مدنيو الفاشر.. ضحايا الصراع المنسيون
نازحون وصلوا إلى الفاشر فرارا من طويلة-اكتوبر 2025-راديو دبنقا
منتدى الإعلام السوداني
تقرير :أمل يحيى
طويلة، 30 أكتوبر 2925، جبراكة نيوز- تعيش مخيمات النازحين في منطقة طويلة بشمال دارفور على وقع الخوف والهلع منذ أن تمكنت قوات الدعم السريع من بسط سيطرتها على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وآخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم.
أصوات البكاء والنحيب لا تهدأ في المخيمات، والقلق يخيّم على وجوه النازحين الذين انقطعت أخبار ذويهم وسط دوامة الحرب والدمار.
فاطمة هلال، وهي نازحة في مخيم طويلة، تقول بصوت مرتجف يغلبه القلق: “منذ الأحد الماضي ونحن نعيش في توتر شديد، لا نعرف مصير أهلنا في الفاشر. كل خيمة هنا فيها من فقد شخصا أو ينتظر خبرا عن أسرته”.
وتضيف في حديثها لـ “جبراكة نيوز”: “لا نعلم إن كانوا أحياء أو قُتلوا، ولا إن كانت نساؤنا تعرضن للاغتصاب. نعيش تحت خوف لا ينتهي، نخاف على من تبقى منا كما نخاف على من رحل”.
وتقول الأمم المتحدة إن 1350 من المدنيين قتلوا في الفاشر منذ الأحد، وهو رقم “أقل من العدد الكلي”، بينما تشير حكومة إقليم دارفور إلى مقتل نحو 2000 طبقا لإحصائياتها.
قتل ونهب
في أعقاب إعلان سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، انتشرت مقاطع فيديو تُظهر هذه القوات وهي ترتكب جرائم القتل والسلب والنهب واعتقال الأشخاص على الهوية.
ومنذ ذلك الحين، انقطعت أخبار المدنيين في الفاشر، حيث فرّ العديد منهم في محاولة للهروب من الوضع المتدهور. وتثير هذه الأحداث قلقاً بالغاً حول مصير النساء والأطفال في ظل هذه الأوضاع المتفجرة.
وحتى هذه اللحظة، يعيش سكان الفاشر حالة من الهلع والخوف، حيث يتعرضون لانتهاكات جسيمة على أيدي قوات الدعم السريع، حسبما تظهر مقاطع الفيديو المنتشرة على المنصات الإخبارية ومواقع التواصل، مما يثير تساؤلات حول ممارسات هذه القوات وانتهاكاتها المستمرة.
عزلة تامة
مريم حامد، وهي أم مفجوعة تغالب دموعها، تروي مأساتها لـ”جبراكة نيوز” قائلة: “الدعم السريع قتلوا ولدي في الفاشر، وما خلّوا لي شيء في الدنيا دي”، وتضيف: “قتلوا أخواني الاثنين، وهسي بحرقوا حشاي في جناي. ما في بيت في دارفور إلا وفيه حزن”.
منذ بدء المعارك الأخيرة في الفاشر، يعيش سكان المدينة في عزلة تامة بعد انقطاع شبكات الاتصال الفضائي “ستارلينك”، التي كانت وسيلة الاتصال الوحيدة مع الخارج. وتشير مصادر محلية إلى أن من يديرونها غادروا المدينة بعد اشتداد القتال، مما جعل معرفة أوضاع المدنيين شبه مستحيلة.
وتُظهر مقاطع فيديو نُشرت عبر صفحات مناصرة لقوات الدعم السريع مشاهد مروّعة للدمار والمعاناة في الأحياء الجنوبية من الفاشر، فيما يفرّ المدنيون سيراً على الأقدام عبر طرق وعرة بحثاً عن الأمان.
