محجوب محمد صالح : عندما تصبح الشائعات أقوى من القوانين؟

السرعة التي انتشرت بها الشائعات خلال الأسابيع القليلة الماضية في السودان، حول وجود جماعات تختطف النساء والأطفال للمتاجرة …

  محجوب محمد صالح

 

السرعة التي انتشرت بها الشائعات خلال الأسابيع القليلة الماضية في السودان، حول وجود جماعات تختطف النساء والأطفال للمتاجرة في أعضائهم، كانت ظاهرة غير مسبوقة، لأنه يبدو أن عدداً كبيراً من المواطنين صدقوا الشائعة، وأخذوا يتصرفون على أساسها، سواء في توفير الحماية لأنفسهم وأفراد أسرهم تجاه هذا الخطر الداهم والمجهول المصدر، أو في مهاجمة أفراد أبرياء بحجة أن سلوكهم يشي بأنهم من ضمن تلك العصابات التي تخطف وتتاجر بالبشر، وقد وقعت عدة حوادث مؤسفة ضد أبرياء.

وتركزت التعليقات حول انتشار الشائعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبارى الجميع في تحميلها المسؤولية، واعتبار أن ما تعارف الناس على تسميته بالإعلام الاجتماعي هو الذي وفر منبراً لنشر الشائعات والأخبار غير المؤكدة، بما في ذلك تلك الأخبار التي تهدد السلم الاجتماعي، لدرجة أن أحد الولاة السابقين دعا إلى وقف خدمة (الواتس آب) في السودان، محملاً إياها مسؤولية نشر الشائعات الضارة، بينما أكد آخرون صعوبة مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم فهم ميالون لمنعها، بينما وجه النائب العام باتخاذ الإجراءات اللازمة لملاحقة ومحاكمة مروجي الشائعات عبر الوسائط الإلكترونية وغيرها.

وسواء كان صدفة أو نتيجة طبيعية لهذه التطورات، فقد ترأس رئيس الجمهورية اجتماعاً رفيع المستوى شمل وزارة الاتصالات ووزارة الداخلية والعدل ومدير الشرطة ومدير عام جهاز الأمن والمخابرات، للبحث في حماية المواقع الإلكترونية الحكومية والعامة، وتوفير آليات مراقبة الأنشطة التي تستهدف اختراق تلك المواقع، على أساس أن احتمالات الاختراق أصبحت مهدداً أمنياً كبيراً، وقد استنتج الكثيرون من عقد هذا الاجتماع أن النية الرسمية متجهة نحو فرض نوع من الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أن مسؤولين في وزارة الاتصالات نفوا ذلك.

وفي كل هذا الجدل الدائر لم ينتبه الكثير من الناس إلى أن قضية انتشار الشائعات ودور مواقع التواصل الاجتماعي فيها ليست مشكلة تواجه السودان وحده، وهي أصبحت هماً عالمياً، وثمة دراسات تمت بصددها لتجيب على الأسئلة العديدة التي تطرح بشدة حالياً: كيف ولماذا تنتشر الشائعات؟ ولماذا لا يصدق الناس النفي الذي يصدر عن الجهات الرسمية؟ وما هو الهدف من نشر الشائعة؟ وقد لاحظ الدارسون أن ثمة أسباباً عديدة تؤدي لانتشار الشائعة، كما لاحظوا أن البلاد التي تفتقر حكوماتها للشفافية وتفرض حجراً على نشر المعلومات، ولا تلتزم بتسهيل وصول الناس للمعلومات الصحيحة والموثوق بها هي أكثر الدول انتشاراً للشائعات التي يستعصى نفيها، لأن الناس ما عادوا يثقون في البيانات الرسمية بعد تجارب طويلة مع بيانات حكوماتهم.

ومن ناحية أخرى فإن الشائعات تثير غالباً قضايا تلهب العواطف، ويفضل الناس أن يصدقوا مثل تلك الشائعات، ويقاوموا كل محاولة لتصحيحها. وحتى الدول الكبرى تعاني من انتشار الشائعات، وتقف حائرة أمامها، وقصارى ما يمكن أن يقال في تبرير هذا الوضع هو أنه نتاج لثورة تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، وسيتواصل هذا الخلل إلى أن يستقر نظام (التواصل الاجتماعي)، وتصبح له قواعد تحكم ممارساته،ومثل رد الفعل الغاضب الذي بدر من مختلف الجهات السودانية إزاء ما حدث الأسبوع الماضي لن يجدي فتيلاً، ومن الأفضل – على عكس كل ما ردده المسؤولون من اقتراحات – أن تتبنى الدولة مبدأ الشفافية، وتلتزم بالقواعد الصارمة لتسهيل الوصول للمعلومات الصحيحة والموثوق بها للكافة، والكف عن حجب المعلومات واللجوء للسرية حتى تستعيد البيانات الرسمية مصداقيتها،

فذلك هو الطريق الوحيد لمقاومة الانتشار غير المبرر للشائعات الضارة،

التي لن توقفها القوانين المتشددة،

ولا ردود الأفعال الغاضبة.