كيرياندنقو بشمال أوغندا… آلاف اللاجئين يعتمدون على وجبة واحدة يومياً

لاجئون سودانيون في اوغندا

لاجئون سودانيون في اوغندا-راديو دبنقا

أمستردام: كمبالا/ الثلاثاء 30 ديسمبر 2025: راديو دبنقا

تتفاقم الأوضاع الإنسانية والغذائية داخل معسكر كيرياندنقو للاجئين السودانيين في شمال أوغندا، في ظل تراجع الدعم الإنساني وتعثر برامج المساعدة، ما جعل آلاف الأسر تعتمد بشكل شبه كامل على المطابخ الجماعية لتأمين وجبتها اليومية الوحيدة.

وتقع مستوطنة كيرياندنقو، في مدينة بيالي بإقليم الغرب الأوسط من أوغندا، على بُعد نحو 218 كيلومتراً شمال العاصمة كمبالا. وشهد المعسكر خلال السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين، إذ ارتفع عدد المقيمين فيه من نحو 72 ألف لاجئ في عام 2021 إلى أكثر من 133,700 لاجئ بحلول عام 2025، في ظل تدفقات متواصلة للفارين من النزاعات وعدم الاستقرار في المنطقة.

ويضم المعسكر لاجئين من جنسيات متعددة، بينهم سودانيون وجنوبيو السودان ولاجئون من دول أفريقية أخرى. ووفقاً لبيانات محدثة حتى أكتوبر 2025، يقيم في أوغندا أكثر من 91,990 لاجئاً وطالب لجوء سودانياً، يعيش نحو 85 في المئة منهم، أي ما يقارب 78 ألف لاجئ، داخل مستوطنة كيرياندنقو، فيما يقيم نحو 10 في المئة في العاصمة كمبالا، وتتوزع النسبة المتبقية على مستوطنات أخرى.

ضغط متزايد على الموارد

تضاعف عدد اللاجئين السودانيين في أوغندا بشكل كبير منذ اندلاع الأزمة في السودان في أبريل 2023، إذ ارتفع من 16,694 لاجئاً في يناير 2024 إلى أكثر من 91,990 لاجئاً بحلول أكتوبر 2025، ما شكّل ضغطاً متزايداً على الموارد والخدمات الأساسية داخل المعسكر، لا سيما في مجالات الغذاء والصحة والمياه وسبل العيش.

وفي ظل هذا التدهور، وازدياد حالات سوء التغذية وسط النساء الحوامل والمرضعات والأطفال، جرى إطلاق مبادرة المطابخ الجماعية في يوليو 2024 كاستجابة مجتمعية لتلبية الاحتياجات الأساسية. وبدأ العمل فعلياً في 10 يوليو بمطبخ واحد، قبل أن تتوسع المبادرة تدريجياً إلى 17 مطبخاً تغطي 17 مربعاً سكنياً داخل المعسكر، بالتوازي مع تقليص المساعدات الغذائية إلى 30 في المئة، ثم تحويلها إلى دعم نقدي محدود، قبل أن تتوقف المساعدات عن بعض الفئات، لا سيما اللاجئين الذين وصلوا خلال عامي 2023 و2024.

المطابخ الجماعية… خط الدفاع الأخير

وقال سكرتير اللجنة العليا للمطابخ الجماعية وأحد مؤسسيها بمعسكر كيرياندنقو، معاوية الحسن، في تصريح لراديو دبنقا، إن اللاجئين صُنّفوا إلى ثلاث فئات، حُرمت الفئة الثالثة بالكامل من الغذاء والدعم النقدي، فيما تحصل الفئتان الأولى والثانية على نسب محدودة لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية لأكثر من أيام قليلة، ما جعل المطابخ الجماعية تتحمل العبء الأكبر في سد الفجوة الغذائية.

وأضاف أن المطابخ السبعة عشر تقدم حالياً وجبة واحدة في اليوم هي وجبة الغداء، وتعتمد في تمويلها على مساهمات السودانيين في كمبالا وخارجها من أفراد وجمعيات خيرية، في ظل غياب أي دعم ثابت من الجهات المانحة. وكشف أن نقص الموارد أدى إلى توقف المطابخ عن العمل في 31 أكتوبر الماضي، قبل أن تستأنف نشاطها منتصف نوفمبر عقب حملة كسب تأييد شارك فيها سودانيون وسودانيات في كمبالا.

