جنيف: السبت 2/ مارس/2024: راديو دبنقا
أقرَّ مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك بأن الأزمة في السودان مأساة يبدو أنها انزلقت إلى طي النسيان على المستوى العالمي، واتسمت “بتجاهل خبيث للحياة البشرية. ففي غضون أحد عشر شهرا، قُتل ما لا يقل عن 14 ألف و600 شخص، وأصيب 26 ألفا آخرون. ولا شك أن الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير”.
المفوض السامي كان يتحدث في الحوار التفاعلي المعزز حول السودان والذي انعقد أمس الجمعة في سياق الدورة الخامسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف.
وقال إن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات التابعة لهما تخوض قتالًا عبثيًا عنيفًا، منذ نحو أحد عشر شهرًا، أسفر عن مقتل الآلاف وخلق مناخًا من الرعب المطلق، وأجبر الملايين على الفرار. كما فقد العديد من العاملين في المجال الإنساني والصحي حياتهم أثناء عملهم في مرمى النيران من أجل مساعدة المحتاجين.
وأشار إلى أن من لم يتمكنوا أو يرغبوا في الفرار، فقد عانوا من تدمير الخدمات الطبية ومنع المساعدات الإنسانية، ، وقال إنَّ الأطراف تصرفت بإفلات مستمر من العقاب وافتقار واضح للمساءلة عن الانتهاكات المتعددة التي ارتكبت، واستمرت في التماطل في أي محادثات ومفاوضات من شأنها أن تحقق السلام والسلامة والكرامة التي يحتاجها شعب السودان بشدة.
وشدد فولكر تورك على ضرورة أن تتفق الأطراف المتحاربة على العودة إلى السلام دون تأجيل. كما أكد أهمية محاسبة مرتكبي الانتهاكات والتجاوزات المروعة لحقوق الإنسان، دون تأخير. ودعا المجتمع الدولي إلى أن يعيد تركيز اهتمامه، دون تأخيرأيضا، على هذه الأزمة المؤسفة قبل أن تنزلق إلى مزيد من الفوضى.


انتهاكات جسيمة للقانون الدولي:


وقال المفوض السامي إن تقريره – الذي قدمه لمجلس حقوق الإنسان – يسلط الضوء على مجموعة من الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة في السودان في الفترة بين أبريل وديسمبر 2023. كما يفصل التقرير الانتهاكات الجسيمة، التي تتطلب التحقيق والمساءلة – والعديد من هذه الانتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب أو جرائم وحشية أخرى.
وقال إن الأساليب العدوانية للأطراف تم توثيقها بشكل جيد، وشملت هجمات متعددة وعشوائية تستهدف المناطق والمباني السكنية. وتم استخدام الأسلحة ذات التأثيرات واسعة النطاق، حتى في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية، والتي يتم إطلاقها من الطائرات المقاتلة والطائرات المسيرة والدبابات، الأمر الذي أسفر عن تدمير البنية التحتية المدنية الحيوية، مثل المستشفيات والمدارس، وخلف آثارا ستدوم لسنوات قادمة على الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم.
وقال إن مكتبه تلقى تقارير مثيرة للقلق عن عمليات قتل ذات دوافع قبلية شملت قطع الرؤوس في شمال كردفان، وحوادث في مناطق مختلفة، بما فيها ولاية الخرطوم، وغرب دارفور، وولاية الجزيرة، مشيرا إلى أن مكتبه سيتابع مع السلطات السودانية لضمان التحقيق في هذه الادعاءات ومحاسبة الجناة.
كما أعرب تورك عن قلق بالغ إزاء مصير آلاف المدنيين المحتجزين تعسفيا لدى الطرفين والمنتسبين إليهما، وعلى مصير المئات الذين اختفوا- ومن بينهم نشطاء سياسيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، وأعضاء لجان المقاومة، ومناصرون مزعومون لأحد الأطراف المتقاتلة، وغيرهم الكثير. ويُزعم أن العديد منهم تعرضوا للتعذيب، ومات العديد منهم متأثرين بجراحهم.


العنف الجنسي كسلاح للحرب:


وقال فولكر تورك إن المدفعية الثقيلة المستخدمة في الحرب في السودان لا تشكل سوى جزء واحد من الأسلحة، مشيرًا إلى أن العنف الجنسي بوصفه سلاحًا من أسلحة الحرب، بما في ذلك الاغتصاب، ظل سمة مميزة – وحقيرة – لهذه الأزمة منذ بدايتها.
وأضاف قائلًا: “منذ بدء النزاع في أبريل الماضي، وثّق مكتبي 60 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع، شملت ما لا يقل عن 120 ضحية في جميع أنحاء البلاد، غالبيتهم العظمى من النساء والفتيات. ومن المؤسف أن هذه الأرقام لا تعكس إلى حد كبير الواقع. وأفادت تقارير بأن رجالا يرتدون زي قوات الدعم السريع ورجالا مسلحين ينتمون إليها مسؤولون عن 81% من الحوادث الموثقة.”


الدعوات لتسليح المدنيين مثيرة للقلق:


أعرب فولكر تورك عن صدمته إزاء تزايد الدعوات المنادية بتسليح المدنيين، بمن فيهم الأطفال. وقال إن مكتبه تلقى مؤخرًا تقارير تجنيد قوات الدعم السريع مئات الأطفال كمقاتلين في دارفور، كما فعلت القوات المسلحة السودانية الشيء نفسه في شرق السودان.
وقال فولكر تورك إن هذه الممارسات تشكل انتهاكًا صارخًا للبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والذي يعد السودان ملزمًا به. وأضاف أن ما يثير القلق أيضًا التقارير التي تفيد بأن “المدنيين يعبئون أنفسهم في إطار حركة المقاومة الشعبية المسلحة الجديدة”. وأشار إلى مخاوف حقيقية من أن يؤدي ذلك إلى تشكيل ميليشيا مدنية مسلحة بلا رقابة محددة، ما يزيد من فرص انزلاق السودان إلى دوامة حرب أهلية طويلة الأمد.


منع المساعدات قد يرقى إلى جريمة حرب:


وقال إن الوضع في السودان أصبح كابوسًا، مشيرًا إلى أن ما يقرب من نصف السكان – 25 مليون شخص – في حاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية والطبية. وخرجت حوالي 80% من المستشفيات عن الخدمة.
ونبه إلى أن المنع المتعمد، على ما يبدو، للوكالات الإنسانية من الوصول الآمن وبلا عوائق داخل السودان يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وقد يرقى إلى مستوى جريمة حرب. وجدد الدعوة للأطراف المتحاربة إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية بفتح الممرات الإنسانية دون تأخير قبل فقدان مزيد من الأرواح.


رفض التعاون مع البعثة الدولية لتقصي الحقائق:


وقال تورك إن قوات الدعم السريع لم تف حتى الآن بوعدها بشأن التعاون مع البعثة الدولية لتقصي الحقائق بشأن السودان التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، فيما تواصل السلطات السودانية معارضة أي تعاون.
وحث جميع أطراف النزاع على اتخاذ خطوات فورية للتعاون مع بعثة تقصي الحقائق، وحث الدول الأعضاء، وخاصة المجاورة للسودان، على دعم العمل الحيوي للبعثة. ومضى قائلا: “ذهبت إلى السودان في نوفمبر 2022، وهي أول زيارة لي كمفوض سامٍ. سمعت قصصًا عن الفقدان والحزن، ولكنني سمعت أيضًا الكثير من قصص الأمل. وأخشى أن هذا الأمل قد تلاشى”.”