د. المحبوب عبدالسلام : أدعو إلى صيغة سودانية في التسامح والتصالح، و العدالة الانتقالية

الدكتور المحبوب عبدالسلام : مصدر الصورة : راديو دبنقا
أمستردام :22 سبتمبر 2025 : راديو دبنقا
أكد المفكر الإسلامي د. المحبوب عبدالسلام أن المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية لم يستفيدوا من الدرس، ولم يتمكنوا من تجاوز حالة المواجهة والمحادة مع القوى السياسية الأخرى. وأوضح ان الحركة الاسلاميى ومؤتمرها الوطني (لم يحاسبوا أنفسهم المحاسبة اللازمة على ما اقترفوه أو ما أنجزوا في الثلاثين عاما الماضي من حكم السودان. )
وفال في مقابلة شاملة مع راديو دبنقا عبر برنامج بصراحة بث السبت حول ( الإسلاميين وحرب السودان وسبل السلام ) قال ان الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني امامهما الان واجبًا كبيرًا يفرض عليهم الانتقال من حالة “الانغلاق” التي (سجنوا)أنفسهم فيها إلى الانفتاح، والانخراط في فضاءات الفكر الحر، والتعامل بجدية مع تحديات العصر وما يطرحه من مناهج وأفكار.
وقال المحبوب – وهو أيضا كاتب وباحث له عدة مؤلفات ودراسات في الفكر الإسلامي – ان تجربة الحركة الإسلامية التي استمرت ل 30 عاما في حكم السودان كلفت تكاليف باهظة وحملت تجاوزات ضحمة في ملف حقوق الانسان .
واكد ان الحركة لم تستفيد من الدروس والعبر من حكمها للسودان لنعبر إلى جماعة وطنية سودانية، وإلى سودان مؤسس فعلاً على العدل والحرية والديمقراطية وأضاف (لا تزال الجماعات المنتمية للإسلام السياسي – غير قادرة على مقايَسة الدولة بالديمقراطية كما ينبغي ) .
وأوضح ان التجربة رغم اعتمادها على كوادر جيدة درست في أرقى الجامعات، وكان لديها خبرات من تجارب الحكم مع النميري ومع الصادق المهدي، لكنها لم تُسعف في مواجهة التحديات الحقيقية في الواقع ولا في مواجهة الأسئلة الفكرية والروحية الكبيرة. وأضاف (هكذا حدثت المفارقات الضخمة. وكما يشير كثير من الإسلاميين في العالم العربي، فإن تجربة السودان أصبحت “عيباً عليهم”، لأنهم يُسألون عنها ويُقايَسون بها.)
واكد أن الخلاصة تتمثل في ان تحدي العصر، و الدولة المعاصرة اليوم هو الديمقراطية، (وهو الإطار الذي نريد أن تبلغه مؤسسات الدولة و منظمات الشعب المدنية.)
الانقسامات داخل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني
وأشار د. المحبوب في المقابلة مع “راديو دبنقا” إلى أن المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد بقيادة البشير الى سقوطهما بثورة ديسمبر لم يعد حزبًا واحدًا الان وقال ان المؤتمر الوطتي انقسم إلى قيادتين مختلفتين تمام الاختلاف، فيما تقسمت في المقابل الحركة الإسلامية إلى قيادات وتيارات متعددة من بينها المؤتمر الشعبي الذي انقسم الى قيادتين الاولي بقيادة د. علي الحاج، والثانية بقيادة المهندس أمين محمود، بالإضافة الى الحركة الإسلامية التي يقودها علي كرتي، هذا الى جانب تيار الإصلاح الآن بالإضافة الى المجموعة التي اجتمعت مؤخرا في كوالالمبور.
واكد أن الحركة الإسلامية بتجربتها الممتدة لا يمكن إقصاؤها من مستقبل السودان، وقال: ( ان الحركة الإسلامية التي حكمت لمدة ثلاثين عاماً وظلت في الحياة السياسية لمدة سبعين عاماً ،هي اقرب لمجتمع فيه جيل الاجداد وجيل الآباء وجيل الأبناء والأحفاد .)
