قصف قافلة مساعدات أممية في مليط بشمال دارفور.. من المسؤول؟

شاحنة مساعدات محترقة في مليط بولاية شمال كردفان

شاحنة مساعدات محترقة في مليط بولاية شمال كردفان-20 أغسطس 2025- لقطة شاشة من مقطع فيديو نشره إعلام الدعم السريع


مليط: 22 أغسطس 2025: راديو دبنقا

أثار قصف قافلة مساعدات مقدمة من برنامج الغذاء العالمي صباح الأربعاء في مدينة مليط بشمال دارفور ردود فعل دولية ومحلية واسعة، فيما تبادلت قوات الدعم السريع والجيش الاتهامات بشأن القصف.

وتسيطر قوات الدعم السريع على مدينة مليط، التي تبعد 65 كيلومتراً، منذ أبريل 2024، وتُعد المدينة من أبرز المنافذ التجارية التي تربط السودان بليبيا، وقد اكتسبت أهمية كبيرة كأحد المراكز التجارية الرئيسية في البلاد منذ اندلاع النزاع المسلح.

حوادث سابقة

تعرضت المدينة لعشرات الغارات الجوية منذ سيطرة قوات الدعم السريع عليها، وكان آخرها يومي الخميس 14 أغسطس والأحد 17 أغسطس الماضيين، قبل قصف القافلة يوم الأربعاء 20 أغسطس.

وأشارت مصادر راديو دبنقا إلى مقتل شخصين جراء قصف طائرة مسيّرة انتحارية لسوق المراكيب بموقف ليبيا في مليط يوم الأحد 17 أغسطس، بجانب احتراق عدد من الدكاكين ومركبة. وأوضحت المصادر أن صاروخاً آخر أصاب تنكر وقود في حي المرابيع دون وقوع إصابات. وفي يوم الخميس 14 أغسطس، استهدفت طائرة مسيّرة انتحارية عربتين عسكريتين في الزريبة، حيث أصابت الشظايا عدداً من المواطنين.

ووثق راديو دبنقا عشرات الحوادث التي تكشف عن مقتل مدنيين ونفوق ماشية في مليط خلال عام وأربعة أشهر. وظلت المصادر الإعلامية المقربة من الجيش طيلة الفترة الماضية تنشر أخبار الهجمات الجوية على مليط والمدن الأخرى ساعة حدوثها، عدا قصف القافلة الذي بادر قادة في الدعم السريع بتوثيقه بالفيديو.

وفي بداية يونيو، تعرضت قافلة إنسانية مشتركة لقصف قرب مدينة الكومة شمال دارفور، ما أدى إلى مقتل خمسة من أفراد القافلة وإصابة آخرين. كما أُحرقت عدة شاحنات وتضررت إمدادات إنسانية حيوية. وتبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات بالهجوم على القافلة الإنسانية الذي وقع في مدينة الكومة مساء أمس، فيما نشر كل طرف صوراً للشاحنات المحترقة. وتسيطر قوات الدعم السريع على مدينة الكومة التي ظلت تتعرض للقصف الجوي وبالطائرات المسيّرة باستمرار من قبل الجيش، وكان آخرها الأسبوع الماضي.

تفاصيل القصف

أظهر مقطع الفيديو الذي نشرته قوات الدعم السريع شاحنتين تشتعلان بالنيران وتتصاعد منهما سحب الدخان، كما يظهر المقطع شاحنات أخرى سليمة تحمل شعار برنامج الغذاء العالمي. وقال المتحدث في المقطع إن الهجوم جرى يوم الأربعاء 20 أغسطس في تمام الساعة 12 ظهراً، وأشار أيضاً إلى أن القصف استهدف مناطق أخرى في المدينة، مضيفاً أن القافلة جاءت عبر معبر الطينة على الحدود التشادية الذي تسيطر عليه القوات المسلحة والقوة المشتركة.

اتهامات متبادلة

بعد ساعات من نشر الفيديو، أصدرت قوات الدعم السريع بياناً رسمياً اتهمت فيه الجيش باستهداف قافلة إغاثية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي مكوّنة من 16 شاحنة وتدمير شاحنتين، وذلك أثناء تواجدها داخل حظيرة جمارك مليط.

