وفد المحكمة الجنائية يصل معسكر “قاقا” بشرق تشاد وتوقعات ببدء إجراء تحقيقات في أحداث الفاشر
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان خلال زيارته للاجئين السودانيين بمدينة ادري التشادية اليوم السبت ٢٧ يناير ٢٠٢٤ - راديو دبنقا
امستردام: الأربعاء 12/ نوفمبر/2025م راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
بدأ وفد من محكمة الجنايات الدولية زيارة إلى شرق تشاد قد تستغرق عدة أيام بهدف إجراء مقابلات مع اللاجئين السودانين الفارين من الحرب، وعمل تحقيقات وجمع أدلة ووثائق تتعلق بالأحداث التي شهدها إقليم دارفور وخاصة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور والتي سيطرت عليها قوات الدعم السريع نهاية أكتوبر الماضي بعد حصار استمر 18 شهراً.
وزار الوفد، مخيم “قاقا” للاجئين السودانيين بشرق تشاد يوم أمس الإثنين، وإستمع الوفد إلى تساؤلات اللاجئين السودانيين وموقفهم من المحكمة وإجراءات سير العدالة.
ووجه اللاجئون السودانيون انتقادات صاخبة للمحكمة الجنائية الدولية، واصفين إجراءاتها بالـ”بطيئة”، مشيرين إلى أن ذلك الأمر أثر على تفاقم الازمة في دارفور ومن ثم السودان عامة. وقالوا لو كانت المحكمة الجنائية فاعلة لما طال أمد الحرب.
كما ألقى اللاجؤون باللائمة على حكومات بعض الدول ورؤساءها لما وصفوه بـ”التقاعس” أمام إلتزاماتهم بميثاق روما الأساس المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية والذي يلزمهم بالتعاون مع المحكمة الجنائية بتسليم المطلوبين ومن صدرت بحقهم أوامر توقيف. متهمين بعض الدول وحكوماتها بتقديم مصلحتهم الذاتية ومصلحة بلدانهم على إلتزاماتهم القانونية.
وخلال الزيارة حاول الوفد طمأنة اللاجئين بأن الإجراءات تسير على قدم وساق في ملف السودان وان محاكمة على عبدالرحمن الشهير بـ” كوشيب” تعتبر الأسرع في تاريخ المحكمة.
وقال الممثل الإقليمي السابق لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بمنطقة الشرق الأوسط الدكتور عبدالسلام سيد أحمد إن قضية دارفور تقع تحت ولاية محكمة الجنايات الدولية، مشيرًا إلى أن المدعي العام للمحكمة كان قد أعلن عقب اندلاع الحرب أن قرار مجلس الأمن الصادر عام 2005 بإحالة ملف دارفورساريًا وتمكن المحكمة من الاستمرار في التحقيقات المتعلقة بالجرائم المرتكبة في قضية دارفور.
التحقيق في أحداث الفاشر:
وأوضح الخبير القانوني والمدافع عن حقوق الإنسان عبدالسلام سيدأحمد في حديث لـ”راديو دبنقا” أن فرق المحققين التابعة للمحكمة قامت بعدة زيارات ميدانية إلى المنطقة، خاصة إلى معسكرات اللاجئين في تشاد، بهدف التحقيق في الأحداث السابقة التي وقعت في دارفور، ولا سيما في ولاية غرب دارفور، والتي ترقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجميعها تدخل ضمن اختصاص ميثاق روما الأساسي.
واعتبر أن الزيارة الأخيرة التي نفذها فريق من محققي المحكمة الجنائية الدولية تندرج في هذا الإطار، وقد تشمل تغطية الأحداث التي شهدتها مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، لكنه لم يستبعد أن تكون الزيارة أيضاً مرتبطة باستكمال تحقيقات في قضايا سابقة، أو لجمع مزيد من الأدلة والإثباتات لتوجيه الاتهام إلى أشخاص بعينهم، مشيراً إلى أن المحكمة الجنائية الدولية لا تصدر تقارير عامة حول أنشطتها.