وأوضح الحسن أن المطابخ تعمل حالياً بطاقتها القصوى رغم محدودية الإمكانات، وأن الوجبات المقدمة تمثل مزيجاً من الطعام السوداني والأوغندي وفق المواد المتوفرة، وتشمل العصيدة والأرز والخضروات عند توفرها، مشيراً إلى احتياجات مستمرة تشمل الدقيق والأرز والزيت والبهارات والصلصة والطماطم واللحوم المجففة إضافة إلى الوقود. وحذّر من أن أي توقف جديد للمطابخ سيحرم آلاف اللاجئين من وجبتهم الوحيدة في اليوم، في ظل انعدام فرص العمل وغياب مصادر الدخل.

مؤشرات صحية مقلقة

من جانبه، قال مسؤول الصحة بمجتمع اللاجئين السودانيين في المعسكر، دكتور السنوسي يوسف، إن الوضع الغذائي داخل كيرياندنقو بات بالغ الصعوبة، خاصة خلال الفترة التي توقفت فيها المطابخ الجماعية نهاية أكتوبر قبل أن تعود للعمل بصورة متقطعة منتصف نوفمبر، ما فاقم معاناة آلاف اللاجئين.

وأوضح أن أعداد اللاجئين ارتفعت بشكل كبير وأصبحت الكلاسترات شبه ممتلئة، مقارنة بالمراحل الأولى التي كان فيها العدد أقل وكانت السلال الغذائية تصل بصورة أوسع والمطابخ تعمل بانتظام، إضافة إلى استمرار صرف مساعدات برنامج الأغذية العالمي بنسبة لا تقل عن 30 في المئة من الحصة الكاملة.

وأشار إلى أن الوضع تغيّر بصورة حادة بعد أن أوقفت المنظمة صرف المساعدات الغذائية عن نسبة كبيرة من اللاجئين، وصلت إلى نحو 80 في المئة، مع إخراج فئة ثالثة بالكامل من نظام الصرف، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الغذائية داخل المعسكر. وأضاف أن الاعتماد بات شبه كلي على المطابخ الجماعية التي لا تعمل بصورة منتظمة بسبب غياب الدعم الثابت.

وأكد يوسف أن الوجبة الواحدة التي تقدمها المطابخ حالياً لا تكفي لتغطية الاحتياجات الغذائية اليومية، محذراً من تزايد مؤشرات سوء التغذية، خاصة وسط الكلاسترات التي تضم وافدين جدداً من السودان، كثير منهم وصلوا وهم يعانون من أوضاع صحية متدهورة. وقال إنه شارك في تنفيذ استبيانات ميدانية أظهرت أن عدداً كبيراً من اللاجئين يعانون من سوء تغذية بدرجات متفاوتة، مشيراً إلى أن المستشفى داخل المعسكر يستقبل بصورة متكررة حالات متأثرة بسوء التغذية.

أصوات اللاجئين والعودة الطوعية

وفي إفادات متطابقة لراديو دبنقا، قال لاجئون سودانيون في أوغندا إن أوضاعهم المعيشية تشهد تدهوراً مستمراً منذ أشهر، في ظل تعثر برنامج العودة الطوعية وعدم إحراز أي تقدم ملموس رغم الوعود المتكررة. وأوضحوا أن انعدام فرص العمل وغياب مصادر الدخل جعل تأمين الغذاء والعلاج أمراً بالغ الصعوبة، لافتين إلى أن كثيرين يعجزون عن الحصول على الرعاية الصحية، فيما أنهك المرض بعضهم وتوفي آخرون نتيجة عدم توفر العلاج.

وأضاف اللاجئون أن الأغلبية الساحقة من المسجلين في برنامج العودة الطوعية تعاني من الفقر والجوع والمرض، خاصة مع توقف مرتبات بعض العاملين بالدولة السودانية، ما زاد من الضغوط الاقتصادية والنفسية على الأسر. وطالبوا بتوفير رحلات طيران عاجلة لإعادتهم إلى السودان في أقرب وقت ممكن، إلى جانب ضمان العلاج والرعاية الصحية للمرضى.

وتعكس هذه الشهادات مجتمعة حجم الأزمة الإنسانية التي يعيشها اللاجئون السودانيون في معسكر كيرياندنقو، حيث باتت المطابخ الجماعية تمثل خط الدفاع الأخير في مواجهة الجوع، في ظل تراجع الدعم الدولي وتعثر الحلول طويلة الأمد. ومع استمرار تدفق اللاجئين وتزايد الاحتياجات.

Welcome

Install
×