وقالت إن الهجوم طال سوق مدينة مليط والنقطة الجمركية، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. وطالبت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية بإدانة واضحة وصريحة لهذا الاعتداء الإجرامي وفتح تحقيق عاجل لمحاسبة المسؤولين عن استهداف قوافل الإغاثة، مشددة على ضرورة الضغط الفوري لوقف اعتداءات الجيش على العاملين في المجال الإنساني.

من جانبه، اعتبر الناطق الرسمي باسم تحالف التأسيس، الدكتور علاء نقد، في بيان اطلع عليه راديو دبنقا، قصف القافلة انتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، واستهتاراً متعمداً بحياة ملايين السودانيين الذين يعيشون تحت وطأة الحرب والجوع، متهماً الجيش بشن القصف.

بالمقابل، وصفت القوات المسلحة في بيانها أمس الاتهامات الموجهة إليها بأنها مضللة، في محاولة من قوات الدعم السريع للتغطية على جريمتها في استهداف القافلة بالمنطقة نفسها.

وجاء في البيان أن ما نشرته الدعم السريع “محض أكاذيب معهودة تحاول من خلالها ذر الرماد على العيون وتزييف الواقع الذي يفضح انتهاكاتها المتواصلة”، متهماً إياها بالسرقة والنهب والتخريب والقتل والاغتصاب وحصار وتجويع سكان مدينة الفاشر وغيرها، واجتياح معسكرات النازحين بدارفور.

وأضاف البيان: “إن الحكومة السودانية التي وافقت على فتح مسارات المساعدات الإنسانية، ومنها معبر أدري الحدودي مع تشاد، لا يمكن بأي حال أن تستهدف أي قوافل مساعدات تأتي لصالح المواطنين”.

كما أدان قطاع العمل الإنساني بالتحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) قصف قافلة المساعدات الإنسانية في مليط، مشيراً إلى الاستهداف المستمر من قبل قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية للجهود الإنسانية، ومتجاهلين القوانين الدولية التي تحرّم استخدام سلاح الجوع ضد المدنيين في الحرب، غير مكترثين لأوضاعهم ومعاناتهم المستمرة.

أهداف الهجمات الجوية

تهدف الهجمات الجوية التي يشنها الجيش على مليط إلى قطع خطوط الإمداد، إذ تعتبر المدينة نقطة متقدمة لحصول قوات الدعم السريع على الوقود والعتاد القادم من الحدود الليبية. وقد وثق سجل الطيران العديد من الرحلات لطائرات شحن إماراتية إلى مدينة الكفرة، بينما توقفت رحلات الشحن الإماراتية إلى تشاد منذ ثلاثة أشهر. وتتهم الحكومة السودانية الإمارات بمساعدة قوات الدعم السريع، بينما تنفي الأخيرة ذلك باستمرار.

تفاصيل القافلة

يوم الاثنين الماضي، كشفت حكومة إقليم دارفور برئاسة مني أركو مناوي عن وصول 17 شاحنة مساعدات غذائية إلى محلية مليط بشمال دارفور، محمّلة بـ260 طناً من المواد الغذائية مقدمة من برنامج الغذاء العالمي.

وأوضح أن هذه المساعدات تكفي لتغطية الاحتياجات الغذائية لنحو 23 ألف مستفيد من النازحين والأسر المستضيفة، حيث سيتم توزيعها وفق خطة تشمل مناطق مليط والعباسي وصياح وأبوقو وأرمل.

وأكدت السلطات أن القافلة وصلت بأمان بعد تأمين طرق العبور بواسطة الأجهزة الأمنية والقوة المشتركة. حينها وجّه عبد الباقي محمد حامد، مدير عام الرعاية الاجتماعية ومنسق الشؤون الإنسانية، نداءً إلى قوات الدعم السريع وجميع الأطراف المتحالفة معها بالالتزام بمبادئ العمل الإنساني، والسماح بدخول القوافل الإغاثية إلى مدينة الفاشر لإغاثة المواطنين.

برنامج الأغذية العالمي يكشف التفاصيل

أعلن برنامج الأغذية العالمي تعرض قافلة تابعة له مؤلفة من 16 شاحنة محمّلة بمساعدات غذائية منقذة للحياة، موجهة إلى الفئات الأكثر ضعفاً في قرية الساية، لهجوم بالقرب من مليط، وهي منطقة متضررة من المجاعة في شمال دارفور.

