معسكرات تدريب لسودانيين في إرتريا تثير مخاوف من تفجر الصراعات القبلية

معسكر تدريب لحركة مسلحة جديدة باسم قوات تحرير شرق السودان في ارتريا-يناير 2024-المصدر: صفحة القوات على فيسبوك

أمستردام-20 يناير 2024: راديو دبنقا

أنشأت عدد من الحركات المسلحة من شرق وغرب السودان مؤخراً معسكرات تدريب في دولة إرتريا المجاورة مع تزايد وتيرة التسليح والعسكرة داخل ولايات شرق السودان تحت مسمى المقاومة الشعبية مما أثار مخاوف المواطنين في الإقليم الذي شهد صراعات قبلية دامية خلال الاعوام القليلة الماضية.

وكشفت مصادر عسكرية لراديو دبنقا عن إنشاء ست معسكرات تدريب في إقليم القاش بركه الإرتري المجاور للسودان يضم خمس مجموعات مسلحة من شرق السودان وسادسة من دارفور.

وفي سياق ذي صلة، زار نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار يوم الأربعاء العاصمة الإرترية أسمرا وأعلن في تدوينة على منصة إكس إن محادثاته مع الرئيس الإرتري اسياس افورقي تناولت الوضع السياسي وقضايا تهم الشأن الداخلي السوداني وأضاف تناول لقاءنا أيضاً ايضاً قضية أمن و استقرار الولايات الشرقية المجاورة لدولة ارتريا واستراتيجية عدم السماح للحرب بان تمتد اليها.

تضم المجموعات التي أنشأت معسكرات تدريب في دولة ارتريا المجاورة كل من الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بقيادة الأمين داوود وقوات تحرير شرق السودان التي جرى تأسيسها مؤخراً، ومؤتمر البجا القومي بقيادة موسى محمد أحمد، ومؤتمر البجا المسلح بقيادة عمر محمد طاهر بجانب حركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي.

الصحفي حسام الدين حيدر الأمين العام السابق لمجلس الصحافة

خطر ماثل ومهدد للأمن القومي

وحذر ناشطون وصحفيون وباحثون من العواقب الوخيمة لفتح معسكرات تدريب خارج السودان مشيرين إلى آثاره الاجتماعية والسياسية. ويرى الصحفي والأمين العام للمجلس القومي للصحافة حسام الدين حيدر في مقابلة مع راديو دبنقا إن إنشاء معسكرات التدريب لحركات ومجموعات مسلحة من شرق السودان في دولة إرتريا أمر خطير جدا واعتبره مهددا ليس للأمن والاستقرار في شرق السودان فحسب بل للأمن القومي للسودان في ظل الحرب الدائرة وتصاعد المخاوف من أن تؤدي لتفكك البلاد بجانب دورها في تأجيج الصراعات القبلية

ويتفق الناشط خالد محمد نور في مقابلة اجراها دبنقا مع رأي حسام بشأن خطورة التوجه لفتح معسكرات تدريب في دولة مجاورة في ظل حالة الاستقطاب القبلي التي يشهدها شرق السودان، وموجات الاحتراب التي يشهدها الإقليم منذ 2019 والتي تبلغ أكثر من 11 حادثة احتراب راح ضحيتها المئات. ولم يستبعد تأثير انشاء المعسكرات في الخارج على تبعية تلك القوات للمحاور الإقليمية المتصارعة خاصة وإن لكل دولة مصالحها ومخاوفها ولا يمكن أن تقدم التسهيلات بدون مقابل.

وبالمقابل يقلل الباحث أبو فاطمة اونور مدير مركز دراسات قص الأثر في حديث لراديو دبنقا من تأثير معسكرات التدريب على الواقع الاجتماعي مبيناً وإن الصراعات القبلية التي دارت في الإقليم خلال الفترة الماضية مفتعلة. بهدف إعاقة ثورة ديسمبر. ودلل على ذلك بأن الصراعات انحصرت في المدن ولم تنتقل إلى القرى.

معسكرات تدريب قوى تحرير شرق السودان – المصدر:صفحة القوات على فيسبوك

خمس مجموعات وحركات مسلحة

ومن بين المجموعات المسلحة التي أنشأت معسكرات تدريب في دولة إرتريا (قوات تحرير شرق السودان) التي أعلنت عن نفسها في ديسمبر الماضي، ولخص قائد الحركة ويدعى إبراهيم دنيا في مقاطع فيديو أمام قواته أهداف الحركة في الدفاع عن المدنيين في شرق السودان في حال تمدد الحرب ووصولها إلى الشرق وذلك تفادياً لحدوث انتهاكات مماثلة لما جرى في مدني بعد انسحاب الجيش.