وتابع (إذا أردت أن تؤسس لمستقبل السودان لا يمكن أن تقصي أحداً، ولا يمكن كذلك أن تقصي تيار فكري او مدرسة فكرية.) ومغ ذلك اشترط المحبوب لحدوث ذلك قيام – حركات الإسلام السياسي – بمراجعات وتقديم رؤيتها للمستقبل الذي يتسق مع الجماعة الوطنية ومع قضية الديمقراطية. وأضاف (هذه المدارس الفكرية ملزمة كذلك بأن تقدم مراجعاتها وتقدم رؤيتها للمستقبل الذي يتسق مع الجماعة الوطنية ومع قضية الديمقراطية.)
الإسلاميون سبب الأزمة:
وحول تحميل السودانيين للحركة الإسلامية مسؤولية الحرب وما حل بالسودان ووصمها للتيار الإسلامي بالإرهاب أجاب المحبوب قائلا : (أنا أشرت أكثر من مرة إلى أن التعميم على هذا التيار فيه خطأ، لأن بعض أطرافه دعت إلى الحوار، وبعضها الآخر أعلن معارضة مساندة… وقد أشار الدكتور إبراهيم غندور، الرئيس السابق للمؤتمر الوطني، إلى ذلك بوضوح.) واضاف قائلا ( لا يمكن حل أزمة بهذا التعقيد، وقد انتهت إلى حرب شاملة، باللجوء إلى الحلول السهلة مثل إقصاء جهة أو وصمها بالإرهاب ، أو اتهام آخرين بالخيانة أو بالتعاون مع الأجنبي لاحتلال السودان. واكد المحبوب ان مثل هذا النمط من الاتهامات المتبادلة لا يقود إلى حل.

الحرب ومعاناة السودانيين
واعتبر الدكتور المحبوب أن الحرب الحالية لم تستثنِ أحداً، فقد عاش السودانيون مأساة كبيرة ، فقدوا فيها ، الكثير من أرصدتهم، المادية ، والمعنوية. ورأى أن المطلوب الآن هو شجاعة كبيرة من القوى السياسية، خاصة ذات التاريخ الطويل، لتقديم أفكار جديدة تخرج البلاد من حالة الحرب
وقال أن مراكز القرار في البلاد، سواء كانت القوات المسلحة أو مجلس السيادة أو مجلس الوزراء، لم تطرح بعد رؤية جديدة يلتف حولها السودانيون لوقف الحرب.
وقال ان تحالف تأسيس – الذي يرأسه قائد الدغم السريع محمد حمدان حميدتي – في المعسكر المقابل يطرح حكومة في نيالا مقابلة لحكومة بورتسودان، هو أيضا مواجه بتحديات .
وأضاف شارحا (لا يمكن فقط أن نكتفي بأننا قد أسسنا حكومة في منطقة أخرى من السودان، وما تزال الحرب والمعاناه مستمرة، وما يزال السودانيون يدفعون اثمانا باهظة تتجاوز حتى طاقة الإنسان).واكد أن هذه المشكلات الضخمة (تحتاج لأفكار ضخمة كبيرة، ولقيادات حقيقية ، ولشجاعة كبيرة لتجاوز هذه الحالة. )
خطر وجود حكومتين
وحول وجود حكومتين في البلاد، اكد المحبوب أن هذا الواقع ( يقود إلى مزيد من التجزئة والتفكك.) مشيراً إلى أن هذا الحالة فرضت نفسها بلا رؤية واضحة.
وأضاف شارحا : ( قوات الدعم السريع كانت في الخرطوم ، وانتقلت إلى الجزيرة ، ثم انسحبت منهما ، ثم انحصرت في مناطق كبيرة في دارفور وكردفان، … حتى الآن لم تفرض سيطرتها في هذه المناطق … ولكي تؤسس لنفسها كيانا – اعلان حكومة تأسيس في نيالا – أخذت وقت طويلا ، لاختلاف مكوناتها .)
