في اليوم العالمي للعمل الإنساني: السودان يواجه أزمة بلا أفق

قصف مطبخ جماعي في الفاشر

قصف مطبخ جماعي في الفاشر-17 اغسطس 2025-صفحة تنسيقية لجان مقاومة الفاشر على فيسبوك

بورتسودان – 19 أغسطس 2025 – راديو دبنقا

يحتفل العالم باليوم العالمي للعمل الإنساني في 19 أغسطس تحت شعار هذا العام تعزيز التضامن العالمي وتمكين المجتمعات المحلية. ويظل السودان شاهدًا مؤلمًا على أن التضامن الإنساني ليس مجرد مبدأ نظري، بل مسألة بقاء؛ إذ نزح أكثر من 12 مليون شخص، لتصبح الأزمة السودانية أكبر أزمة نزوح في العالم. كما أُعلنت المجاعة رسميًا في عدة مناطق من شمال دارفور، فيما لا يزال مئات الآلاف من المدنيين تحت الحصار في الفاشر.

كشف منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية بالإنابة في السودان، لوكا ريندا، في بيان بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، عن مقتل أكثر من 120 عاملًا إنسانيًا منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع في أبريل 2023، معظمهم سودانيون. وقال إن السودان يشهد واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية عالميًا، مشيرًا إلى أن الحرب جعلت البلاد من أخطر البيئات على عمال الإغاثة، حيث يواجهون الاعتداءات والاحتجاز.

إنجازات كبيرة وتحديات جمة

كشف عدد من المتطوعين وأعضاء غرف الطوارئ في استطلاع أجراه راديو دبنقا أن العمل الإنساني في السودان يواجه تحديات جسيمة خلال الحرب المستمرة منذ نحو عامين ونصف. وتواصل غرف الطوارئ والمتطوعون جهودهم في مختلف المدن، ومن بينها الفاشر، رغم تعرض التكايا للقصف المدفعي.

وفي الخرطوم، فرضت مفوضية العون الإنساني قيودًا على عمل غرفة الطوارئ بحجة عدم تسجيلها رسميًا. وأشادت هند الطائف، عضو غرفة طوارئ ولاية الخرطوم، في حديثها لراديو دبنقا، بجهود المتطوعين وغرف الطوارئ في الخرطوم وبقية الولايات خلال الحرب من خلال توفير الخدمات، وتشغيل التكايا، والإجلاء، وتشغيل المراكز الصحية، بجانب توفير مساحات آمنة للنساء والأطفال وتقديم الدعم الاجتماعي.

وحول التحديات، أشارت هند الطائف إلى تعرض المتطوعين للاعتقال والتنكيل والقتل وسحب المعونات، مؤكدة أن غرف الطوارئ ستواصل جهودها إلى حين توفر جميع الخدمات. وأوضحت أنهم يعملون حاليًا على توفير منظومات طاقة شمسية للمراكز وآبار المياه، بجانب جهود لاستمرار التكايا والمطابخ وتنظيم حملات الإصحاح البيئي والتوعية بالخريف.

صعوبات في التمويل واستهداف مباشر

وصف الناشط في مجال العمل الطوعي والإنساني، عرابي أحمد عمر، من لجان الطوارئ بولاية سنار، العمل الإنساني الذي قدمه المتطوعون في ظروف الحرب بـ”الملاحم”، رغم الصعوبات في الحصول على التمويل والمواد الأساسية، حتى أصبحت وجبة “البليلة” طعامًا رئيسيًا ينتظره الناس في صفوف طويلة.

واتهم عرابي عناصر من المؤتمر الوطني السابق بالتغول على المفوضيات وبرامج الإغاثة ومحاولاتهم تشويه صورة القائمين على المطابخ الخيرية والعمل الطوعي.

من جانبه، قال الناشط المدني مهند عرابي لراديو دبنقا إن المتطوعين الذين ينشطون في غرف الطوارئ يواجهون استهدافًا داخليًا يتمثل في المضايقات الأمنية أثناء أداء مهامهم الإنسانية. لكنه أشار إلى وجود “فرص وإشراقات”، حيث لاقى عمل غرف الطوارئ السودانية تقديرًا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتُبر اعترافًا بمجهودات العاملين في المجال الإنساني.

أزمة إنسانية متفاقمة

منذ أبريل 2023 يعيش السودان دوامة أكبر أزمة نزوح عالميًا. ووفقًا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، نزح 8.6 مليون شخص داخليًا، بينما لجأ نحو 4 ملايين إلى دول الجوار. انهيار مؤسسات الدولة جعل المدنيين في مواجهة خطر المجاعة والقتل الجماعي والأوبئة.