كما أنشأت الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة التي يترأسها الأمين داوود معسكرا مماثلة في اقليم القاش بركه الإريتري وبدأت في استقطاب الجنود إلى المعسكر. وكان الأمين داوود أحد قادة الحركات المفاوضة في مسار شرق السودان قبل انشقاق الجبهة التي يقودها ليتولى التفاوض جناح الجبهة الآخر الذي يقوده خالد ادريس (شاويش) إلى أن وقع على اتفاق مسار الشرق ضمن اتفاق جوبا وسط انقسام كبير لمكونات شرق السودان بشأن المسار. وينشط الأمين داوود في إطار الكتلة الديمقراطية التي أعلنت انحيازها للجيش منذ اندلاع الحرب.

وبحسب مصادر ذات صلة، فإن قائمة الكيانات التي أنشأت معسكرات تدريب في إرتريا تضم مؤتمر البجا برئاسة موسى محمد أحمد مساعد الرئيس السابق عمر البشير، حيث بدأ المؤتمر في حشد جنوده القدامى للانضمام إلى معسكرات التدريب

وكان مؤتمر البجا القومي الذي يترأسها موسى محمد أحمد قد وقع اتفاق سلام شرق السودان في 2006 ضمن ثلاث حركات من بينها الأسود الحرة برئاسة مبروك مبارك سليم التي تتكون من عناصر قبيلة الرشايدة، ومؤتمر البجا برئاسة آمنة ضرار تحت مسمى جبهة الشرق.

ومن بين الكيانات التي أنشأت معسكرات تدريب في إرتريا قوات مؤتمر البجا الجناح المسلح بقيادة محمد طاهر والمقرب من الزعيم الديني المعروف سليمان علي بيتاي شيخ خلاوي همشكوريب، بجانب مجموعة خامسة لم تتخذ لها مسمى محدد ومعظم جنودها من ولاية البحر الأحمر.

ومن دارفور، انتظم مئات الجنود من حركة تحرير السودان قيادة مناوي في معسكرات بغرب دولة إرتريا وذلك في إطار تدريب قوات خاصة والحصول على جرعات تدريب متقدمة.

وأعلنت حركة تحرير السودان قيادة مناوي مؤخراً انحيازها للجيش ومعارضتها الصريحة لقوات الدعم السريع بعد أن كانت تلتزم الحياد لفترة طويلة.

الناشط خالد محمدنور

صراعات قبلية وشيكة

ويرى الناشط السياسي خالد محمد نور إن إنشاء المعسكرات يأتي في إطار الاستقطاب والاهتمام الإقليمي بشرق السودان نظراً لأهميته الجيواستراتيجية، ووجود الموانئ والساحل الممتد في ولاية البحر الأحمر بجانب الموارد التي يذخر بها الإقليم. وقال إن شرق السودان لم يتعاف من الاقتتال الأهلي بعد، وسط مخاوف من أن تؤدي التدخلات الإقليمية والعسكرة والتسليح إلى تفاقم الصراعات القبلية، خاصة في ظل عدم معالجة جذورها ونتائجها، وحذر من أن تكون الحركات المسلحة وقوداً لمعركة بينية في حال اندلاع أي دورة جديدة من الصراع القبلي بمشاركة عناصر مدربة باستخدام أسلحة أكثر فتكاً.

وبشأن عدم إقامة المعسكرات داخل السودان، يشير خالد إلى أن هذه الحركات رأت الابتعاد من مناطق سيطرة القوات المسلحة والبقاء على الحياد، خاصة في ظل حصر القوات المسلحة التدريب على المستنفرين وتحت اشرافها،

وأوضح إن رأيه في الحركات المسلح ينطبق على المقاومة الشعبية أيضا وهي انها تفتقر لمراعاة للنسيج الاجتماعي وستؤدي لخلق ولاءات جديدة على أساس قبائلي مما يثير المخاوف من تجدد الصراعات القبلية، وتدفع بمجموعات أخرى لاستشعار الخطر في خاصة الدعم السريع لا يشكل خطرا جديا على شرق السودان ولا يمثل مهددا كبير لعدم وجوده في الإقليم بل تنجم المخاوف عن الصراعات البينية بين المجموعات القبلية في شرق السودان التي يمكن أن تتحول إلى قنبلة موقوتة.