واوضح ان هذه التحديات، ( لا أرى أفكار وأجوبة يمكن أن تواجهها. )
عسرات أمام الحل:
واعتبر المحبوب أن ما يعسر الحل ويطيل أمد الحرب هو الانشقاق والتفتت والتمزق داخل الساحة السياسية السودانية. وقال: ( أنا جربت في أكثر من مناسبة ، حاولت جمع الفرقاء السودانيين على مائدة مستديرة، لكن هذه المحاولات فشلت؛ فالساحة منقسمة بين مؤيدين للحرب ومعارضين لها، وبين مؤيدين للجيش ومعارضين له.)
وأضاف: (هنالك ثمة تاريخ طويل من التجاوزات والمآسي حلت بالسودانيين، وهم بحاجة إلى إصلاح روحي عميق يخرجهم من حالة المواجهة والإقصاء إلى حالة التوافق والتصالح. ومن ثم يحتاجون إلى خطوة لاحقة تتعلق بكيفية تنظيم الصراع والخلاف في المرحلة المقبلة.)
وتابع قائلاً: (أتفق معك أن الإسلاميين عنصر سلبي في هذه المعادلة، ويجب أن تتحول مراكز منهم إلى دافع ووقود لعمل إيجابي يهدف إلى إخراج السودان من حالة الحرب والمأساة إلى حالة الاستقرار الديمقراطي.)
وعبر المحبوب عن اعتقاده بأن تطبيق هذا الكلام ليس سهلاً؛ ( لأن جزءا منها مرتبط بتنازلات فكرية وسياسية، وجزءا اخر مرتبط بشجاعة الأطراف السياسية واستعدادها للانخراط، وجزء ا ثالثا مرتبطا بأدب التعافي والتصالح، وجزءا رابعا مرتبطا بقضايا العدالة الانتقالية.)
وخلص إلى أن هذه كلها المسائل التي ذكرها تتعلق بقضايا التأسيس (التي نبحث فيها عن صيغة سودانية قادرة فعلاً على إقامة عدالة انتقالية تخرج الناس من حالة الحرب إلى حالة التصالح والبناء.)

الحل هو الاشتباك:
واعتبر أن الحل لايمكن أن يقتصر على طرفي النزاع، ورأى أن الحل (ينبغي أن يعتمد على الشمول لا أن يعتمد على المتقاتلين والمتحاربين ) وأضاف ( هنالك قوى سياسية أخرى يجب أن تسهم وينبغي لها أن يتاح لها أن تسهم.)
واكد المحبوب أن الحل يتطلب رؤية متكاملة وشجاعة تتيح جمع كل أطراف المآساة والفرقاء السودانيين في مكان واحد ، ( في حوار ، تتكامل فيه الأفكار ، لأن الحوار سيكشف أن كثيرًا من الخلافات متوهمة ، أو مؤسسة على صراعات شخصية وتاريخية.)
وأضاف ( الحل في الاشتباك مع الفرقاء في الساحة السياسية السودانية ، بالدخول معهم في حوار، ونقاش، عبر القبول بالجلوس ، في مائدة واحدة … نناقش مع اتفقنا عليه، … ونرجع إلى الشعب فيما اختلفنا عليه.)
وتابع 🙁 كل هذه القضايا إذا اشتبكنا في حوار حقيقي ومخلص وتجاوزنا حالة الاقصاء التي أشرت إليها ، وحالة التوأم السيامي الذي لا يمكن أن يعيش إلا إذا قضى على أخيه، وحالة الاقصاء والسحق هذه . ) في إشارة الى استبعاد الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني من الحوار وإصرار طرفي النزاع على استمرار الحرب حتي القضاء النهائي على الطرف الاخر.
وشدد المحبوب على ان الإبقاء على هذه الحالات و استمرار ها لن تنفع الساحة السياسية السودانية الراهنة”.
