كارثة إنسانية في جنوب وغرب كردفان: حصار، نزوح، وأوبئة تفتك بالسكان

خارطة تظهر أهم مدن كردفان

خارطة تظهر أهم مدن كردفان- خرائط قوقل

راديو دبنقا – 11 أغسطس 2025

تشهد الأوضاع الإنسانية في ولايتي جنوب وغرب كردفان تدهورًا غير مسبوق، نتيجة الحصار المستمر، وتوسع رقعة الصراع، وانتشار الأوبئة، خاصة الكوليرا. تتوزع السيطرة العسكرية في كردفان بين الجيش والدعم السريع والحركة الشعبية، إذ تسيطر قوات الدعم السريع على معظم محليات غرب كردفان، بينما تتقاسم الحركة الشعبية والجيش السيطرة على جنوب كردفان. في حين تسيطر قوات الدعم السريع على منطقة الدبيبات. وتشهد الولايتان حالة من الكر والفر وتفلتات أمنية متكررة.

تداعيات الصراع على الحياة والمعيشة

أكد عبد الجليل الباشا، القيادي في حزب الأمة القومي، خلال مخاطبته ندوة نظمتها التنسيقية النسوية الموحدة لإيقاف الحرب، أن انعدام الأمن أدى إلى توقف النشاط الزراعي والرعوي، وهما المصدران الرئيسيان للمعيشة في الإقليم. من جانبه، ذكر البروفيسور صديق تاور، القيادي في حزب البعث،خلال مخاطبته ذات الندوة أن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بالعاصمة الخرطوم سرعان ما امتدت إلى مدن كردفان، وعلى رأسها الأبيض، التي شهدت مواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع، تسببت في موجات نزوح كبيرة نحو جنوب وغرب كردفان. وأضاف أن دخول الحركة الشعبية – بقيادة الحلو – كطرف ثالث في الصراع، زاد من تعقيد المشهد، وأدى إلى إغلاق الطرق الرئيسية وعزل المدن الكبرى مثل كادوقلي والدلنج.

أكد الأستاذ عبد الجليل الباشا أن ولايات كردفان الثلاث تعيش أوضاعًا أمنية وإنسانية واقتصادية بالغة الصعوبة، نتيجة تراكم الأزمات التاريخية والحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023، مشددًا على أن الحل الجذري يكمن في وقف القتال وفتح الممرات الإنسانية.

أوضح الباشا أن ولاية جنوب كردفان عانت من التهميش السياسي والتنموي منذ عقود، ما أدى إلى ظهور حركات احتجاج وانخراط بعض أبناء المنطقة في الحركة الشعبية، وصولًا إلى الحرب التي اندلعت في 6 يونيو 2011. وأضاف أن الحرب الحالية زادت من معاناة المواطنين، ودمرت ما تبقى من البنية التحتية والخدمات الأساسية.

حصار خانق وعزلة تامة

أشار تاور إلى أن الحصار المفروض على كادوقلي والدلنج أدى إلى شلل كامل في الإمدادات الغذائية والدوائية ومواد الوقود، ما أجبر السكان على الاعتماد على موارد بدائية وبدائل محلية. كما أدى النزوح الجماعي من الأرياف إلى المدن إلى تضاعف الضغط على المخزون المحدود داخلها، حتى أوشك على النفاد.

قال الباشا إن أعداد النازحين في شمال كردفان، على سبيل المثال، بلغت نحو 142 ألف أسرة نازحة و119 ألف أسرة مستضيفة، معظمهم فروا من مناطق تشهد معارك بين الجيش والدعم السريع. ولفت إلى أن مدينتي كادوقلي والدلنج في جنوب كردفان تعانيان حصارًا خانقًا، أدى إلى انقطاع الإمدادات الغذائية وارتفاع الأسعار بشكل حاد، حتى وصلت بعض المناطق إلى حافة المجاعة.

كما أشار إلى أن الحكومة ساهمت في تفاقم الأزمة بوقف نشاط بعض المنظمات الإنسانية، وإغلاق ما كان يعرف بـ “أسواق السلام” التي كانت تسمح بتبادل السلع بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحركة الشعبية.

أوضاع كارثية في غرب كردفان

في غرب كردفان، خصوصًا في النهود والخوي والمناطق المحيطة، وصف تاور الوضع الإنساني بـ “الكارثي”، مشيرًا إلى انهيار القطاع الصحي، حيث يخدم مستشفى النهود ست محليات لكنه خرج تمامًا عن الخدمة، في ظل تسجيل أكثر من 300 إصابة بالكوليرا ووفاة ما بين 25 و30 شخصًا يوميًا في المدينة، إضافة إلى عشرات الوفيات في محليات الخوي وود بندة.

انعدام المواد الغذائية

كشف تاور أن كادوقلي تعاني منذ أيام من انعدام كامل للذرة في الأسواق، حيث يقف المواطنون في صفوف طويلة منذ الصباح الباكر حتى المساء دون الحصول على احتياجاتهم. وأشار إلى اتهامات بوجود “تحالف” بين بعض ضباط الجيش والتجار لاحتكار السلع والتحكم في الأسعار، ما فجر احتجاجات غاضبة شهدتها الأسواق مؤخرًا.

طرق مقطوعة ونزوح سيرًا على الأقدام

أكد تاور أن الحركة جنوبًا أو غربًا شبه مستحيلة بسبب موسم الأمطار والظروف الأمنية، فيما يضطر المواطنون للنزوح سيرًا على الأقدام لمسافات تصل إلى 45 كيلومترًا للوصول إلى مناطق يمكن منها متابعة الرحلة نحو مناطق أكثر أمنًا مثل كوستي وربك.

حلول مقترحة

شدد الباشا على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى المناطق المتضررة، مقترحًا نقل الإغاثة إلى كادوقلي عبر مطار جوبا، وإلى الدلنج والمناطق الغربية عبر تنسيق مع الأطراف المسيطرة. كما دعا المجتمع الدولي إلى لعب دور ضاغط على أطراف النزاع لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وإنشاء لجان من المانحين لمراقبة عملية التوزيع.

وأكد الباشا أن وقف الحرب هو المدخل الأساسي لإنهاء المعاناة، وأنه لا يمكن تحقيق الكرامة والأمن للشعب السوداني في ظل استمرار القتال، داعيًا إلى تضافر الجهود الوطنية والدولية من أجل السلام، والتحول الديمقراطي، والعدالة، والمساواة.

وفي ذات السياق، دعا صديق تاور المنظمات الإنسانية المحلية والدولية إلى التحرك الفوري لإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، مشددًا على أن الأوضاع في جنوب وغرب كردفان تمثل “كارثة إنسانية حقيقية” لا تحظى بالاهتمام الكافي مقارنة بمناطق نزاع أخرى في السودان.

Welcome

Install
×