تعديلات على قانون جرائم المعلوماتية.. مخاوف من تقييد الحريات

اجتماع مجلس الوزراء برئاسة كامل ادريس-اكتوبر 2025-وزارة الثقافة والإعلام

اجتماع مجلس الوزراء برئاسة كامل ادريس-اكتوبر 2025-وزارة الثقافة والإعلام


امستردام: الأربعاء 15/ أكتوبر/2025م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
أعادت التعديلات على قانون مكافحة جرائم المعلوماتية، الجدل مرة أخرى حول القانون في الأوساط الإعلامية والسياسية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتشديد في العقوبات وسط محاذير وقلق من استخدام القانون كأداة لقمع حرية التعبير وحرية الصحافة.

وأجاز مجلس الوزراء السوداني يوم الاثنين 13/أكتوبر 2025، مشروع تعديل قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2025، الذي تقدم به وزير العدل عبد الله درف.

وقال الأمين العام لمجلس الوزراء، علي محمد علي، في تصريحات صحفية، إن الاجتماع شهد إجازة مشروع تعديل قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2025، الذي قدمه وزير العدل.

وأثارت، العبارات الفضفاضة، في القانون قلق بعض المراقبين كتلك المتعلقة بهيبة الدولة وحماية الأمن القومي وتهديد السلم الاجتماعي واستخدامها كذرائع لتكميم الآفواه وتجريم وملاحقة الصحفيين والناشطين والسياسيين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.

تضمنت التعديلات المجازة، تشديد العقوبات وإلزام القضاء بالحكم بعقوبتي السجن والغرامة معًا في حال الإدانة، مع رفع سقف العقوبات في بعض الجرائم إلى سبع سنوات، وقد تصل في حالات أخرى إلى عشر سنوات من السجن.

ومنحت التعديلات سلطات أوسع لجهات إنفاذ القانون بأن سمحت التعديلات بالتفتيش الإلكتروني، وضبط الأجهزة والمحتوى الرقمي، وأعطت النيابة سلطات تقديرية في ملاحقة الجرائم المعلوماتية حتى دون إذن قضائي عاجل.

وأكدت التعديلات الأخيرة على الحد من الجريمة الإلكترونية وتفشي الشائعات والابتزاز الإلكتروني والحفاظ على حقوق الآخرين ومكافحة خطر انتشار خطاب الكراهية.

الأمن القومي وحرية التعبير

وقال الخبير القانوني الدكتور عادل عبد الغني في حديث لـ”راديو دبنقا” إن أي تعديلات تُجرى على قانون جرائم المعلوماتية أو قانون الجرائم الإلكترونية تثير العديد من الملاحظات والمحاذير والتحفظات، خاصة فيما يتعلق بالمخاوف من المساس بحرية التعبير وحرية الصحافة والحق في تداول المعلومات.

وأشار إلى أن المرحلة الراهنة تشهد تصاعدًا في خطاب الكراهية والتحريض القبلي والجهوي والفئوي، وهو ما يقتضي أيضاً الوقوف بحزم في مواجهة هذه الممارسات في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد.

وأضاف عبدالغني: أن التعديلات القانونية ينبغي أن تراعي تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن القومي من جهة، والاعتبارات التي تتعلق بحرية التعبير والصحافة من جهة أخرى، مشيراً إلى أن الاتجاه العالمي حاليًا تميل الكفة لصالح حرية الصحافة على حساب كل الاعتبارات الأخرى، إلا أنه رأى وضع حد لهذه الحرية.

وشدد عبدالغني على أن حرية التعبير ليست مطلقة، وإذا كانت تتعدى لحرية الآخرين والمساس بهم أو تتعدى الحدود لتمس الأمن القومي السلم الاجتماعي. يصبح من الضروري أن يتدخل القانون وبكل قوة لإيقاف هذه الاعتبارات بأن هذه المسائل العامة والحساسة يجب أن تعلو على الاعتبارات الشخصية وحرية التعبير وحرية الصحافة.

تنامي خطاب الكراهية



وأكد الخبير القانوني د. عادل عبدالغني أن تشديد في العقوبات في التعديلات المقترحة يأتي استجابة لتنامي انتشار خطاب الكراهية والتحريض عبر المنصات الإلكترونية في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى أنه يجب على القانون أن يتدخل لإيقاف مثل هذه الخطابات، لافتًا إلى أن الانقسام الحاد والتشرذم القبلي والجهوي الذي يشهده السودان يتطلب تدخلاً قانونيًا صارمًا لإيقاف هذه الظواهر.
ورأى أن رفع سقف العقوبات في بعض الجرائم لتصل إلى سبع سنوات، بينما قد تصل في حالات أخرى إلى عشر سنوات نسبة إلى أن الجرائم المعلوماتية تنقسم عادة إلى نوعين، يتعلق النوع الأول بالجرائم التقليدية المدعومة إلكترونيًا أو تقنيًا.

وقال إنّ هذه الجرائم تقليدية ومعروفة مثل إشانة السمعة، والابتزاز، والاختلاس، والاحتيال، مضيفاً بأنها في الأصل يمكن أن تُرتكب دون استخدام الوسائل التقنية.

وتابع عبدالغني قائلا: “ولكن استخدام الوسائل الإلكترونية زاد من خطورتها ومن حدتها، وفي هذه الحالة من المفهوم جداً أن يكون ارتكاب الجريمة عبر هذه الوسائل الإلكترونية وعبر الشبكات، فإن تشديد العقوبة لتكون أعلى في حال ارتكاب الجريمة بالوسائل التقليدية، لضمان الأمن السيبراني وحماية الأسر والأفراد.

