ناجيات من بارا : هكذا تحولت أجسادنا إلى ساحة حرب
امرأة فرت من الفاشر ويبدو عليها الارهاق والحزن الشديد على قارعة الطريق في منطقة خلوية بحثا عن مكان امن : وسائل التواصل الاجتماعي
كمبالا: أمستردام/الجمعة 21 نوفمبر 2025: راديو دبنقا
لم نحصل على تحذير… ولم نفهم ما يحدث
في السابعة صباحًا كنا في البيت. لم يخبرنا الجيش أنهم سينسحبون، ولم يصلنا أي تحذير. فجأة بدأ عناصر الدعم السريع يقتحمون المنازل. كانوا غرباء، لا يشبهون أبناء المنطقة، رغم تحدثهم بالعربية. سرقوا أي شيء تقع عليه أيديهم، كانوا يشتموننا بكلمات لا أستطيع حتى ترديدها. أهانونا وهددونا وضربونا، واستخدموا لغة عنصرية تحط من كرامتنا.”
هذه القصة واحدة من سلسلة شهادات وثقتها المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (صيحة)، ضمن تحقيقها حول ما جرى في بارا بين 24 و25 أكتوبر، حين سيطرت قوات الدعم السريع على البلدة عقب الانسحاب المفاجئ للجيش دون إخطار السكان
وتضيف احدي الناجيات واصفة المداهمة التي نفذتها قوات الدعم السريع في 24 أكتوبر، أن الجنود فصلوا النساء والأطفال عن الرجال، واحتجزوا كل مجموعة في مكان مختلف، في خطوة أولى لبدء موجة الاعتداءات.
وتقول الشبكة إن معظم الاعتداءات وقعت داخل المنازل نفسها، بعد فصل النساء عن أفراد أسرهن وتهديدهن بالسلاح.
“كانوا ينتقون النساء والفتيات”
شاهد عيان آخر قال لـ(صيحة) إن عناصر الدعم السريع كانوا “يختارون” فتيات بعينهن: “كانوا يدخلون المنازل، ينادون على النساء، ثم يأخذون بعض الفتيات بعيدًا عن أسرهن إلى منازل أخرى. هناك، كانوا يغتصبونهن.”
النجاة بأعجوبة: قصة أم وطفلها
إحدى الشهادات الأكثر قسوة جاءت من امرأة نجت بأعجوبة بعد محاولة اغتصاب في 25 أكتوبر. كانت تهرب مع والدتها وطفلها عندما اعترضتهم مجموعة من الجنود : تقول “قالوا لي اتركي طفلك مع والدتي وتعالي. امتثلت لأنني خفت. أخذوني إلى وادٍ، فرشوا مرتبة، وقالوا لي اجلسي واخلعي ملابسك. طفلي كان يبكي… ذهبوا إلى والدتي وطلبوا منها أن تسكته. أخبرتهم أنه يحتاج للرضاعة.”
وتصف المرأة ،في تلك اللحظة وصل أحد أفراد الدعم السريع وسألهم لماذا أنا هناك. أخبرته أنهم هم من أحضروني. قال لي أن أذهب لإرضاع طفلي وألّا أعود.
لكن المأساة لم تنته بعد فترة قصيرة “وجدونا وهذه المرة أخذوني إلى منزل فارغ وفصلوني عن والدتي وطفلي” وتضيف”جلست هناك حتى جاء ذلك الرجل نفسه مرة أخرى. سألني لماذا أنا هناك مجددًا، فقلت إنهم وجدوني وأعادوني. فوجهني إلى صاحب منزل مجهول الهوية، وقال إنه لا يستطيع مساعدتي أكثر من ذلك”
تمكنت المرأة من الهرب مع صديقتها عند الثالثة صباحًا، قبل أن تصل إلى مدينة الأبيض، حيث التقت مجددًا بوالدتها وطفلها.
ضحايا قاصرات… واغتصاب جماعي داخل المنازل
تقول (صيحة) إن من بين الحالات الأربعين التي وثقتها، طفلة عمرها 15 عامًا وفتاة عمرها 17 عامًا كانت تعمل متطوعة وتؤكد أن عددًا من النساء تعرّضن للاغتصاب الجماعي تحت تهديد البنادق، بعد أن تم احتجاز أقاربهن في غرف مجاورة.كما أبلغت الناجيات عن نهب ممتلكاتهن وإهانتهن وتعريضهن لإذلال عنصري.
مناطق ريفية بلا حماية
ترى الشبكة أن الطبيعة الريفية لبارا ومحيطها، مع انعدام الحماية وانقطاع الاتصالات، جعلت النساء والفتيات في مواجهة مباشرة مع أسوأ أشكال العنف الجنسي المرتبط بالنزاع. وتقول إن ما جرى يعكس “الحرب المستمرة على النساء والفتيات في السودان”
.
وتشير إلى أن جميع الضحايا الأربعين نُقلن إلى مناطق أكثر أمانًا، وحصلن على الرعاية الطبية والدعم النفسي.
تؤكد (صيحة) بأن العنف الجنسي في بارا لا يمكن النظر إليه كفعل طارئ أو مصادفة حرب، بل كسلوك ممنهج أصبح جزءًا من مسرح العمليات في السودان، تستهدف به قوات الدعم السريع النساء والفتيات لإخضاع المجتمعات الريفية وإحكام السيطرة عليها.
دعوات للحماية والتوثيق الدولي
طالبت (صيحة) المجتمع الدولي بتقديم دعم عاجل للنساء والأطفال والنازحين، وتعزيز خدمات الحماية والصحة النفسية والإنجابية. كما دعت الآليات الإقليمية والدولية، بما فيها لجان تقصي الحقائق التابعة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، إلى تخصيص موارد خاصة لتوثيق الانتهاكات في بارا ومناطق شمال كردفان الأخرى.
وتختم بيانها “بأن سكان شمال كردفان يواجهون أهوالًا لا ينبغي لأي مجتمع أن يعيشها. إن صمت وتجاهل الهيئات الإقليمية والدولية لا يزيد إلا من شعور الضحايا بالعزلة، ويمنح الجناة مساحة لمواصلة جرائمهم بلا رادع”..


and then