليها، ما يجعلها بعيدة عن المواجهات العسكرية.

وأكد اللواء عباس أن الدعم السريع كان يمتلك في بداية الحرب تفوقاً تكتيكياً، لكنه فقد قدرته على الاستمرار مع تحوّل الحرب إلى صراع مواقع واستنزاف. وأشار إلى أن الجيش، بفضل تفوقه الجوي والتنظيمي، استطاع قلب موازين المعركة تدريجياً.

وعبر عن اعتقاده بأن يحافظ الجيش في المدى المتوسط على تفوقه الدفاعي والهجومي في المناطق المحورية، بينما سينشط الدعم السريع إلى بصورة مكثفة في إقليم كردفان لتشتيت جهود الجيش ومنعه من التقدم نحو الفاشر.

ورأى عباس أن بقاء الدعم السريع كقوة موحدة على المدى الطويل أمر مستبعد، ما لم يتلقَّ دعماً خارجياً ضخماً أو يحدث تحول سياسي كبير.

وأعرب اللواء عباس عن أسفه للتقارير الي تحدثت عن انتهاكات واسعة ارتكبتها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر، داعياً قيادتها إلى اتخاذ “قرارات جريئة وشجاعة” لمحاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات، والاخلال بالقانون الإنساني الدولي.

وشدد على تنفيذ إجراءات محاسبة فورية وعلنية لكل من ارتكب جرائم في الفاشر، مع التأكيد على أن التبريرات القائلة بأن مرتكبي المجازر “ليسوا من الدعم السريع” غير مقبولة.

كما طالب بفتح مسارات آمنة تسمح للمدنيين الراغبين في المغادرة بالخروج الآمن، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية بما في ذلك الغذاء والدواء والفرق الطبية لمعالجة الجرحى والمرضى داخل المدينة.

مغادرة الفاشر ليس قرارا عسكريا

وفي تعليقه على قرار انسحاب الجيش من مدينة الفاشر، قال اللواء عصام عباس إن القرار “لم يكن عسكرياً بحتاً”، رغم أن المدينة تمثل محوراً للعمليات القتالية، مشيراً إلى أن اتخاذ القرار كان صعباً من الناحية الفنية والعسكرية لأسباب متعددة، أهمها وجود حلفاء مؤثرين للجيش ضمن “القوات المشتركة”، وعلى رأسهم حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، الذين يعتبرون الفاشر لديها قيمة رمزية ومعنوية عالية، وقد صمدوا لفترة طويلة في وجه هجمات شرسة للغاية.

وأضاف أن قرار الانسحاب اتخذ بعد أن وصلت القيادة العسكرية إلى قناعة كاملة بعدم إمكانية الصمود أكثر، وجاء بالتنسيق مع الحلفاء في القوات المشتركة.

وتابع قائلا: ” كنت اتمنى أن يتم اتخاذ قرار الانسحاب منذ وقت مبكر “حتى لا تُفضَّل التحالفات العسكرية على حماية المدنيين”، مشيراً إلى أن الانسحاب رغم تأخره قد يساهم في حماية المدنيين.

وبشأن خطاب قائد الجيش الذي قال فيه “عازمون أن نقتص”، وقال عباس إن هذا الخطاب يهدف إلى الحفاظ على الروح المعنوية والتماسك، لكنه شدد على ضرورة أن تكون المحاسبة قائمة على قواعد القانون وليس انتقامًا أو تشفيًا أو اتهامًا مبنيًا على أخذ الناس بالشبهات.

وأشار إلى وقوع عمليات انتقام واسعة في مناطق كثيرة استعادها الجيش من الدعم السريع، تم رصد عمليات انتقام بشعة جداً موثقة في وسائل الإعلام المختلفة، كما سجلت تقارير عن انتهاكات ارتكبها الدعم السريع في مناطق استعادها من الجيش، مثل مدينة بارا وغيرها من المناطق الأنباء الواردة من هناك أكدت أن الدعم السريع أسرف في ارتكاب انتهاكات بدعاوى التعاون مع الجيش وعبر عن أسفه إلى أن المدنيين هم الأكثر من يقعوا في هذه الانتهاكات.

ارتفاع وتيرة العمليات في كردفان

وحول مستقبل العمليات، توقع محلل البيانات عصام عباس ارتفاع وتيرة العمليات في إقليم كردفان نظراً لوضعه الاستراتيجي ، مشيراً إلى أن الجيش سيسعى جاهداً لاسترداد مدينة بارا بولاية شمال كردفان وتأمين الطريق الرابط بين الخرطوم والأبيض، وهو طريق الصادرات لأهميته القصوى. في المقابل، سيواصل الدعم السريع في المناورات والالتفافات سريعة حول مدينة الأبيض.

وأوضح أن تحركات الدعم السريع تتركز في مناطق بارا والزريبة وأم دم حاج أحمد والمزروب، إضافة إلى المناطق الواقعة جنوب وغرب الأبيض مثل الخوي والنهود في الغرب، وأم روابة والرهد وأبودكنا وكاسقيل والدبيبات في الجنوب، و محاولته في خلق حالة من عدم الاستقرار على الطريق الرابط بين كوستي والأبيض.

وخلص اللواء عباس، في هذا الجانب، إلى القول إن تصاعد وتيرة العمليات في كردفان سيترتب عليه ارتفاع كبير في عدد الضحايا من المدنيين، وحدوث مزيد من الانتهاكات من الطرفين، مؤكداً أن المدنيين هم الخاسر الأكبر في هذه الحرب.