تكبدت دارفور الخسائر الأكبر؛ إذ أكدت لجنة مراجعة المجاعة وجود مجاعة في مخيم زمزم، محذّرة من كارثة وشيكة في مخيمي أبو شوك والسلام. وفي ديسمبر 2024 أُعلنت المجاعة في خمس مناطق بشمال دارفور، ما وضع أكثر من 600 ألف شخص في مواجهة الجوع الكارثي. ومع حلول 2025، وصفت منظمة الإغاثة الدولية الوضع بـ”المأساوي”، خصوصًا بعد مقتل تسعة من عمالها في هجوم مسلح على عيادة بمخيم زمزم، وهو ما أدى إلى انهيار آخر المرافق الصحية العاملة هناك.

وفي جنوب وغرب كردفان، تسببت الاشتباكات في نزوح آلاف الأسر. وثّق راديو دبنقا مقتل عشرات المدنيين في كادوقلي، كما أشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى نزوح 565 أسرة جديدة في مايو 2025. أما في الخرطوم، فقد هجّرت عمليات القصف والنهب أحياء كاملة، بينما وثّقت إخلاءات جماعية من أحياء السامراب ودردوق شمال العاصمة.

وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 70% من المرافق الصحية في مناطق النزاع باتت خارج الخدمة. وفي الوقت ذاته، سجل السودان أسوأ تفشٍ للكوليرا منذ سنوات، حيث تجاوز عدد الإصابات المشتبه بها 99 ألفًا مع أكثر من 2,470 وفاة حتى منتصف 2025.

صمود المجتمعات المحلية

شعار اليوم العالمي للعمل الإنساني لهذا العام – تعزيز التضامن العالمي وتمكين المجتمعات المحلية – يتجسد بوضوح في السودان. فقد برزت مبادرات أهلية واسعة عوضت غياب الدولة وضعف وصول المساعدات الدولية.

في دارفور، لعبت غرف الطوارئ دورًا محوريًا في تنظيم الإجلاء وتوزيع المياه والغذاء والدواء، بل وإدارة مدارس مؤقتة داخل المخيمات. وقد رُشحت هذه المبادرات لجائزة نوبل للسلام لعام 2025. وفي كردفان، أنشأت المجتمعات مطابخ تضامن وفصولًا مرتجلة ومراكز صحية بسيطة تقودها النساء لتأمين الحد الأدنى من الغذاء والرعاية. أما في الخرطوم، فقد حوّل متطوعون المدارس إلى مستشفيات مؤقتة، فيما استمر المعلمون في تدريس الأطفال داخل الأزقة.

هذه الجهود الشعبية تجسد روح الصمود وتثبت أن التضامن المحلي قادر على حماية المجتمعات حتى في أصعب الظروف.

العاملون في المجال الإنساني بين النيران

منذ بداية النزاع، تحوّل السودان إلى واحدة من أخطر البيئات على العاملين في المجال الإنساني. فقد وثّق مجلس الأمن الدولي مقتل 84 عاملًا، جميعهم سودانيون. وبلغت المأساة ذروتها في أبريل 2025 عندما قُتل تسعة من موظفي منظمة الإغاثة الدولية في هجوم على عيادة بمخيم زمزم. كما قُتل خمسة آخرون في كمين استهدف قافلة لبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف قرب الكومة في يونيو 2025.

وأعلن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن 120 عاملًا إنسانيًا قُتلوا في السودان منذ اندلاع الحرب. هذه الهجمات لم تزهق الأرواح فحسب، بل عطلت أيضًا خطوط الإمداد الإنسانية الهشة، ما أدى إلى حرمان مئات الآلاف من المساعدات الضرورية. ورغم الإدانات الدولية المتكررة، يظل عمال الإغاثة السودانيون في الخطوط الأمامية يواجهون مخاطر جسيمة.

أزمة بلا أفق

مع دخول الحرب عامها الثالث، لا تلوح أي بوادر انفراج. فالمجاعة مرشحة للامتداد إلى 17 موقعًا إضافيًا، فيما تحذر وكالات الأمم المتحدة من أن الاحتياجات تفوق الموارد المتاحة. ويزيد تفشي الأمراض وانهيار البنى التحتية من حدة الأزمة، لتتضح الحقيقة المؤلمة: ما لم يُوقف إطلاق النار ويُستأنف التعاون الإنساني الدولي، فإن معاناة السودانيين ستظل تتفاقم.

Welcome

Install
×