انقلاب السودان الحالي ليس سوى نصف النهائي. وعلينا الآن انتظار ما سيتمخض عنه النهائي.

يرى مقال في صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية أنه لم يكن هناك انقلاب عسكري متوقع مثل ما كان الانقلاب الذي نفّذه الجيش في السودان الاثنين الماضي، ووضع به قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان على رأس البلاد التي كان يحكمها بالفعل، ولكن في تقاسم قسري للسلطة مع مؤسسات مرتبطة بجدول زمني انتقالي، أوشك أن يزيح البرهان لصالح قائد مدني على الأرجح.

 

صحيفة اللموند الفرنسية 

يرى مقال في صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية أنه لم يكن هناك انقلاب عسكري متوقع مثل ما كان الانقلاب الذي نفّذه الجيش في السودان الاثنين الماضي، ووضع به قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان على رأس البلاد التي كان يحكمها بالفعل، ولكن في تقاسم قسري للسلطة مع مؤسسات مرتبطة بجدول زمني انتقالي، أوشك أن يزيح البرهان لصالح قائد مدني على الأرجح.

ووفق مقال الصحفي المختص في أفريقيا جان فيليب ريمي، فإن استيلاء الجيش على السلطة هذا -وفي سياق الوضع السوداني المعقد- يكرس نفوذ مصر لدى الجنرالات، ويوفر لهم فرصة للتنصل من الولايات المتحدة الملتزمة حتى الآن بملف التحول الديمقراطي.

وفي هذه اللعبة التي بدأت الآن في هذا الجزء من العالم -كما يرى الكاتب- يندرج طموح الولايات المتحدة لمواجهة الصين، وطموح روسيا لتوسيع منطقة نفوذها، فضلا عن أهداف دول خليجية وتركيا والجهات الفاعلة الأخرى الأقل ظهورا في المشهد، من التي توفر لها الفوضى المتزايدة فرصا مواتية.

ويأتي هذا التطور في وقت تخوض فيه إثيوبيا حربا أهلية، ويوشك الصومال على الانهيار، في حين يُنظر إلى السودان على أنه قطب للاستقرار في طور التكوين، ومكان لتسويق فضائل الديمقراطية، إلى درجة أنه اكتسب أهمية غير مسبوقة على الرادارات الدولية، إلا أن مرحلة أخرى -كما يقول الكاتب- تبدأ الآن على خلفية الصراع من أجل النفوذ الذي يكون غالبا على حساب تطلعات الشعوب.

تطبيع العلاقات مع إسرائيل

ومنذ أن نجحت حركة شعبية سلمية في إسقاط الرئيس السابق عمر البشير عام 2019، والسودان تحكمه حتى صباح الاثنين سلطات انتقالية مجسدة في مجلس سيادة يشمل كلا من المدنيين والعسكريين، مهمته قيادة الأمة حتى الانتخابات، ويترك تسيير الأمور الجارية لحكومة يقال إنها من التكنوقراط.

وبفضل صيغة الحكم هذه -كما يقول الكاتب- استعاد السودان مكانته على المسرح الدولي بعد عقود من العزلة، وحصل على وعد بمساعدة مالية من واشنطن بعد رفع اسمه من القائمة الأميركية للدول الممولة للإرهاب، بعد أن وقّع ما تسمى اتفاقات "أبراهام" في يناير/كانون الثاني 2021 للتقارب مع إسرائيل، في خطوة قام بها البرهان عندما أعلن "تطبيع" العلاقات مع الدولة العبرية من كمبالا بأوغندا عام 2020.

ويقول الكاتب إن البرهان -الذي أصبح الآن وحده في قيادة البلاد- كرر دعمه للتطبيع، في ما يبدو أنه رسالة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة، ولكن الاتجاه بأكمله تغير بقطع الانتقال الديمقراطي، واعتقال جميع أعضاء الحكومة تقريبا، بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي نُقل إلى منزله في عملية إطلاق زائفة بدليل أنه لا يزال غير قادر على التحرك.

انتصار لإرادة مصر

ويقول الكاتب إنه ومع تركز القوة الآن في يد البرهان وحده، فإن الأمر لا يبدو تتويجا له، ولكنه يعد تهديدا بالانفجار الداخلي، لأن انقلاب يوم الاثنين -على حد تعبير أحد المراقبين الإقليميين- "ليس سوى نصف النهائي، وعلينا الآن انتظار ما سيتمخض عنه النهائي". مما يعني مواجهة متوقعة بين أطماع الجنرالات المتحالفين مع عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على خلفية تباين المقاربات، خاصة بشأن إثيوبيا.

ويرى الكاتب أن هذا الانقلاب يمثل -ومنذ الوهلة الأولى- انتصارا لإرادة مصر التي ذهب إليها عبد الفتاح البرهان لإبلاغ الرئيس عبد الفتاح السيسي عن خططه، أو لأخذ أوامره قبل الإطاحة بالسلطات الانتقالية، لأن مصر بدعم من دول الخليج تريد -وفقا للعديد من المراقبين- انتهاء مغامرة الانتقال المدنية باستيلاء الجيش على السلطة، مجازفة بمواجهة الولايات المتحدة التي أعلنت تعليق "صرف 700 مليون دولار"، من دون تأثير ملحوظ على مجرى الأحداث حتى إشعار آخر.

الوضع المتوتر مع إثيوبيا

وبالنسبة للولايات المتحدة كما يقول الكاتب- يعد السودان جزءًا مهما في إستراتيجية إعادة السيطرة في منطقة القرن الأفريقي المحورية التي ترتبط الآن ارتباطا وثيقا بدول الخليج، من أجل هزيمة عدة أنواع من النفوذ، بدءًا من تأثير الصين، واختارت واشنطن في البداية إثيوبيا كنقطة ارتكاز، لكن كل شيء هناك خرج عن مساره بانخراط رئيس الوزراء آبي أحمد في حرب أهلية.

غير أن مصر القلقة من سد النهضة الإثيوبي وتأثيره على مياه النيل، مصممة على بذل كل ما في وسعها لمنع أديس أبابا من السيطرة على مياه النهر، لا بشن حرب عليها، ولكن بزعزعة استقرارها من خلال دعم متمردي قوات الدفاع بتيغراي أو حلفائهم في جيش تحرير أورومو، وهما حركتان في حالة حرب مع السلطة المركزية، حسب الكاتب.

وتذهب هاتان الحركتان إلى السودان على أمل الحصول على مساعدة كبيرة هناك، مع أن العنصر المدني في السودان يعارض حتى الآن هذا الدعم، كما أن الجنرال حميدتي -المقرب من بعض المسؤولين الإثيوبيين- يعارضه بدعم من الإمارات، وهو موقف -كما يقول الكاتب- مخالف تماما لموقف الجيش السوداني والبرهان.

ويختتم الكاتب بأنه وخلال عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت الانقلاب مباشرة، جاء المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان إلى الخرطوم يطلب متابعة الفترة الانتقالية، حيث كانت أجهزة المخابرات الأميركية تتابع عن كثب الاستعدادات للانقلاب منذ شهور، ولكن في اليوم التالي تمت الإطاحة بالسلطة المدنية، وهو ما فُهم على أنه فشل أميركي، حيث بدت روسيا سعيدة "لإيجاد فرصة استثنائية قادمة تفسد المخططات الأميركية"، وقالت إنها ترحب بالانقلاب لأنه "النتيجة المنطقية لسياسة فاشلة"، جعلت السودان مسرحا "لتدخل خارجي واسع".

Welcome

Install
×