وقال إنّ الطرفين مضطرين لأن يكون لديهما تحرك استراتيجي في إقليم كردفان وحتى الوفاء بوعد قائد الجيش باسترداد مدينة الفاشر، لن يتحقق إلا بعد استرداد الجيش بشكل كامل لشمال كردفان ومن ثم التحرك نحو شمال دارفور.

تطورات المشهد العام للصراع

وقال اللواء عصام عباس، الخبير في تحليل البيانات، إنه لفهم الوضع العام لا بد من تكوين صورة حقيقية للمشهد العام للصراع، خاصة في تطوراته الأخيرة منذ اندلاع المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وأوضح أن الجيش يتبنى نهج التمسك بالمراكز الاستراتيجية داخل المدن والصمود فيها، خاصة في مقاره العسكرية.

وأضاف قائلاً إنّه ” لو لاحظنا في حرب الخرطوم رغم فقدان الجيش مساحات جغرافية واسعة، إلا أنه صمد في ثلاثة مواقع استراتيجية كبيرة حال دون دخول الدعم السريع إليها”، مشيرًا إلى أن هذه المواقع هي: القيادة العامة التي تم الدفاع عنها باستماتة لما تمثله من رمزية للجيش السوداني، وسلاح المدرعات لما له من قوة حاسمة في المعارك وسقوطها قد يخلق قوة إضافية للدعم السريع، حيث إن سقوطه كان سيمنح قوة إضافية للدعم السريع، بالإضافة إلى القاعدة الجوية في كرري التي تمثل عنصر التفوق الجوي.

وأوضح اللواء عباس أن الجيش، في معظم المواقع، يحافظ على تمركزه داخل النقاط الاستراتيجية، ويتبع نهج التمسك والتقاط الأنفاس تمهيدًا للتقدم التدريجي، بينما يعتمد الدعم السريع على عنصر السرعة والمباغتة والقتال المنظم طويل النفس.

ورأى أن النتيجة تمثلت في أن الدعم السريع حقق مكاسب ميدانية سريعة في بداية الحرب، فانتشر في ولايتي الخرطوم والجزيرة وأسقط المدن تباعًا، لكنه بدأ لاحقًا يخسرها تدريجيًا مع تغيّر طبيعة الحرب من حرب حركة إلى حرب استنزاف ودفاع، وهذا لأنه مرتبط إلى طبيعة السياسة والتكتيك العسكري الذي تم اتباعه.

وقال عباس بإلقاء نظرة إلى التكتيك العسكري في حرب السودان في عناصرها المختلفة، سواء في القيادة والسيطرة، أو التكتيك القتالي، أو القدرات النارية، أو الإمداد والتموين، أو الخبرة القتالية، عبر مقارنة سريعة بين الجيش والدعم السريع لرسم صورة علمية حقيقية للوضع الميداني وليست صورة مستقاة مما يكتب في وسائل التواصل والانطباعات الشخصية والتحليل الرغائبي.

وأكد أنه بالنسبة لعنصر القيادة والسيطرة فإنّ الجيش السوداني يمتلك قيادة هرمية منظمة جدًا تتمتع بقدرة عالية على التخطيط قصير ومتوسط وبعيد المدى، وهو ما يمنحه تفوقًا.

في حين أن عنصر القيادة والسيطرة بالنسبة لقوات الدعم السريع قيادة ميدانية لا مركزية و يعتمد على سرعة الحركة، إلا أنها غير منضبطة ومشتتة، وبالتالي لايكون هنالك ترابط كبير في القيادة والسيطرة الميدانية، وقد ظهر ذلك بوضوح خلال فترة سيطرة الدعم السريع على ولايتي الجزيرة والخرطوم.

التكتيكات القتالية للطرفين

وقال اللواء شرطة (م) الدكتور عصام عباس، مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات، بالنسبة لعنصر التكتيك القتالي، فإن الجيش السوداني يعتمد في تكتيكاته القتالية على “نهج دفاعي ــ هجومي متدرج”، يعتمد أولاً على تفكيك العدو واستنزافه قبل التقدم نحوه.

أما قوات الدعم السريع، فتعتمد تكتيكاتها القتالية على الهجمات الخاطفة التي تعتمد على المفاجأة وكثافة النيران، خصوصاً من الأسلحة التقليدية المتوسطة والمدافع الرشاشة، إلى جانب الاعتماد الكبير على العربات سريعة الحركة مثل عربات الدفع الرباعي “لاندكروزر”، التي تُستخدم بشكل واسع في تحركاتها.

وأوضح أن الجيش يمتلك مختلف أنواع القدرات النارية تشمل المدفعية والطيران والدبابات، بينما تتفوق قوات الدعم السريع في العدد من حيث الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وتعتمد على كثافة إطلاق النار بشكل كبير. وأخيراً دخلت الطائرات المسيّرة كعنصر إضافي لدى الطرفين.

فيما يتعلق بعنصر الإمداد والتموين، رأى بأن الجيش لديه خطوط إمداد مؤسسية ومنضبطة ومدروسة ومخطط لها بصورة سليمة رغم الضغوط عليه، بينما يعتمد الدعم السريع على إمداد لا مركزي قائم على السيطرة على المدن ونهب الموارد، وهو ما ظهر بوضوح في كل المدن التي سيطر عليها، حيث لجأ إلى الاستيلاء على الوقود ومهاجمة مقار الجيش والقوات النظامية والاستحواذ على الأسلحة والذخائر.

وأكد اللواء عباس أن الجيش يمتلك خبرة احترافية في القتال التقليدي، خصوصاً في العمليات الدفاعية، بينما تتركز خبرة الدعم السريع في القتال المتنقل والمناورة الخفيفة، لكنه يعاني من ضعف واضح في العمليات الدفاعية.

Welcome

Install
×