بؤر جديدة للصراع

ويعتبر الصحفي حسام الدين حيدر في حديثه لراديو دبنقا انشاء المعسكرات الحديدة بمثابة فتح بؤرة جديدة للصراعات في ظل الاحتقان المجتمعي مشيراً إلى امكانية تأثيره على دول الجوار خاصة اثيوبيا وارتريا في ظل الأزمات التي تشهدها منطقة القرن الافريقي تأثيره داخلياً في زيادة حدة الانقسام والتفكك الاجتماعي والتفكك، وأكد إن مسار الحرب يمضي في اتجاه التقسيم الاثني والمناطقية وإن دخول أطراف جديدة في دائرة الصراع يعمق الأزمة.

 الباحث ابو فاطمة اونور

قوات منضبطة

وبالمقابل يرى الباحث أبو فاطمة اونور إن معظم الذين انخرطوا في معسكرات التدريب هم من الجنود السابقين في الحركات المسلحة ووصفها بالقوات المنضبطة. وبشأن التهديدات الأمنية المحتملة أكد إن المعسكرات ليست في العمق الإرتري بل على الحدود، وأغلب المشاركين فيها من الجنود الذين تم دمجهم في وقت سابق في المنظومة الأمنية، وأكد إن عمليات التدريب لا تهدف ليست للانحياز لفئة معينة بل لحماية النفس المواطنين لخصوصية الأوضاع في شرق السودان مؤكداً إن تلك القوات حريصة على استقرار شرق السودان

وبشأن تأثير التسليح والعسكرة على شرق السودان يرى اونور إن السلاح منتشر في شرق السودان منذ الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الارترية الاثيوبية التي استمرت لثلاثة عقود والتي اعقبها اندلاع الحرب في الجبهة الشرقية بين حكومة الإنقاذ وقوات المعارضة. واستبعد تأثير تلك المجموعات المسلحة على الصراع ألأهلي الذي وصفه بالصراع المصنوع من أجل ارباك ثورة ديسمبر مؤكداً تعافي المجتمع الآن من الصراعات لا وجود لأي مخاوف في هذا السياق.

حياد ودفاع عن الانفس والممتلكات

وأعلن إبراهيم دنيا قائد قوات حركة تحرير شرق السودان في مقاطع مصورة أمام المئات من قواته إن القوات نالت جرعة جرعة تدريبة وسيتم تخريجها قريبا المعسكر مؤكداً إن المعسكر يهدف للتأهيل العسكري من أجل حماية النفس والمجتمع والممتلكات وإنه مفتوح لجميع أبناء شرق السودان وأكد إن فتح المعسكر يأتي في إطار استشعار الخطر جراء الحرب الدائرة الآن التي تضرر منها المدنيون في الخرطوم ودارفور والجزيرة، وأضاف (إن فتح المعسكرات يأتي في إطار الاستعداد لأي عدوان حتى لا يتكرر ما جرى، والاستمرار في إيواء النازحين.

وأشار إلى المظالم التاريخية لشرق السودان والاستهداف والتهميش خلال الأنظمة المتعاقبة. وأدان ما وصفه بافتعال الصراعات القبلية واتهم مؤججيها بالسعي للعودة إلى السلطة ولو على الدماء. وأكد ضرورة محاسبة كل الضالعين في الاستهداف القبلي، وتعهد بحفظ الأمن لمواطني شرق السودان. وأضاف (القوات المسلحة والدعم السريع بل نلتزم باتجاه إقليم شرق السودان).

تقويض للدور الإرتري

وبالمقابل وصفت الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بقيادة خالد شاويش الموقعة على اتفاق مسار الشرق انشاء المعسكرات بالتطور المؤسف واعتبرت في بيان إن انشاء المعسكرات بعلم ودراية القيادة الارترية ومؤسساتها الرسمية تقويضا كاملا للدور الارتري المأمول ومساعيه لإنهاء الحرب في السودان ويمثل خدمة كبيرة لفلول النظام المباد وعناصرهم الإرهابية ذات الامتدادات الإقليمية.

وأكد إن ذلك التوجه سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتحويل الأراضي السودانية لساحة حرب إقليمية وانتقال تهديدها لكل الجوار الإقليمي حينما تصبح حرب الكل ضد الكل، كما سيجعل مواطني شرق السودان وقود حروب وصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل تكون نتيجتها إنهاء التعايش السلمي وتطوير الصراعات والمواجهات السابقة بين المكونات الاجتماعية لتصبح أكثر بشاعة وفظاعة.