سلام السودان بين تصعيد ووعيد البرهان وحميدتي وحروب المسيرات
الفريق عبد الفتاح البرهان والفريق محمد حمدان حميدتي - أرشيف
امستردام: الخميس 23/ أكتوبر/2025م: راديو دبنقا
تقرير سليمان سري
حمل خطاب كلٍّ من رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ورئيس المجلس الرئاسي للشعب السوداني وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نبرةً تصعيدية حادة اتسمت بالتهديد والوعيد، وباعتقاد كل منهما تحقيق السلام بإقصاء الآخر، بحسم الحرب وتحقيق النصر لصالحه في معركة فاصلة دون أي مؤشرات على وقف الحرب.
ولا يزالان يتنافسان على جودة ودقة المسيرات وسرعة إصابتها للهدف في وقت تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية وتتعرض المناطق المتأثرة بالنزاع إلى انهيار كامل في الخدمات الأساسية والأمن الغذائي والصحي.
وتجاهل الطرفان في خطابيهما، بشكل متعمد، النداءات المتكررة بهدنة ولو لأسابيع قليلة تسمح بدخول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين ، كما تجاوزا المبادرات الدولية والإقليمية الداعية إلى استئناف مسار السلام، أبرزها وأهمها الآلية الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات والأكثر نشاطاً في الساحة حالياً.
القضاء على الدعم السريع:
وقال البرهان الذي وصل مطار الخرطوم عقب تعرضه لاستهداف بمسيرة من قبل الدعم السريع، الثلاثاء: “نقول للمعتدين أن السودان أرض المجد ونحن كسودانيين سنحافظ على هذا المجد، وأن هذه العصابة الغاشمة لن تنال منكم شيئا، والشعب السوداني بجنوده المتواجدين في هذا الموقع قادرين على إعادة الكرة آلاف المرات حتى يأمن جميع أهل السودان”.
وتوعد البرهان بالخلاص من الدعم السريع بقوله: “دورنا توفير الحماية والأمان لجميع السودانيين، وقريباً لن يستطيع أحد أن يهدد هذه الأرض”. مجدداً تعهده بالقضاء على الدعم السريع وعدم إعطائه فرصة للعودة مرة أخرى للمشهد.
بينما جاء رد حميدتي في خطاب مصور تم بثه عبر الموقع الرسمي للمجلس الرئاسي لـ”تأسيس بعد ،” بنرة أكثر تصعيدية بالقضاء على البرهان وتنظيم الحركة الإسلامية متعهدا بتخليص الشعب السوداني منهم.واستئصال ماسماه بـ”السرطان” من أجل راحة الشعب السوداني.
وأكد أن السودان لن يتقدم بوجود هذه المجموعة الحاكمة التي اتهمها باستغلال كل مؤسسات الدولة متعهداً بإخراجهم من تلك المؤسسات قريباً.
وتعهد حميدتي بالرد على تلك الهجمات، وقال بعد ساعات على قصف محطة توليد الكهرباء قرب خزان الرصيرص ومواقع أخرى: “ردنا سيكون قويا ولن نستهدف المدنيين في مناطق سيطرة الجيش”.
ويرى مراقبون أن مناسبة خطاب حميدتي لإطلاق رسائل لدول بعينها في الجوار الإقليمي التي يعتقد بأنها تطلق مسيرات من مطاراتها في خطوة لدعم الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع.
رسائل للجوار:
ووعد قائد قوات الدعم السريع بوقف هجمات مسيرات الجيش التي قال إنها تستهدف المدنيين وآخرهم قادة الإدارات الأهلية لقبيلة “المجانين” بمنطقة المزروب بشمال كردفان، إضافة إلى استهداف اجتماعات للإدارات الأهلية في كل من مناطق الزرق والدبيبات والمجلد بضربات تخويفية ممنهجة ومقصودة.
واعتبر استهداف زعماء القبائل بمثابة إبادة جماعية وتطهير عرقي للقبائل، مطالباً، لأول مرة، بتشكيل لجنة تحقيق دولية في كل المجازر وعمليات الإبادة التي تمت ضد المدنيين أثناء الحرب. ما يؤكد قبوله بلجان تقصي الحقائق الإقليمية والدولية، الموجودة أصلا، لزيارة المناطق التي تسيطر عليها قواته بطريقة غير مباشرة.
وسبق لرئيس مجلس وزراء حكومة “تأسيس” محمد حسن التعايشي أن أعلن قبولهم وموافقتهم بالسماح للجان تقصي الحقائق بالدخول للمواقع الخاضعة لسيطرتهم”.