وأشار إلى أن مكتب المدعي العام للمحكمة أعلن في الثالث من نوفمبر الجاري أن أحداث الفاشر الأخيرة التي وقعت تندرج ضمن ولاية المحكمة، وبالتالي سيجري المكتب التحقيقات اللازمة بشأنها بهدف التوثق من المعلومات وتوجيه الاتهامات إلى أشخاص بعينهم في هذه القضية.
عدم السماح لدخول المحققين:
وأعرب الخبير القانوني عن أسفه إزاء تأخر التحقيقات والبطء لازم هذه الإجراءات التي رافقت عمل المحكمة، موضحًا أن هناك أسبابًا موضوعية وراء ذلك، على رأسها عدم سماح السلطات السودانية أو الجهات المسيطرة على الأرض، مثل قوات الدعم السريع، بعدم السماح لمحققي المحكمة بزيارات ميدانية إلى مناطق الأحداث خاصة في المدن التي وقعت فيها الجرائم مثل الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور وبقية ولايات دارفور، ومؤخرًا مدينة الفاشر وما حولها.
وقال الخبير القانوني والمدافع عن حقوق الإنسان الدكتور عبدالسلام سيد أحمد إلى أن تأخر المحكمة الجنائية الدولية في توجيه الاتهامات حتى الآن لأشخاص بعينهم في الصراع الدائر بالسودان، موضحًا أن المقصود هنا هم القادة الميدانيون أو العسكريون المنتمون لقوات الدعم السريع، إذ إنهم الجهة التي ارتكبت هذه الجرائم أو وقعت الأحداث بعد سيطرتهم على هذه المناطق.
وأوضح أن تأخير التحقيقات وعدم الوصول إلى نتائج محددة، عبر توجيه اتهامات واضحة لأشخاص بعينهم، يعكس بطئًا في سير العدالة، وقد يساهم بصورة أو بأخرى في تفاقم الصراع. وتابع قائلاً: “لو أن المحكمة تمكنت من استكمال التحقيقات وتوجيه الاتهامات بشأن أحداث غرب دارفور التي وقعت بين يونيو وأكتوبر 2023، لكان ذلك شكل رادعًا لعدم تكرار الانتهاكات وارتكاب المزيد من الجرائم”.
عقبات أمام المحققين:
وأكد الخبير القانوني و سيد أحمد على أن الزيارات الميدانية داخل السودان ضرورية لتمكين فريق المحققين التابع لمحكمة الجنايات الدولية، من الوصول إلى مسرح الجريمة وجمع الأدلة، لكنها لم تكن متاحة لمحققي المحكمة بسبب العقبات الميدانية.
وأشار إلى أن المحكمة تواجه تحديات متعددة، منها عراقيل مؤسسية، خاصة فيما يتعلق بالهجوم الذي تعرضت له من قبل الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة دونالد ترامب، عقب قرارات المحكمة المتعلقة بتوجيه الاتهام لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ما أثّر على المحكمة.
وشدد على ضرورة تعاون الدول الموقعة على ميثاق روما الأساسي مع محكمة الجنايات الدولية لتمكينها من أداء دورها والوصول لتحقيق العدالة الدولية، مشيرًا إلى أن تقاعس بعض الدول عن التعاون يعوق مسار العدالة ويضعف هيبة القانون الدولي.
وخلص إلى القول: “نحن كمدافعين عن حقوق الإنسان نأمل أن يتم ضم ملف أحداث الفاشر إلى التحقيقات الجارية من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وأن يتم تُوجيه الاتهامات إلى بعض العسكريين والقيادات الميدانية المتورطة في الجرائم بأسرع ما يمكن. وأعتقد أن هذه المسألة باتت غاية في الأهمية الآن، ولا يجوز التباطؤ فيها أكثر مما حدث، ونتمنى أن يتحقق ذلك في أقرب وقت”.