الدموع والقلق أصبحا لغة الحياة اليومية في مدينة طويلة، حيث يعيش النازحون على أمل أن تصلهم أخبار تطمئنهم عن ذويهم في الفاشر. لكن حتى هذه اللحظة، يظل مصير المدنيين مجهولاً تماماً، بينما يخيّم على الأجواء صمت ثقيل، كأنه نذير لمأساة أكبر.
انقطاع الاتصال
أفاد الناشط الحقوقي محمد عبدالله لـ”جبراكة نيوز” أن الأوضاع الإنسانية في مدينة الفاشر غير واضحة تمامًا بسبب انقطاع الاتصالات وصعوبة الوصول إلى مصادر موثوقة، إلا أن المؤشرات الميدانية والفيديوهات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي – خصوصًا من قبل الدعم السريع – تشير إلى أن الوضع سيء للغاية.
وأوضح أن المعارك العنيفة أدت إلى خروج الأوضاع عن السيطرة تمامًا بعد سقوط الفرقة العسكرية في المدينة، ولا توجد معلومات مؤكدة سوى مشاهد توثّق عمليات إعدام لمدنيين في قبضة قوات الدعم السريع.
وأضاف محمد عبدالله أن بعض المدنيين تمكنوا من الهروب، إلا أن التواصل معهم صعب، مشيرًا إلى ورود أنباء عن انتهاكات خطيرة تمارس بحق الفارين من المدينة وداخلها، من بينها الاعتداءات الجسدية والعنف الجنسي والإعدامات الميدانية.
كما نقل عن مصدر في منطقة (أبقمرة) أن المدنيين الذين حاولوا الخروج من الفاشر، خصوصًا النساء والأطفال، تعرضوا لهجمات بواسطة المسيرات (الطائرات المسيرة).
وأشار إلى أن المدينة تشهد انهيارًا تامًا للأمن وغيابًا كاملاً للأجهزة الرقابية والجهات الإنسانية الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، مما يزيد من خطورة الوضع الإنساني والانتهاكات الجارية.
من جانبه قال المتحدث الرسمي باسم النازحين واللاجئين آدم رجال لـ”جبراكة نيوز” إن 360 أسرة و1117 فردًا نزحوا من الفاشر إلى منطقة طويلة في 27 أكتوبر 2025، ليصل إجمالي الأسر النازحة إلى 831 أسرة و3038 فردًا.
وأردف: “هذه الأسر تعيش في ظروف إنسانية حرجة وتحتاج إلى خدمات أساسية مثل المياه، والرعاية الصحية، والغذاء، ومواد الإيواء، والحماية”.
وأكد أن هناك انتهاكات ارتكبت ضد المدنيين القادمين من الفاشر، مما يزيد من الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية.
وفي بيان مقتضب، دعت تنسيقية لجان المقاومة بمدينة الفاشر كل الجهات المحلية والدولية إلى التحرك العاجل لحماية المدنيين، بعد تصاعد الانتهاكات ضد السكان الفارين من المدينة.
وأكدت التنسيقية، في بيان اطلعت عليه “جبراكة نيوز” أن من تبقّى داخل الفاشر سيواصل الصمود والمقاومة رغم الظروف القاسية، مشددة على أن الصمت أمام الجرائم الجارية يُعدّ تواطؤًا مع المعتدين”.
مصير الإعلاميين
إلى ذلك أصدر منتدى صحفيات دارفور بيانًا الاثنين 27 أكتوبر أعرب فيه عن إدانته لاعتقال الصحفي معمر إبراهيم بواسطة قوات الدعم السريع عقب سيطرتها على مقرّ الفرقة السادسة مشاة بمدينة الفاشر.
وحمّل المنتدى قوات الدعم المسؤولية الكاملة عن سلامته، مطالبًا بإطلاق سراحه الفوري وغير المشروط.
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي تداولت مقطع فيديو يُظهر مراسل قناة الجزيرة الصحفي معمر إبراهيم معتقلًا لدى قوات الدعم السريع، يتحدث تحت تهديد السلاح، في مشهد يعكس حجم الخطر الذي يواجهه العاملون في الحقل الإعلامي بمدينة الفاشر.