وأطلق حمديتي رسائل لدول مجاورة دون أن يسميها، قائلاً إنه يريد أن يوجه “رسالة مهمة جدًا، احنا سكتنا كتير… احنا أي طيارة تقوم من أي مطار من دولة مجاورة، أي طيارة تسقط، تضرب، تقتل، أي مسيّرة بتقوم من أي مطار، احنا بالنسبة لنا هدف مشروع”.
وأضاف حميدتي: “لو ما متأكدين ما حنقول الكلام ده… أي طيارة تقوم من أي مطار، المطار ده بالنسبة لنا هدف مشروع”.
وبحسب مراقبين فإن تلميحات حميدتي تشير إلى دولة إريتريا حيث أقامت معسكرات تدريب لقوات متعددة لدعم موقف الجيش السوداني في معاركه ضد قوات الدعم السريع، وهو ماصرح به قائد قوات الدعم السريع بإعلانه القبض على أسرى إريتريين في المعارك مع الجيش السوداني في الجزيرة وسنار ومواقع أخرى.
وسبق أن وجه قائد قوات الدعم السريع، اتهاماته إلى مصر صراحة يونيو الماضي، بتورط سلاح الجو المصري في القيام بعمليات قصف وتوجيه ضربات لمواقع قواته في دارفور وكردفان وهو ما نفته القاهرة.
وقال في تصريحات سابقة: “الدعم المصري، الدعم مستمر، 8 طائرات جابوها المصريين نزلت 2 وين وواحدة وين و5 وين كلها نحن نعلمها حتى تاريخ نزولها نعلمه، لكن الحمد لله، كل الكلام هذا والطيران هذا راح في دقائق، ضربة جاءتهم شواظ من نار ومصيبة جاءتهم من ناحية ما ربنا جابها”.
غير أن خطاب حميدتي الأخير حمل نبرة تصالحية تجاه القاهرة مبدياً تعاونه معها حكومة وشعباً لتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين. في محاولة لاحتواء الموقف المصري وتحييده عن الصراع وتذكيرها بدورها كوسيط في الآلية الرباعية. وما يؤكد استبعاد مصر من تهديدات حميدتي.
الغاء كل طرف للآخر:
ولدى كل طرف اعتقاد بتحقيق السلام بإقصاء الطرف الآخر وذلك من خلال حسم المعركة لصالحه وبقضاء أحدهما على الآخر، وقد رحب البرهان بالجهود الجارية لتحقيق السلام مؤكداً أن كل السودانيين يريدون السلام، “سلام مبني على الأسس الوطنية الراسخة” على حد قوله.
وقال البرهان إن هذه مبادئ يجب أن تراعى في كل مبادرة وأضاف “لا نريد لأي مرتزق أو مليشي أن يكون له أي دور في المستقبل ولا نريد لأي جهة كانت تساند المليشيا أن يكون لها دور في مستقبل السودان “ مايشير إلى رغبته في تحقيق السلام بالقضاء على الدعم السريع.
وأشار إلى الأضرار البليغة التي ترتبت على الشعب السوداني جراء اعتداءات قوات الدعم السريع وقال “بهذه الأفعال الإجرامية تؤكد المليشيا وداعميها أنهم ضد السودان والسودانيين ونقول لهم خسئتم. مؤكداً أن الشعب السوداني سينتصر في النهاية”.
بينما قطع قائد قوات الدعم السريع، بعدم الجلوس أو التفاوض مع الجيش مجدداً، قائلاً “لن يكون هناك جلوس للتفاوض معهم”.
وحدد التزامه بالسلام عبر فتح المسارات الآمنة والطرق أمام كل المواطنين وحتى العسكريين لمغادرة مدينة الفاشر، مؤكداً أن النصر قريب وقادم، كما دعا المنظمات الإنسانية إلى الوصول إلى كل المناطق بإقليمي دارفور وكردفان.
أكتوبر وحرب المسيرات:
من جهته قال استاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعات د.عبدالناصر علي الفكي لـ”راديو دبنقا”، إن لاجديد في خطاب البرهان وحميديتي أمس، الذين قال بأنهما تزامنا مع ذكرى وطنية عظيمة للشعب السوداني وهي ذكرى 21 أكتوبر.
وأضاف قائلاً: “لاأعلم ما إذا كانت مناسبة الخطابين تزامنا مع هذه الذكرى أم من سخرية القدر أم أنه مقصود أن يتحدثا في هذه المناسبة”.