بينما أشار إلى أن النوع الثاني فهو يتعلق بجرائم التقنية العالية، وقال إنَّ هذه الجرائم لا يمكن ارتكابها إلا من خلال الأجهزة والشبكات الإلكترونية، وتشمل القرصنة والدخول غير المشروع إلى الحسابات أو المواقع المحظورة وكذلك سرقة البيانات والمعلومات، وتُعرف هذه الجرائم عمومًا باسم القرصنة الإلكترونية (Hacking) ويُسمى فاعلها “حاكر”.

وأشار إلى أن خطر هذه الجرائم يتضاعف عندما تستهدف مواقع الدولة مثل مواقع وزارة المالية، وبنك السودان، وحسابات الأشخاص والأفراد، أو المواقع التابعة للأجهزة الأمنية والعسكرية، ويكون مفهوم جدا زيادة العقوبات.

تشتت السودانيين

وفي جانب رأى الخبير القانوني د. عادل عبدالغني أن تشتت السودانيين في الداخل والخارج أدى إلى ازدياد جرائم الاحتيال والابتزاز الإلكتروني، حيث يتعرض كثير من الناس لعمليات خداع أو تهديد عبر الإنترنت، ما يجعل من المنطقي أيضًا رفع سقف العقوبات في مثل هذه الحالات.

كما أشار إلى أنه نتيجة الاستقطاب السياسي الحاد، شهدت الساحة العامة تصاعدًا في خطاب الإساءة وإشانة السمعة ضد الشخصيات العامة والخاصة، مبينًا أن النقاشات السياسية العامة لا ينبغي أن تكون محل عقوبة، لكن عندما يمتد الحديث إلى الممارسات الشخصية وخصوصيات الأفراد، فإن توقيع أقصى العقوبات يصبح أمرًا مفهومًا ومبررًا.

وختم الدكتور عادل عبدالغني بالتأكيد على أن التحدي الأكبر في هذه التعديلات يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين صون الحريات العامة وحرية التعبير وتداول المعلومات من جهة، وحماية الأمن القومي، والسلم الاجتماعي، وحقوق الأفراد وخصوصيتهم من جهة أخرى.

قلق في نقابة الصحفيين


من جهته قال السكرتير العام لنقابة الصحفيين السودانيين محمد عبدالعزيز لـ”راديو دبنقا” إنهم في النقابة تابعوا بقلق بالغ التعديلات المقترحة على جرائم الالكترونية، خاصة تلك التي تتضمن تشديد العقوبات وتوصية تعريف الجريمة الالكترونية.

وحذر من أن تلك التعديلات قد تشكل تهديداً مباشراً لحرية التعبير وحرية الصحافة، وتابع قائلاً: “نحن لانعارض تحديث القانون بما يواكب التطور التقني لكننا نرى أن أي تعديل يجب أن يتضمن إطار قانوني متوازن يراعي الأمن السيبراني من جهة ويصون الحقوق الدستورية في الحقوق في التعبير والنشر من جهة أخرى.

وقال عبدالعزيز: “لقد علمتنا التجارب السابقة أن النصوص الفضفاضىة في القوانين كثيراً ما تستخدم لتقييد الحريات بدلاً من حماية المجتمع”، داعياً إلى حوار تشاوري واسع تشارك فيه النقابة ومنظمات المجتمع المدني وخبراء القانون قبل إجازة أي تعديل جديد، حتى لايتحول القانون إلى آداة للرقابة والترهيب.

وحول كيفية التوازن بين الأمن القومي وحرية التعبير أكد السكرتير العام لنقابة الصحفيين السودانيين محمد عبدالعزيز، أن الوضوح في النصوص القانونية يشكل الضمان الحقيقي، مشددا على أنه المطلوب تعريفاً دقيقاً للجريمة الالكترونية يفرق بين ما يهدد أمن الدولة فعلاً، وبين الرأي والنقد المشروع في الفضاء العام، منوهاً إلى أن حماية الوطن لاتكون بتكميم الآفواه بل بتعزيز الثقة والشفافية.

ذريعة للتجريم

وأقر عبدالعزيز بانتشار جرائم رقمية خطيرة فعلاً كالابتزاز الالكتروني والاحتيال وانتهاك الشخصية يتطلب تشريعات قوية، محذراً من الأ يستخدم ذلك ذريعة لتجريم النشر أو الرأي، مشيرًا إلى أن القانون الرشيد هوالذي يردع الجريمة لا الذي يرهب الصحفيين والمدونيين.

وأرجع أن توقيت هذه التعديلات تأتي في ظرف استثنائي مشيراً إلى أن السودان يعيش حرباً طاحنةً أثرت على مؤسسات الدولة وجعلت الفضاء الرقمي المصدر الرئيسي للمعلومات، وتابع قائلاً: ” وفي مثل هذا الواقع يجب أن نكون حرصاً وليس أكثر تشدداً لأن أي قانون يقر في ظل الحرب يجب أن يصاغ بعون بارد وبروح متفتحة تضع مصلحة الوطن والمجتمع أولاً”.

وقال صحيح إن الجرائم الإلكترونية تحتاج إلى معالجة ولكن التشدد وحده لايكفي، الردع الفعال يتحقق أم لا، عبر عدالة نزيهة وإجراءات قانونية شفافة، ووعي مجتمعي بالاستخدام الآمن للتقنية.

وختم بالتأكيد على أن حرية التعبير ليست جريمة بل هي أساس نظام أي ديمقراطي يقوم على الشفافية والمسائلة، وأضاف قائلاً: “ونحن في نقابة الصحفيين السودانيين سنظل ندافع عن هذا المبدأ وأن حماية الكلمة الحرة هي الخطوة الأولى نحو حماية الوطن ذاته”.

Welcome

Install
×