برنامج الغذاء العالمي

امستردام: الاثنين 12فبرابر2024: راديو دبنقا

بالتزامن مع آلام وكوراث الحرب وصرخات الملايين من ضحاياها تتصاعد أيضا انات وآلام الملايين من الجوعى نتيجة لذات السبب في السودان. وتتوالى التحذيرات الداخلية والعالمية من شبح المجاعة التي تخيم على معظم ارجاء البلاد خاصة في المناطق التي تشهد المواجهات الدامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وأكد أكثر من 30 خبيراً أممياً مستقلاً، في بيان جماعي نادر، إن حوالي 25 مليون شخص- من بينهم 14 مليون طفل بمن فيهم 3 ملايين دون سن الخامسة- يعانون من سوء التغذية الحاد، ويحتاجون بشكل عاجل إلى المساعدة الإنسانية في السودان.

وأضاف البيان الذي صدر يوم الاثنين 5 فبراير 2024، أن الأوضاع الإنسانية المتدهورة في السودان تسببت في نزوح جماعي غير مسبوق، حيث يقدر عدد النازحين داخليا بنحو 9.05 مليون شخص، وهو ما يمثل حوالي 13 في المائة من جميع النازحين داخليا على مستوى العالم.

ما هي المجاعة وكيف ولماذا تحدث؟

ليس من قبيل الصدفة ان البيان تجنب استخدام عبارة “مجاعة” لاعتبارات تتعلق بضرورة الالتزام بتعريف وكالات الأمم المتحدة للمجاعة، وهذا لا يعني بالطبع ان الأوضاع ليست كارثية في السودان.

تشير عبارة المجاعة بشكل عام إلى معاناة جماعية واسعة من انعدام او نقص حاد في الأغذية نتيجة لفشل ثلاثي الابعاد في انتاج الغذاء بالدرجة الأولى ثم عجز الناس عن الحصول على الغذاء او الوصول اليه إضافة لأسباب سياسية تتمثل في عجز السلطات المحلية والحكومات والمجتمع الدولي عن الاستجابة المناسبة لهذا النقص الحاد في الغذاء.

تستخدم المنظمات الدولية توصيفات مختلفة للمراحل المختلفة من نقص الأغذية تبدأ بوصف المنطقة باعتبارها آمنة غذائيًّاً بوجه عام؛ ثم المرحلة الثانية وهي غير آمنة غذائيًّاً متوسط/عند الحافة؛ والمرحلة الثالثة هي مرحلة الأزمة الغذائية الشديدة وحالة حالة طوارئ إنسانية؛ ثم المرحلة الخامسة والأخيرة وهي مرحلة المجاعة والكارثة الإنسانية.

تعتبر غالبية منظمات الأمم المتحدة ان الأوضاع في منطقة ما قد بلغت مرحلة المجاعة:

1/ عندما يواجه ما لا يقل عن 20% من الأسر في منطقة ما نقصًا حادًا في الغذاء مع قدرة محدودة على التأقلم.

2/ عند انتشار سوء التغذية الحاد وسط الأطفال بنسبة تتجاوز 30%.

3/ عند تجاوز معدل الوفيات شخصين لكل 10,000 شخص في اليوم.

ولا شك ان تعريف المجاعة الحرفي قد انطبق، لأوقات تطول وتقصر، على كثير من المناطق التي تشهد الصراع المسلح في السودان حاليا وان لم تتوفر إحصاءات دقيقة من مصادر موثوقة فيما تواجهه ولايات بأكملها من أوضاع إنسانية كارثية.

لكن المنظمات الدولية كثيرا ما تتريث في اعلان حالة المجاعة بسب عدم توفر إحصاءات للحالات والمعايير التي تعتمد عليها او عجزها عن الوصول لمناطق الازمات بسبب النزاعات المسلحة في غالب الأحيان.

مفاهيم مغلوطة حول المجاعة

ويورد موقع برنامج الغذاء العالمي عددا من المفاهيم المغلوطة حول المجاعة منها أن المجاعة تحدث بشكل رئيسي بسبب الكوارث المناخية. على الرغم من أن السبب الرئيسي وراء وقوع المجاعات تاريخيا كان الصدمات المناخية مثل الجفاف، إلا أن النزاعات المسلحة هي المحرك الأكبر الوحيد للمجاعات في العالم الان.