وأوضح أن الخطابين جاءا في وقت يشهد فيه السودان تصعيداً كبيراً فيما يمكن تسميته بـ”حرب المسيّرات”، حيث أصبحت الطائرات المسيّرة تستخدم بشكل واسع من مختلف الأطراف، لافتاً إلى أن الحرب منذ بداياتها تحولت إلى ساحة لتجريب أنواع متعددة من المسيّرات القادمة من دول مثل كازاخستان وتركيا وإيران والصين، حتى أصبحت لدى السودانيين معرفة واسعة بأنواع المسيّرات الانتحارية والاستراتيجية.
وأشار د. الفكي إلى أن هذه الحرب اكتسبت طابعاً عبثياً في استهدافها للمواطنين والبنى التحتية المدنية، مضيفاً أنه لا جديد يُذكر في الخطابين سوى استمرارية خطاب التعبئة والتحدي، بينما يظل المواطن السوداني هو المتضرر الأكبر من هذا الصراع الذي طال أمده.
يذكر أن تزامن الخطابان مع ذكرى ثورة اكتوبر الشعبية لكن لارابط يذكر مابين المناسبة الثورية والخطابين التصعيديين من أجل إغراق البلاد في مزيد من الدماء، في وقت يعاني فيه 25 مليون سوداني من شبح المجاعة، ولازال الطرفان يتنافسان على قياس دقة وجودة المسيرات.
سباق على النصر:
واعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعات، د. عبد الناصر علي الفكي، إن الخطابين اللذين ألقاهما كل من البرهان وحميدتي، يكشفان عن تناقض واضح في المواقف تجاه قضية السلام ومستقبل الحرب في السودان.
وأوضح د. الفكي أن خطاب البرهان اتسم بالتعبئة والتجييش رغم دعوته في الوقت نفسه إلى السلام، قائلاً: “من غير المنطقي أن يواصل رئيس مجلس السيادة التحريض العسكري ثم يرحب في ذات الخطاب بالجهود الرامية لإعادة السلام إلى السودان، فذلك تناقض صريح يصعب الجمع بينه وبين الدعوة لإنهاء الحرب.”
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع تسيطر ميدانياً على معظم دارفور عدا مدينة الفاشر، إلى جانب مناطق واسعة من كردفان، مضيفاً أن هذه السيطرة المستمرة منذ قرابة عامين خلّفت أوضاعاً إنسانية مأساوية، حيث يعيش المواطنون بين القتل والجوع والنزوح والمرض، مما يجعل الخطابات العسكرية “خالية من أي مضمون حقيقي يوقف المأساة”.
دعوة للمصالحة:
وأضاف استاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعات د.عبدالناصر علي الفكي أن ما تشهده البلاد من تصعيد في حرب المسيّرات وتبادل القصف بين المدن في غرب ووسط وشمال السودان – من الخرطوم إلى الفاشر وسنار والجنينة والأبيض – يؤكد أن البلاد بحاجة إلى خطاب شجاع يدعو بصدق إلى السلام والمصالحة، لا إلى سباق في تحقيق مكاسب عسكرية.
واستشهد د. الفكي بتجربة الرئيس الرواندي بول كاغامي الذي، رغم انتصاره العسكري، اختار طريق السلام والمصالحة بعد حرب أودت بحياة أكثر من 800 ألف شخص، مشيراً إلى أن رواندا أصبحت اليوم نموذجاً في التعايش والتنمية بعد أن نهضت من رماد الحرب.
وفي المقابل، يرى الفكي أن قوات الدعم السريع أظهرت مرونة أكبر تجاه قضايا السلام مقارنة بالجيش، إذ استجابت لمبادرات سابقة مثل دعوة أديس أبابا مع تحالف “تقدم” سابقاً ولقاءات جنيف، في حين ظل خطاب الجيش متشدداً.
لكنه شدد على أن جميع أطراف الحرب ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق الشعب السوداني.
وقال: “البرهان، والدعم السريع، والإسلاميون، وكل من شارك في هذه الحرب، يتحملون مسؤولية الجرائم والانتهاكات التي أجهضت ثورة ديسمبر وأحلام السودانيين بالحرية والسلام والعدالة.”
وختم الفكي بالقول إن المرحلة المقبلة تتطلب لجنة تحقيق دولية مستقلة تكشف الحقائق وتضع الأساس للعدالة والمساءلة، مؤكداً أن “لا سلام حقيقياً دون اعتراف بالجرائم ومحاسبة مرتكبيها من جميع الأطراف”.


and then