الآلية الرباعية والهدنة المقترحة:
في سياق آخر أكد الدكتور أبوبكر شبو، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أن آمال السودانيين معلقة بنجاح الهدنة، المقترحة من قبل دول الآلية الرباعية التي تضم أمريكا والسعودية ومصر والإمارات، والمطروحة على طاولة كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني
وقال شبو لـ”راديو دبنقا إن هذه الهدنة تنعقد عليها الآمال بأن تتم موافقة الأطراف المعنية وتوقيع هذه الهدنة لتكون مدخلًا لإنهاء الحرب الدامية التي لم تُبقِ ولم تذر.
وأثارت تصريحات أدلى بها مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، أثناء مخاطبته للضباط وضباط الصف والجنود بسلاح المدرعات والقوات المشتركة، الأحد، والتي جدد فيها التمسك بالحل العسكري لإنهاء الحرب في البلاد، جدلاً واسعاً تعكس حقيقة رفض الجيش السوداني للهدنة المقترحة، وهو ما ألمح إليه رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي.
وفي الثاني عشر من سبتمبر الماضي، اقترحت مجموعة “الرباعية” هدنة إنسانية تهدف إلى تسهيل إيصال المساعدات وتهيئة مناخ سياسي لوقف إطلاق النار الدائم في السودان.
وأشار شبو إلى أنه، صدرت موافقة واضحة وصريحة من قوات الدعم السريع بقبول الهدنة، في حين جاءت مواقف الجيش السوداني متناقضة؛ وردت منه إشارت متناقضة حيث أعلنت بعض أطراف المؤسسة العسكرية، الرفض المطلق والصريح، بينما أبدى مجلس الأمن والدفاع موافقته المشروطة عليها.
وكان مجلس الأمن والدفاع السوداني رحب، يوم الثلاثاء الرابع من نوفمبر الجاري، بجهود ومبادرات بعض الدول والأصدقاء، بما في ذلك الحكومة الأميركية، لوقف الحرب الدائرة في السودان. في حين أفادت وكالة «بلومبرغ» بأن الجيش السوداني يدرس مقترحاً أميركياً بهدنة مدتها ثلاثة أشهر في صراعه ضد قوات الدعم السريع، مشيرة إلى أن مصر تضغط على الجيش لقبول الاقتراح الأميركي.
بينما أعلنت قوات الدعم السريع، في السادس من نوفمبر الجاري، موافقتها على مقترح لهدنة إنسانية في السودان قدّمته الرباعية الدولية التي تضم السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة.
لامبرر لاستمرار الحرب:
وأضاف الاستاذ الجامعي والمحلل السياسي د. أبوبكر شبو قائلاً: “نعتقد أن السيل قد بلغ الزُّبى، ومن الواجب قبول الهدنة فورًا لوقف الآهات والمعاناة والموت والجوع والآلام التي يعيشها الشعب السوداني”. وشدد على أنه لا مبرر لاستمرار الحرب تحت أي ذريعة.
وتوقع شبو أن يقبل الجيش السوداني بالهدنة في نهاية المطاف، وإن بدا متمنعًا في الوقت الراهن، لأن رفضها سيحوّل حياة السودانيين إلى عذابات أشد مما هي عليه الآن “وهذا غير مقبول”، سواء على المستوى المعيشي أو في واقع الحرب نفسها.
وأكد شبو أن استمرار القتال يعني استمرار الحرب على أجساد السودانيين، مشيرًا إلى أنه يتوقع، ولو بعد حين، أن يتوحد الخطاب الإعلامي للجيش السوداني ويعلن قبوله بالهدنة، نزولًا أوتحملاً للمسؤولية، لاسيما وأن الشعب السوداني لم يعد قادرًا على تحمل المزيد، وتابع قائلا”يجب على الجيش أن يتصرف بوعي ومسؤولية كاملة، وأن يقبل بالهدنة عاجلًا وليس آجلًا”.


and then