نيالا.. جرائم منظمة وفوضى تروع المدنيين

فارغ الدانات التي استخدمت في المعارك التي دارت بين الجيش وقوات الدعم السريع بمدينة نيالا بولاية جنوب دارفور - المصدر وسائل التواصل الاجتماعي
منتدى الإعلام السوداني
نيالا، 21 يونيو 2025 ( سودان تربيون)
تشهد مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، انهياراً أمنياً غير مسبوق، حيث تصاعدت وتيرة الانتهاكات بشكل حاد لتشمل القتل خارج القانون، والنهب الممنهج، والابتزاز، وعمليات الاختطاف للمطالبة بفدى مالية، وسط اتهامات بتورط ضباط كبار في إدارة الجرائم وتنظيمها.
وبلغ الانفلات الأمني ذروته بعد وصول أعداد كبيرة من مقاتلي الدعم السريع من جبهات ولايات الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وسنار، عقب الخسائر العسكرية التي تكبدوها هناك. ووفقاً لمصادر محلية، انخرط المقاتلون العائدون في أعمال سلب ونهب واسعة، مما حول حياة المدنيين إلى جحيم دفع عشرات التجار والموظفين للاختباء في منازلهم خشية استهدافهم.
لكن قوات الدعم السريع تنفي عنها تهمة التفلتات وتقول إن من يقوم بها هم متفلتون استغلوا ظروف الحرب . ومنذ الشهور الأولى لاندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 يسيطر الأخير على مدينة (نيالا) ومناطق واسعة من أراضي دارفور الكبرى، وينوي أن يعلن هناك عن حكومة موازية ضمن تحالف (تأسيس) الذي تم تدشينه قبل عدة أشهر.
“نعيش أياماً عصيبة،” تقول المواطنة عائشة من حي الوحدة لـ”سودان تربيون”، وتضيف: “جنود الدعم السريع وميليشيات قبلية متحالفة معهم ينهبون كل شيء، حتى الطعام والخضروات من الأسواق”. وأشارت إلى أن ابنها تعرض للطعن بآلة حادة عندما قاوم مجموعة مسلحة حاولت سرقة هاتفه أمام باب منزلهم، مؤكدة أنها تفكر جدياً في مغادرة المدينة بحثاً عن الأمان.
من جانبه، أوضح تاجر في سوق “موقف الجنينة” أن مجموعات مسلحة من الدعم السريع تبتز التجار وتجبرهم على دفع إتاوات ضخمة تحت ذريعة توفير الحماية. وقال: “السوق أصبحت عبارة عن فوضى عارمة، ينتشر فيها مسلحون، بعضهم أطفال، ينهبون ويسلبون بقوة السلاح”. وكشف أن هذا الوضع دفع كبار التجار للهروب إلى تشاد وليبيا وجنوب السودان.
كما يرجع الناشط الحقوقي عثمان بدر الدين تصاعد الجرائم إلى غياب سلطة القانون وانعدام رواتب مقاتلي الدعم السريع منذ بدء الحرب، مما دفعهم للنهب والقتل لتأمين متطلباتهم.
ورغم الفوضى والتفلتات الأمنية التي تعم المدينة إلا أنها تتركز بشكل أوسع في سوقين رئيسيين:
- سوق “قادرة”: يقع جنوب غرب المدينة وتسيطر عليه عناصر موالية للدعم السريع بشكل كامل. وبحسب بدر الدين، يُباع في هذا السوق كل شيء، بما في ذلك السلاح والذخيرة والمخدرات، مؤكداً أن “الدعم السريع وحكومته المدنية ليس لديهما سلطة على هذا السوق، بل إن أغلب تجاره هم ضباط وجنود في القوات” .
- سوق “موقف الجنينة” : يسيطر عليه تجار من إثنيات تحسب على القبائل غير العربية، ويتعرضون فيه لإبتزاز مستمر. وشهد السوق حوادث قتل دامية، من بينها مقتل 6 من جنود الدعم السريع على يد جندي سابق في الجيش قذفهم بقنبلة يدوية بعد تعرضه للإبتزاز المتكرر.
تؤكد مصادر متطابقة لـ”سودان تربيون” أن ضباطاً كباراً في الدعم السريع يشرفون بشكل مباشر على المجموعات التي تروع المدنيين. وذكرت المصادر أسماء محددة من بينها العقيد محمد شوربة، والمقدم علي عليود الذي قُتل سابقاً على يد مجموعة من الدعم السريع أثناء محاولته نقل أموال وسيارات مسروقة. كما أشارت إلى المقدم “عينة”، الذي كان يقود مجموعة إجرامية قبل أن يقتله تاجر بقنبلة يدوية في مارس الماضي .
“معتقلات الموت” والإختفاء القسري
تنشط في نيالا مجموعات متخصصة في الإختطاف، حيث سُجل اختفاء أكثر من 100 شخص في ظروف غامضة خلال شهرين. وتدير قوات الدعم السريع معتقلات متعددة في المدينة، أبرزها “غابة النيم” ومبنى الاستخبارات العسكرية السابق، حيث تحتجز عشرات المدنيين والتجار والموظفين، بالإضافة إلى ضباط متقاعدين من الجيش والشرطة، تحت ذريعة التخابر لصالح الجيش.
وذكر أحد المواطنين أن شقيقه اختُطف قرب المستشفى التركي بعد اتهامه بتصوير المرفق الذي تستخدمه القوات لعلاج جرحاها، وأن المسؤولين عن المعتقل طلبوا فدية قدرها 7 ملايين جنيه سوداني لإطلاق سراحه .
الدعم السريع ينفي
في المقابل، نفى مصطفى محمد إبراهيم، مستشار قائد قوات الدعم السريع، هذه الاتهامات. وقال لـ”سودان تربيون” إن “هذه التفلتات لا تقوم بها قوات الدعم السريع، بل متفلتون استغلوا ظروف الحرب”. واتهم “أذرعاً تابعة للمؤتمر الوطني” بتحريك هذه العصابات لزعزعة الاستقرار. وأكد أن قيادة الدعم السريع وضعت خطة أمنية وألقت القبض على عدد من المتورطين، نافياً مغادرة التجار للمدينة ومؤكداً أن قواته لن تتهاون مع أي فرد من أفرادها يرتكب جريمة .
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد “سودان تربيون” في إطار المتابعة اللصيقة للتداعيات الأمنية الخطيرة التي يعيشها السكان في مدينة نيالا الواقعة إقليم دارفور.