وعبّر منتدى صحفيات دارفور عن قلق بالغ إزاء انقطاع الاتصال بعدد من الصحفيات والإعلاميات بسبب توقف خدمات الاتصالات في شمال دارفور، مما جعل أوضاعهن ومصيرهن مجهولًا حتى الآن.
ودعا المنتدى المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة إلى التحرك العاجل لحماية الصحفيين والصحفيات في الإقليم ووقف استهدافهم، مؤكدًا أن حماية الإعلاميين التزام قانوني وأخلاقي لا يحتمل التأجيل.
وفي السياق ذاته صرّح حاكم إقليم دارفور، ورئيس حركة جيش تحرير السودان، مني أركو مناوي، عبر حسابه على منصة “اكس” بأن سقوط مدينة الفاشر لا يعني التفريط في مستقبل دارفور لصالح جماعات العنف أو مصالح الفساد والعمالة، على حد قوله.
ودعا إلى حماية المدنيين والكشف عن مصير النازحين، مطالبًا بـ”تحقيق مستقل في الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع بعيدًا عن الأنظار”. وأكد أن كل شبر من الإقليم سيعود إلى أهله.
إعدامات ميدانية
وحذر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من تصاعد خطير للانتهاكات في مدينتي الفاشر بشمال دارفور وبارا بشمال كردفان، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة منهما خلال الأيام الماضية، مشيرًا إلى ورود تقارير عن إعدامات ميدانية بحق مدنيين ومحاصرين يحاولون الفرار من القتال.
وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إن الوضع في الفاشر أصبح بالغ الخطورة منذ إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر الفرقة السادسة مشاة، محذرًا من خطر وقوع فظائع واسعة النطاق بدوافع قبلية يوماً بعد يوم.
وفي بيان يوم الاثنين 27 أكتوبر 2025، دعا تورك إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين وتأمين ممرات آمنة للمحاصرين، مطالبًا قوات الدعم السريع باحترام التزاماتها بالقانون الدولي الإنساني، ومنع الهجمات الانتقامية والعنف القائم على الهوية القبلية.
وأوضح المكتب الأممي أن قوات الدعم السريع نفذت إعدامات بإجراءات إيجازية في حق مدنيين حاولوا الفرار من الفاشر، من بينهم خمسة رجال قتلوا لمحاولتهم إدخال مساعدات غذائية إلى المدينة المحاصرة منذ 18 شهرًا.
وتلقت الأمم المتحدة كذلك تقارير عن احتجاز مئات الفارين، بينهم صحفيون، إضافة إلى مخاوف من تفشي العنف الجنسي ضد النساء والفتيات.
وأشارت في أحدث بياناتها إلى مقتل أكثر من 1350 شخصا في مدينة الفاشر، في حيت أكدت حكومة إقليم دارفور وصول الرقم إلى إلفي شخص منذ سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
وأكدت الأمم المتحدة على ضرورة محاسبة جميع الأطراف المتورطة في انتهاكات القانون الدولي، مشددًا على أن ضمان المساءلة هو السبيل الوحيد لوقف دوامة الفظائع المتكررة في السودان.
مع استمرار المعارك في الفاشر، يظل مصير المدنيين مجهولًا، وتزداد المخاوف على سلامتهم وأمنهم، خاصة في ظل الانتهاكات الأخيرة التي يتعرضون لها من قبل قوات الدعم السريع.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والأعضاء فيه هذه المادة، وهي من إعداد منصة (جبراكة نيوز). تعكس المادة أوضاع المدنيين الذين فروا من مدينة الفاشر تفاديا للموت المحتوم الذين ينتظرهم على يد قوات الدعم السريع. وتستطلع المادة أحوال بعض النساء المكلومات اللائي وصلن إلى مدينة طويلة، وتوثق للإحصائيات الأولية للضحايا الذين وصل عددهم إلى ألفي قتيل في بعض التقديرات.



and then