واكد المحبوب أن الأزمة لا تخص الحركة الإسلامية فقط بل تخص كذلك جهات أخرى تتبنى راية الحرب، وجهات أخرى تحارب هذه الجهات التي تتبنى راية الحرب. مشيرا الى ان المشكلة الجارية في رأيه ( لا تخص حالة الإسلاميين فقط رغم ان حالة الإسلاميين في هذا الخصوص معقدة ومؤثرة لكن كما قال هناك حالات اخري تحتاج إلى نظر ولشجاعة و لخطوات من التنازل والتسامح .) وتابع قائلاً: “الاشكال في تقديري والأزمة هي سياسية إذا تم تجاوز الأزمة السياسية يمكن للحرب أن تقف .
قضايا التأسيس
وحول ما هو مطلوب الان قال المحبوب عبدالسلام: إن المطلوب الآن هو الانصراف إلى قضايا التأسيس، (و الديمقراطية تحتاج إلى تأسيس راسخ.)
واكد ان المطلوب من الساحة السياسية السودانية خلال هذه الحرب وبعدها، كأولوية هي قضايا التأسيس: (كيف نُقيم نظام حكم يستجيب لحاجات السودانيين وتطلعاتهم، ويستصحب تجربتهم التاريخية وأشواقهم في الهوية والثقافة، ويحدد نظام الحكم الذي يناسبهم، سواء كان فيدراليًا أو كونفدراليًا. ثم نمضي إلى مسائل بالغة الأهمية، مثل شرط وجود جيش واحد، وهو شرط أساس حتى للفيدرالية نفسها.)

رؤية المحبوب
وحول رؤيته للحل ، أوضح المحبوب ان رؤيته ، التي قال بانه ناقشتها مع عدد من المفكرين والسياسيين السودانيين، تقوم ( بأن تنصرف القوى السياسية إلى قضايا التأسيس، وألا تكون مرحلة الانتقال موضعًا للصراع بين القوى السياسية كما حدث في فترات انتقال سابقة انتهت إلى الفشل.)
وتابع قائلاً: (نريد أن نعهد بقضايا الحكم كلها إلى ما نسميه بالخبراء أو التكنوقراط. هؤلاء يمكنهم أن يديروا البلاد عبر جماعة من السودانيين المرضي عنهم، ممن يحظون بالثقة والقبول من غالب الساحة السياسية، سواء كانوا منتمين أو غير منتمين للأحزاب. أما الأحزاب السياسية، فينبغي أن تتفرغ لقضايا التأسيس.)
وأشار المحبوب إلى أن هناك موضوع مؤجل منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهو المتعلق بالمؤتمر الدستوري (حول كيفية أن يكون لنا جيش واحد … كيف يمكن أن نصل إلى نظام حكم نتوافق عليه، سواء كان فدراليًا أو كونفدراليًا؟ إلى جانب قضايا تأسيسية أخرى، مثل قضية الهوية التي لم تكن مطروحة بوضوح في المداولات السابقة.)
حياد الدين عن الدولة
وحول موقف الإسلاميين وإصرارهم على أن الإسلام هو الحل مقابل الدعوات المطروحة لفصل الدين أو حياده عن الدولة، قال المحبوب: ( أرى أن الغاية من العمل السياسي والحركة السياسية برمتها هي تحقيق الديمقراطية. وعندما يُقام نظام ديمقراطي حقيقي تتنافس فيه الأحزاب والمدارس الفكرية على البرامج لا على المناطق ولا على العناصر ولا على الجهات، عندئذٍ يمكن للإسلاميين أن يكونوا جزءًا من الجماعة الوطنية التي تتصدى لهذا الواجب. وهذا هو أكبر تحدٍّ يواجههنا.)
خارطة طريق لإنهاء الحرب
وطرح الدكتور المحبوب عبدالسلام في المقابلة مع “راديو دبنقا” خارطة الطريق للحل من (4) مراحل تبدأ اولا بوقف إطلاق النار، ثم تليها مرحلة وقف العدائيات، موضحاً أن المقصود بوقف العدائيات هو وقف كل الخطابات التي تؤجج الحرب ويغذي الانقسام. فيما تتمثل المرحلة الثالثة في اختيار حكومة مرضي عنها تتولى إدارة الشأن اليومي للمواطنين السودانيين، على أن تُمهّد هذه الخطوة الطريق للخطوة الرابعة وهو انعقاد المؤتمر الدستوري.
