ما هي الأسباب التي منعت حل المؤتمر الوطني؟

ليست هناك أي أسباب منطقية تؤخر حل حزب المؤتمر الوطني، ووضع مؤسساته في دلالة لصالح مصلحة البلد، كما دعا وزير المالية. فالثورة لا تكتمل أركانها إلا بمنع هذا الحزب من مداولة نشاطه بحكم أنه من فصيلة الاتحاد الاشتراكي. بل أسوأ

بقلم: صلاح شعيب

ليست هناك أي أسباب منطقية تؤخر حل حزب المؤتمر الوطني، ووضع مؤسساته في دلالة لصالح مصلحة البلد، كما دعا وزير المالية. فالثورة لا تكتمل أركانها إلا بمنع هذا الحزب من مداولة نشاطه بحكم أنه من فصيلة الاتحاد الاشتراكي. بل أسوأ. فنحن نعرف أنه الحزب الذي يتحمل مسؤولية قتل الآلاف الذين عارضوه، هذا بخلاف دماره البلاد. وهذا وحده سبب كاف لاجتثاثه من المشهد السياسي. فبخلاف دوره في تعميق جل الأزمات السودانية فإن المؤتمر الوطني كان كالخنجر في خاصرة السودان. وضد من كانت تضحيات الشباب الثائر؟

غريب أمر حكومة حمدوك، وغريب أكثر صبر قوى الحرية والتغيير، والأغرب أكثر هو غياب التجمع عن الحشد لمليونية الشارع للضغط حتى يُحل الحزب. فكل ما تمر الأيام تتزايد فرص صدق المشككين في جدوى حمدوك قبل حكومته، وفي جدوى نيتها الخالصة في تحقيق أهداف الثورة، وفي جدوى أولويات الحكومة هذه التي تسبق أولوية حل الحزب الكئيب. فمهما تحفظنا على انتقادات تصف حمدوك، ومستشاريه، بأنهم يحققون الهبوط الناعم وجدنا عند تباطؤ الحكومة في إزالة التمكين – وفقا لما طالبت به الوثيقة الدستورية – سببا لتأكيد تلك الانتقادات الحادة الآتية من المربع الثوري.

لقد مرت أيام كثيرة انتظرنا فيها قرارات ثورية تتماشى مع مهام المدنية في الحكم، ولكن يبدو أن لا جدوى من الانتظار حتى هذه اللحظة. فنحن ندرك أن كثيرا من الداعمين للحكومة يتجنبون من ناحية استراتيجية إضعافها بالنقد المتواصل حتى لا يلتقوا مع الفلول في نقطة محاربتها. ولكن تخوف حمدوك، وكثير من وزرائه، من اتخاذ قرارات ثورية لا يترك سوى الفرصة أمام تخلي كثيرين عن دعمه، ويا للأسى فإن هذا الإجراء يتيح لداعمي العهد البائد فرصة الظفر بالنصر.

الحقيقة أننا نلاحظ أن هناك شكوى مستمرة، وحامضة، من بعض الوزراء بوجود قوانين في الخدمة المدنية تعوق حركتهم في الإحلال والإبدال، وفي اتخاذ قرارات تتطلبها ضرورة الحفاظ على الثورة، وتمليها رغبة السواد الأعظم من السودانيين. ولكن يتناسى هؤلاء الوزراء الأفاضل أن اختيارهم إنما تم لإزالة هذا التمكين لا التساهل معه، وتجاوز قوانينه التي ورثناها لا جعلها مكبلة في العمل، وهي من بعد تعيق الإصلاح العام لبنية الدولة الخربة. والسؤال الكبير: علام ثار الشباب ضد دستور البلاد الذي يقنن كل شئ في البلاد وأسقطوه بتلك الجسارة الثورية؟. أولم يعن إسقاط البشير، وطرد المؤتمر الوطني من السلطة، انقلابا على قوانين الدولة نفسها؟ فإذا كنا تجاوزنا قوانين مسجل الأحزاب، وقوانين عملها، وصلاحيات المؤتمر الوطني التي خلقها كوادر النظام البائد، فلماذا إذن يتعثر حمدوك، ووزراؤه، أمام طائفة من اللوائح، والقوانين، التي هي أدنى مرتبة من دستور البلاد؟

إن الوضع الذي أتى بحمدوك، ووزرائه استثنائي، ويتطلب إجراءات وقرارات استثنائية، إذا أرادوا تنفيذ شعار حرية، سلام، وعدالة. أما التحجج بقوانين الخدمة المدنية التي وضعها النظام السابق دون تحقيق رغبة السودانيين فيمثل ارتدادا حقيقيا من أهداف الثورة، ونخشى القول إنه يمثل منحة لتنشيط الفلول، ولعل هذا ما هو حادث الآن. فلو كنا حريصين على احترام قوانين الشمولية فلماذا لا ننتظر حتى انتخابات ٢٠٢٠ حتى لا نوصف بتجاوز قوانين الخدمة المدنية التي اخترعها النظام السابق؟!!

اعتقد أن حل حزب المؤتمر الوطني اليوم قبل الغد يمثل احتراما للأرواح التي قدمها السودانيون طيلة الثلاثين عاما الماضية. بل يجب على الحكومة أن تصدر – بلا تسويف – قرارا عاجلا يعيد المفصولين عن الخدمة المدنية، ردا للظلم، وتكريما لهم لنضالهم، على أن توظف الحكومة الراغبين في العودة محل كوادر المؤتمر الوطني في أيما مرفق حكومي. وهذه كانت رغبة الثوار، وقد صدر الإعلان الدستوري ليمنح الحكومة كامل الصلاحية لاستئصال التمكين.

لا معنى للثورة أصلا، والتي قامت ضد المؤتمر الوطني، إن كانت تجعل غندور الآن يبادر في الهجوم على الحكومة بعد استغلال ضعفها إزاء حل حزبه. ينبغي احترام إرادة الشهداء، يتطلب الواقع أن نحترم نضالات الشعب السوداني للتخلص من هذه الطغمة الكئيبة، وعزلها من الاقتراب من مشهدنا السياسي. فدماء جرائم المؤتمر الوطني لم تجف بعد.