ما هي أسباب عجز المجتمع الدولي عن وقف “وباء” الانقلابات العسكرية في أفريقيا؟

وجد مجلس الأمن صعوبة بالغة في إصدار موقف موحد حول الانقلاب العسكري الأخير في السودان نظرا للخلافات القائمة بين الأطراف المكونة للمجلس، لاسيما بين روسيا من جهة والغرب من جهة ثانية.

بقلم / بوعلام غبشي

 

وجد مجلس الأمن صعوبة بالغة في إصدار موقف موحد حول الانقلاب العسكري الأخير في السودان نظرا للخلافات القائمة بين الأطراف المكونة للمجلس، لاسيما بين روسيا من جهة والغرب من جهة ثانية.

 وأمام هذا الوضع المتأزم للمنظومة الدولية، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس "القوى العظمى إلى التكاثف لضمان وجود رد فعال لوباء الانقلابات". وانقلاب السودان ما هو إلا حلقة جديدة من مسلسل الانقلابات المتواصل الذي يزعزع استقرار القارة السمراء أمام أنظار العالم. فكيف يفسر هذا العجز الدولي عن وقف هكذا انقلابات؟

توالي الانقلابات العسكرية في أفريقيا منذ عامين، أصبح يثير قلق القوى الإقليمية والدولية على حد سواء بشأن استقرار القارة ومسار انتقالها نحو الديمقراطية وبناء مؤسسات مستدامة. ولا تواجه هذه الانقلابات ما ينبغي من الحزم من لدى المجتمع الدولي، ما يزيد من مخاوف استمرارها وانتقال العدوى إلى بلدان أخرى.

ويعد انقلاب السودان آخر حلقة في مسلسل الانقلابات هذه، التي أتت بالعسكر إلى السلطة، وأطاحت بالحكم المدني في عدة بلدان، حتى وإن كانت الأنظمة السابقة محل انتقادات عديدة، سواء لاستفرادها بالسلطة وطريقة تدبيرها للحوار مع المعارضة (كما في غينيا) أو لفشلها في حلحلة الملفات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة وكذا الأمنية (مثلا في مالي والسودان).

وارتفعت وتيرة الانقلابات في القارة الأفريقية منذ 2020 بشكل ملحوظ، وكانت مالي أول من دشن هذه المرحلة الجديدة من عودة العسكر إلى السلطة في أكثر من بلد بالقارة السمراء. ويتم الاستيلاء على الحكم من قبل الجيش عادة بناء على مبررات هشة يسوقها الانقلابيون في محاولة لكسب الشرعية.

قارة على وقع الانقلابات منذ عامين

وقبل هذه المرحلة الجديدة من الانقلابات، كانت آخر عملية سطو على السلطة تعود إلى عام 2017 في زيمبابوي، وتحديدا في 21 نوفمبر عندما استقال الرئيس روبرت موغابي في عمر ناهز 93 عاما ثلاثون منها في الحكم، بدفع من الجيش وحزبه وضغط من الشارع في ختام أزمة دامت أسبوعا.

ومنذ ذلك التاريخ، مرت الأنظمة الأفريقية بنوع من الاستقرار حتى 18 أغسطس من 2020، تاريخ الإطاحة بالرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا بعد عدة أشهر من أزمة سياسية، لتفرض على النظام الجديد عقوبات دولية لم ترفع إلا بعد تشكيل حكومة انتقالية في 5 أكتوبر، على أن يتم تسليم السلطة للمدنيين خلال 18 شهرا.

ليأتي دور تشاد في 20 أبريل 2021، أي غداة وفاة الرئيس إدريس ديبي، إذ قام مجلس عسكري انتقالي برئاسة محمد إدريس ديبي الذي كان آنذاك قائدا للحرس الرئاسي، بحل الحكومة والجمعية الوطنية. ووعد نجل الزعيم المتوفى بمؤسسات جديدة بعد انتخابات "حرة وديمقراطية" في غضون سنة ونصف السنة.

ولم يستبعد الجنرال ديبي في الآونة الأخيرة تمديد الفترة الانتقالية 18 شهرا إذا لم يتم استيفاء "بعض الشروط".
وانتقلت "العدوى" مجددا إلى مالي في 24 مايو 2021، إذ اعتقل العسكريون الرئيس ورئيس الوزراء بعد تعيين حكومة انتقالية جديدة أثارت استياءهم. وتم تنصيب الكولونيل أسيمي غويتا في يونيو رئيسا انتقاليا.