وأوضح أن المؤتمر الدستوري يجب أن يكون ساحة حرة للتداول حول قضايا التأسيس، بما في ذلك قضية الجيش الواحد، ونظام الحكم، وقضايا العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالهوية.
وشدد على أن كل هذه القضايا ينبغي أن تُطرح وتُنظم بشكل يعكس تقاليد المؤتمرات الكبرى التي عرفتها الشعوب في المراحل التاريخية المفصلية. وأوضح انه بفضل في هذا الخصوص أن تنصرف القوى السياسية الحقيقية إلى قضايا التأسيس، بينما تترك مهام حكومة الأمر الواقع أو حكومة تصريف الأعمال إلى خبراء أو تكنوقراط”.

المائدة المستديرة
واكد المحبوب ان السؤال المطروح اليوم هو: من الذي ينبغي له أن يحضر إلى المائدة المستديرة ؟ واستدل في الاجابه على سؤاله بحديث الامام الراحل الصادق المهدي عن وجود أكثر من 17 جهة يمكن أن تجتمع حول طاولة واحدة في المؤتمر الدستوري ، وقال ان المطلوب اليوم ان نقوم بزيارة جديدة لهذه الجهات المختلفة ( وبذلك نضمن إلى حد كبير أنها مثلت مختلف مكونات السودان.)
وأكد المحبوب أن أجندة الحوار نفسها يجب أن تكون محل اتفاق، وأضاف قائلاً :(هذه المسائل يمكن أن تُحسم إذا أقبلنا على بعضنا البعض بروح التعافي والتسامح والصفح، وإذا أجرينا مراجعة كافية لمواقفنا وتاريخنا…. عندها يمكن أن نتواضع على أجندة حوار وطنية جامعة…. أما غير ذلك، فلن يكون هناك سوى استمرار الحرب، وتهديد السودان بمزيد من الانقسام والتمزق.)
طريق ثالث
وطرح د. المحبوب ما سماه بالـ”طريق ثالث”، كخيار آخر لحل الأزمة وقال: (إن الحوار حول قضايا التأسيس عبر مائدة مستديرة هو الخيار الأنسب، لكن هنالك إشكاليات تعترض هذه الفكرة.)
وأضاف:(في تقديري، إنّ الجهة التي ينبغي أن تتبنى الدعوة لهذا الحوار هي الجهة التي تملك اليوم صفة الحكومة المعترف بها دولياً، والتي تتواصل مع العالم والمنظمات الدولية بهذه الصفة. فهي الأقدر على الشروع في هذه المبادرة.)
وأوضح بأن كثيراً ما ذكر رئيس الوزراء الجديد أنه يريد إدارة حوار. وتابع قائلاً: “أنا أشرت إلى أن هناك حكومة معروفة للعالم تمثل السودان، هي حكومة بورتسودان التي تنتقل الآن إلى الخرطوم. وأشير تحديداً إلى الدكتور كامل إدريس، الذي ذكر أكثر من مرة أنه يمكن أن يقود حواراً جامعاً لكل السودانيين. لذلك أقول إن المبادرة يجب أن تأتي من جهة لها مركز وسلطة”.
“الرباعية” ليس سلبياً ولا إيجابياً:
وحول موقفه من بيان دول الرباعية (أمريكا مصر السعودية والامارات )، قال المحبوب 🙁 أنا اعتبر هذا البيان ليس سلبياً كله، وكذلك ليس إيجابياً كله، لكن ينبغي أن يُستثمر من قبل أطراف الساحة السياسية السودانية نحو حل يمتلكه السودانيون.) وأشار إلى أن الرباعية تضم دولاً لديها مصالحها ومشكلاتها الخاصة، وتسعى إلى خدمتها، مؤكداً أن مصير هذا البيان مرتبط بمدى تجاوب الشعب السوداني معه. واكد انه ( لم يري بعد تجاوبا كافيا مع البيان ، وهو أمر متوقع، لأن الساحة الآن في حالة من التشظي والاختلاف، والوضع في حالة حرب، وكل ذلك يعسر أي تجاوب جيد .)