ومن المفاهيم المغلوطة الشائعة الانتشار أن خسارة الأرواح لا تبدأ إلا بعد إعلان المجاعة، والحقيقة هي انه في الوقت الذي يتم فيه إعلان المجاعة، يكون الأوان قد فات، حيث تكون خسارة الأرواح بسبب الجوع قد بدأت بالفعل ولو توفر التمويل وإمكانية الوصول للضحايا بعد ذلك. ولا يقتصر أثر المجاعة الكارثي على الفقدان المأساوي للأرواح فقط بل يترتب على ذلك عواقب اقتصادية طويلة الأجل مثل انخفاض الإنتاجية وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وتكلفة فقدان الموارد البشرية لأجيال بأكملها بالنسبة لمناطق وبلدان هي الافقر في العالم.

اما المفهوم الخاطئ الأكثر شيوعا عن المجاعة فهو إن الجوع هو السبب الرئيسي للموت في ازمنة المجاعة. “بين الجوع الشديد وفقدان الحياة، دائمًا ما يصاب الإنسان بمرض ما” على حد تعبير منظمة الصحة العالمية. الجوع الشديد هو شكل خطير لسوء التغذية الحاد يهدد الحياة لكونه يضعف جهاز المناعة، مما يجعل الجسم عرضة للإصابة بالأمراض المعدية مثل الكوليرا والملاريا والالتهاب الرئوي والحصبة. ويؤدي سوء التغذية، حتى في شكله الأقل خطورة، إلى آثار طويلة الأمد مثل ضعف النمو البدني والإدراكي، وانخفاض التحصيل العلمي والإنتاجية في العمل، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض والوفاة.

ذاكرة المجاعة في السودان

لم تغب ظاهرة المجاعة ونقص الغذاء الحاد عن الواقع والذاكرة السودانية ابدا، فقد عانت منها مناطق أو جماعات كثيرة على مر التاريخ الحديث والمعاصر لأسباب متباينة تتضافر فيها العوامل السياسية والنزاعات مع التغيرات البيئية. 

لعل أكثرها شهرة هي المجاعة المنسوبة للعام الهجري 1306 الموافق 1888/1889 اثناء حكم الخليفة عبد الله التعايشي للسودان والتي راح ضحيتها الالاف خاصة في مناطق وسط السودان والجزيرة وتسببت فيها عوامل سياسية بالدرجة الاولي.

ولا تزال في ذاكرة السودانيين ازمة الجفاف والتصحر التي ضربت منطقة الساحل عامي 41984/1985 والتي سببت نقصا حادا في الغذاء في مناطق واسعة من شمال دارفور وكردفان وقضي نتيجتها الاف المواطنين ونزوح مئات الالاف مما شكل خميرة الحرب الاهلية التي نشبت بعد ذلك في إقليم دارفور.

كما سببت الحرب الاهلية في جنوب السودان نقصا حادا في الغذاء في مناطق كثيرة في جنوب السودان كان أسوأها في إقليم بحر الغزال حيث تعرض السودان إلى موجة جفاف قاسية تسببت بإحداث مجاعة عام 1998 وتسببت في وفاة أكثر من 70 ألف شخص ونزوح أكثر من 72 ألفا آخرين من المناطق الريفية في بحر الغزال. ومثلما هو معتاد تضافرت اسباب سياسية مع موجة الجفاف تمثلت في الصراع المسلح الذي قاده كاربينو كوانين المنشق عن الحركة الشعبية لتحرير السودان للاستفراد بمنطقة بحر الغزال.

وكأنما التاريخ يعيد نفسه اليوم، فبعد أن تسببت الحروب المتتابعة للثورة المهدية في حدوث المجاعة الشهيرة المعروفة بمجاعة سنة ستة، تدخل الحرب الحالية شهرها الحادي عشر خلال أيام وتحمل بين ما تحمل من كوارث أزمة غذاء جديدة ومجاعة على الأبواب بدأت ملامحها في الظهور في بعض معسكرات النزوح واللجوء، هذه المجاعة لن تقف عند أقاليم بعينها، بل ستطال كل أنحاء السودان وبعض دول الجوار التي لجاء إلى أرضيها عشرات الألاف من السودانيين… هل مازال هناك متسع من الوقت للمجتمع الدولي للتدخل وبموافقة طرفي النزاع في ظل مؤشرات على عراقيل تواجه عقد الاجتماع الذي دعا له منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة في جنيف وبحضور الطرفين المتحاربين، أم أن العالم سيضطر كما فعل في مناطق أخرى من العالم للتدخل دون رضا الأطراف المتقاتلة لإنقاذ الملايين من أبناء السودان من خطر الموت جوعا؟