وأكد الضباط الماليون في بادئ الأمر أنهم سيسلمون السلطة إلى المدنيين في مطلع 2022، لكنهم يعتزمون إرجاء الانتخابات المقررة في 27 فبراير، فيما تطالب مجموعة دول غرب أفريقيا بإجرائها في الوقت المحدد كما عبرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء ذلك.

وفي 5 سبتمبر الماضي، أطاح انقلاب عسكري برئيس غينيا ألفا كوندي بعدما تمت إعادة انتخابه في أكتوبر 2020 لولاية ثالثة مثيرة للجدل. وعد الانقلابيون بقيادة الكولونيل مامادي دومبويا بإجراء "مشاورات" وطنية بهدف تحقيق انتقال سياسي يوكل إلى "حكومة وحدة وطنية".

وفي 25/أكتوبر، اهتز السودان على وقع انقلاب عسكري قاده الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي يرأس المرحلة الانتقالية، وقام بحل مجلس السيادة والحكومة برئاسة عبد الله حمدوك.

"موجة لن تتوقف"

يرى أستاذ العلوم السياسية المغربي رشيد لزرق في حديث لفرانس24 أن هذه الانقلابات "موجة لن تتوقف ومحركها يظل خارجيا وفق نظرية المحيط و المركز، وهي من تداعيات تغييرات يعرفها العالم إذ إنه داخل دول المركز تتحرك خيوط اللعبة السياسية…"، مشيرا إلى أن "الدول الاستعمارية السابقة لم تنه الارتباط بالنخبة الحاكمة في أفريقيا كما أن هناك العديد من المشاكل لم تحل بطريقة جذرية، وهذا ما يؤدي إلى إشعال حروب أهلية ونزاعات المسلحة بين الفينة والأخرى، والتي كانت السمة المميزة والطريق الذي يؤدي إلى السلطة في دول لا تزال تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي الذي يرجح كفة طرف على طرف آخر".

فإن كان العسكر يستغلون "الغضب الشعبي" لتنفيذ عمليات الانقلاب، حسب لزرق، إلا أن محدثنا يركز أيضا على "الأزمات الاقتصادية والبيئة الدولية المتقبلة" لما لها من دور في وصول العسكر إلى الحكم، في عالم تحكمه مصالح القوى الكبرى. ويلفت لزرق إلى أن أفريقيا تحولت بدورها لحلبة جديدة للصراع الدائر في العديد من مناطق العالم بين الصين وروسيا من جهة والغرب من جهة ثانية.

وهذا الصراع يفسر المأزق الذي تواجد فيه مجلس الأمن لإصدار موقف موحد بشأن الانقلاب في السودان قبل أن يخرج الخميس ببيان بعد أيام من المباحثات الشاقة، ظلت روسيا تشدد خلالها على تخفيف لهجة البيان تجاه الوضع الجديد في هذا البلد العربي والأفريقي.

وطالب مجلس الأمن الدولي الخميس "بعودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون" في السودان. وأعرب المجلس عن "قلقه البالغ" إزاء الوضع. كما طالب بـ"الإفراج فورا عن جميع من اعتقلتهم السلطات العسكرية". وكانت مسودة بيان أول في بداية الأسبوع تضمنت "إدانة بأشد العبارات" لانقلاب العسكريين قبل أن يتم شطب هذه العبارة من المسودة.

وبدا الأمين العام للأمم المتحدة واضحا في مؤتمر صحافي لتأكيد حدة هذا الصراع بين الغرب وروسيا خاصة، وتحدث بجلاء عن "الانقسامات الجيوسياسية الكبيرة" التي تمنع "مجلس الأمن من اتخاذ تدابير قوية"، وتجعل "القادة العسكريين يعتبرون أن لديهم حصانة كاملة، وأن بإمكانهم فعل ما يريدون لأنه لن يمسهم شيء".

ودعا غوتيريس "القوى العظمى إلى التكاثف من أجل وحدة مجلس الأمن لضمان وجود ردع فعال لوباء الانقلابات"، الذي يشهده العالم ليس في أفريقيا وحسب بل حتى في آسيا.