وقال البرنامج في تعميم صحفي مقتضب أمس اطلع عليه “راديو دبنقا”: تضررت ثلاث شاحنات واشتعلت فيها النيران، وجميع أفراد القافلة سالمون. وأضاف: “نعمل على وجه السرعة على جمع معلومات إضافية حول الظروف وتقييم أثرها على عملياتنا”.

وناشد البرنامج جميع أطراف النزاع احترام القانون الإنساني الدولي وضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني والإمدادات، مؤكداً أن العاملين الإنسانيين وممتلكاتهم يجب ألا يكونوا هدفاً أبداً.

إدانة أمريكية ونرويجية

أعرب مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية، عن إدانة الولايات المتحدة للهجوم على ثلاث شاحنات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي يوم الأربعاء في شمال دارفور، والذي أتلف مواد غذائية مخصصة للمتضررين من المجاعة.

وجدد بولس، في تغريدة على منصة “إكس”، دعوته إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق وحماية المدنيين، مطالباً بمحاسبة مرتكبي أي انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.

من جانبه، أصدر وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي ووزير التنمية الدولية آسموند أوكروست بياناً مشتركاً بشأن الهجوم على قافلة مساعدات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في دارفور.

وأوضح البيان أن الهجوم وقع على قافلة كانت في طريقها إلى مليط محملة بمساعدات منقذة للحياة. وأضاف: “إن مهاجمة العاملين الإنسانيين الشجعان الذين يخاطرون بحياتهم لمساعدة المحتاجين أمر غير مقبول على الإطلاق. المجاعة في شمال دارفور من صنع الإنسان. المنظمات الإنسانية مستعدة للمساعدة، لكنها ممنوعة من القيام بعملها. يجب أن يتوقف هذا”.

وأشار البيان إلى التقارير الصادمة من مدينة الفاشر، التي تحاصرها قوات الدعم السريع، موضحاً أن القتال وقلة وجود عمال الإغاثة الدوليين والصحفيين، إضافة إلى القيود المفروضة على الإنترنت والاتصالات، تحدّ من وصول المعلومات من دارفور. وطالب البيان قوات الدعم السريع بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2736 فوراً، ورفع الحصار عن الفاشر، والامتناع عن مهاجمة المدنيين، وحثّ جميع الأطراف المسلحة على احترام القانون الإنساني الدولي، وحماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

الهجمات تعقّد العمل الإنساني

أكدت الدكتورة منال عبد الحليم، الخبيرة في الشؤون الإنسانية، في مقابلة مع راديو دبنقا، أن الهجمات المتكررة على القوافل تعقّد مهمة إيصال المساعدات، لاسيما مع إنكار الأطراف المتحاربة مسؤوليتها عن تلك الانتهاكات، مما يجعل تكييف هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها أمراً بالغ الصعوبة.

ولفتت إلى أن المنظومة الأممية، وخاصة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، تبذل جهوداً منظمة لضمان خلو المساعدات من أي مواد محظورة وتأمين مرورها، غير أن المخاطر الميدانية تبقى مرتفعة.

وكشفت الخبيرة أن أكثر ما يثير القلق هو ارتفاع عدد القتلى في صفوف العاملين بالمجال الإنساني، حيث قُتل ما لا يقل عن 120 شخصاً خلال العامين الماضيين، بينهم أطباء وكوادر صحية وعاملون في النقل والتوزيع، وهو رقم وصفته بـ”المفزع وغير المسبوق”، مشيرة إلى أن حتى مناطق النزاعات الأخرى مثل غزة لم تشهد مثل هذا العدد في فترة زمنية قصيرة.

وختمت منال حديثها بالتأكيد على أن استمرار هذه الاعتداءات، إلى جانب ابتزاز المنظمات الإنسانية من بعض الأطراف العسكرية، يهدد مستقبل العمل الإغاثي في السودان، داعية جميع الأطراف المتحاربة إلى تحمّل مسؤولياتها وحماية المساعدات الإنسانية، باعتبارها شريان حياة لملايين المدنيين الذين يواجهون ظروفاً كارثية.

Welcome

Install
×