مؤتمر القاهرة
وأوضح المحبوب إلى أن البيان الأخير للرباعية أشار إلى استئناف مؤتمر القاهرة، معتبراً ذلك إنجازاً كبيراً لأنه أول مرة تجتمع فيه أطراف الساحة السياسية السودانية في مؤتمر واحد. وقال:( رغم أن المؤتمر لم يبلغ النجاح الكامل، ولم يُعقد له مؤتمر ثانٍ، إلا أنه منح فرصة مهمة، حيث يمكن لمصر – التي تستضيف ملايين السودانيين – أن تقود هذا الحوار وتحقق الهدف الذي حدّدته في مؤتمر القاهرة الأول، وهو أن الحرب ستتوقف متى ما تجاوزت القوى السياسية خلافاتها واتحدت على موقف مشترك.)
وأشار إلى أن مؤتمر القاهرة خرج بوجود ميسرين سودانيين مستقلين، لا ينتمون لأحزاب بالمعنى المباشر، لكن لهم تاريخ وتجربة مكنتهم من التوفيق بين الفرقاء السودانيين في قاعة المؤتمر.
وأضاف أن المؤتمر خلا تماماً من أي عنصر غير سوداني، مما يجعله خطوة يمكن البناء عليها.
وأوضح أن مؤتمر القاهرة ناقش ثلاثة أجندات تتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، وقف الحرب، واستئناف العملية السياسية، مؤكداً أن هذه الأجندة لا تزال ماثلة وتمثل تحديات قائمة، واكد أن توسيع دائرة الميسرين أو تضييقها يمكن أن يسهم في العودة إلى مؤتمر القاهرة واستئناف الحوار، باعتباره السبيل الوحيد لحل الأزمة السودانية.
خطاب الكراهية والتسامح
واكد المحبوب ان التحدي الحقيقي الذي نواجهه اليوم يكمن في خطاب الكراهية، والأدب المرتبط بالحوار والديمقراطية، والأخلاق المتصلة بالتسامح. وأضاف: (لقد أشرت منذ انتصار ثورة ديسمبر إلى أن هذه الثورة تحتاج إلى روح مسيحية، وكنت أعني بذلك ذلك القدر الهائل من التسامح الذي يتيح لك أن تصفح، وذاك القدر الكبير من التعافي ، الذي يمكنك أن تتجاوز به كثيرًا من المشكلات، من أجل مستقبلك، ومستقبل أبنائك ، وأحفادك، ومستقبل بلادك.)
وحذر المحبوب من تنامي وتفشي خطاب الكراهية وقال في هذا الصدد “أول ما يجب الإشارة إليه هو ما نسميه بخطاب الكراهية، والذي يُعبَّر عنه أيضًا في إطار الترتيبات الأمنية بوقف العدائيات”.
واكد”.واكد ان الحرب أولها كلام واستمراراها يعتمد على الكلام مشيرا في هذا الحصوص إلى الخطاب المتداول مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، التي قال بأن بدايتها كانت خيرًا، أصبحت الآن مصدر تهديد، لأنها متاحة للجميع دون رقابة أومراقبة”.
وتابع قائلا: لأنها متاحة لكل إنسان أن يقول ما يشاء، وقد يخدم بذلك أجندات مختلفة. )
صيغة سودانية للتسامح والعدالة الانتقالية
وختم الدكتور المحبوب عبدالسلام حواره مع “راديو دبنقا” بدعوة السودانيين إلى التداول والحوار حول الأفكار، وتجاوز حالة العصبية السياسية، والتوقف عن استخدام الوسائل الحديثة والتواصل الاجتماعي لإذكاء نار الحرب بدلاً من إصلاح حال البلاد. وقال: “أدعو إلى صيغة سودانية في التسامح والتصالح، وصيغة سودانية في العدالة الانتقالية”.كما وجّه رسالة مباشرة إلى طرفي النزاع قائلاً إن “لا كلمة لهما سوى أن يتجاوزا حالة الحرب إلى حالة إسكات البنادق”.
