في اليوم العالمي للاجئين: السودانيون يروون تجاربهم القاسية في المنافي القسرية

لاجئون سودانيون يتجمعون مع أمتعتهم استعداداً لنقلهم إلى مخيم غاغا، والذي يبعد 130 كيلومتراً عن الحدود. UNHCR/Insa Wawa Diatta ©
20 يونيو – اليوم العالمي للاجئين -راديو دبنقا
في يوم اللاجئ العالمي، الذي يصادف العشرين من يونيو من كل عام، تتجدد الدعوات العالمية لتسليط الضوء على أوضاع اللاجئين حول العالم. ويُعد اللاجئون السودانيون من بين الفئات الأكثر تضررًا، بعد أن دفعتهم الحرب القاسية إلى الفرار من ديارهم طلبًا للأمان. في هذا التقرير، نستعرض شهادات واقعية من لاجئين سودانيين في ليبيا، تشاد، أوغندا، كندا، وجنوب السودان وبعض دول الخليج.
أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الثلاثاء أن عدد اللاجئين الفارين من السودان منذ بداية الحرب في السودان 2023 تجاوز أربعة ملايين شخص.
ووفقًا لأحدث إحصاء أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، استقبلت مصر نحو 1.5 مليون لاجئ من السودان، تلتها جنوب السودان بـ 1.14 مليون نازح، ثم تشاد بـ 851 ألفًا، وليبيا بـ 313 ألفًا، وإثيوبيا بـ 74 ألفًا، في حين استقبلت جمهورية أفريقيا الوسطى نحو 44 ألف نازح.
منال إبراهيم تروي معاناة السودانيين في المنافي
بمناسبة اليوم العالمي للاجئين – 20 يونيو، وجهت الناشطة السودانية منال إبراهيم، وهي لاجئة مقيمة في ليبيا، رسالة مؤثرة تسلط الضوء على أوضاع اللاجئين السودانيين الذين شردتهم الحرب من ديارهم.
تقول منال:
“اللجوء ليس خيارًا، بل هو واقع قسري يعيشه ملايين السودانيين بعد اندلاع الحرب. وفقًا للقانون الدولي، يُفترض أن يحصل اللاجئون على الحماية القانونية والمعاملة الكريمة، لكن كثيرًا من الدول الموقعة على اتفاقيات اللاجئين لا تطبق هذه الالتزامات على أرض الواقع.”
وتوضح أن بعض الدول ترى في تزايد أعداد اللاجئين تهديدًا لأمنها القومي أو اقتصادها، وهو ما ينعكس سلبًا على اللاجئين الذين يُحرمون من أبسط حقوقهم في العمل، والتعليم، والرعاية الصحية.
“حتى من يقطنون خارج المخيمات ويستأجرون منازل يواجهون تحديات يومية قاسية، بسبب الفقر ونقص الدعم”، تضيف منال.
وتشير أيضًا إلى أن بعض الدول تمارس التضييق على اللاجئين غير المسجلين، وقد تصل الأمور إلى الاعتقال أو الترحيل القسري، في وقت يجهل فيه كثير من اللاجئين السودانيين حقوقهم، خاصة أنهم يعيشون تجربة اللجوء لأول مرة.
وتختم حديثها بالقول:
“نحن نعيش في منافٍ قسرية، بلا علاج كافٍ، ولا تعليم جيد لأطفالنا، ولا حتى طعام يليق بكرامة الإنسان. نأمل أن يكون شعار هذا العام “التضامن مع اللاجئين” واقعًا ملموسًا لا مجرد كلمات.”
اللاجئة السودانية حكمة: “أصعب ما في اللجوء أن تغادر بيتك وأحبابك لتنجو بنفسك”
أعربت اللاجئة السودانية حكمة، المقيمة حالياً في تشاد، عن حزنها العميق لما يعيشه السودانيون الفارّون من الحرب، ووصفت تجربة اللجوء بأنها من أقسى التجارب التي قد يمر بها الإنسان.
وقالت حكمة: “من أصعب الأمور أن تضطر لمغادرة منزلك، وأهلك، وجيرانك، وأصدقائك، فقط لتنقذ نفسك. الرحلة في حد ذاتها كانت مرهقة، والمعاناة لا تزال مستمرة سواء داخل المعسكرات أو في المنازل المؤجرة.”
وأضافت أن أوضاع اللاجئين السودانيين في تشاد مأساوية، مشيرة إلى أن معظمهم يواجهون صعوبات كبيرة في توفير أساسيات الحياة، وأن إيجارات السكن مرتفعة جداً، ما يزيد من الضغوط النفسية والمعيشية عليهم.
وتابعت: “المجتمعات المضيفة بدأت تُظهر علامات الضيق من تزايد أعداد اللاجئين، وبعض السكان المحليين عبّروا عن عدم ارتياحهم، لكننا ندرك أن هذه هي الغربة، ولا خيار لنا سوى الصبر إلى أن يُصلح الله حالنا.
اللجوء بعيون سودانية: شهادة مؤلمة من دارفور إلى المنفى
بمناسبة اليوم العالمي للاجئين
“اللجوء” كلمة كنا نسمعها فقط، لكنها اليوم أصبحت واقعًا يعيشه ملايين السودانيين بسبب الحرب. إحساس دائم بالخوف، وغموض المصير، وقرار يُتخذ فجأة تحت القصف والنار: إمّا الموت، أو الهروب بحثًا عن الأمان.
الصحفية السودانية إشراقة عبدالله، لاجئة من جنوب دارفور، تحكي تجربتها بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، حيث اضطرت للفرار من وطنها إلى ارتريا ، ومنها إلى السعودية، لتبدأ رحلة قاسية مليئة بالتحديات.
تقول إشراقة:
“اللجوء ليس خيارًا، بل قَدَر يُفرض علينا. عشت في مجتمعات تختلف في كل شيء: القوانين، العادات، الطعام، وحتى العبادة. كنساء، نتحمل الثمن الأكبر من عنف نفسي وجسدي، فقدان الأحبة، وانهيار الاستقرار.”
وتضيف:
“الدول المضيفة غالبًا فقيرة ولا تتحمل عبء اللاجئين، نُعامل كغرباء لا كمواطنين، نفتقر للرعاية الصحية وفرص العمل. حتى الدعم من المنظمات لا يكفي، ومع ذلك نحاول التأقلم والاندماج رغم النظرة الدونية.”
وتُشير إلى معاناة الإعلاميين السودانيين الذين فقدوا فرصة العمل، رغم خبراتهم، بسبب القوانين المقيدة والنظرة السلبية للاجئين.
ورغم كل الألم، تبعث إشراقة برسالة أمل:
“اللجوء جرح، لكنه ليس نهاية الحياة. نحتاج فقط إلى دعم حقيقي، واعتراف بمعاناتنا.”
حتى نعود إلر بلادنا بسلام.
“

اللجوء القسري: مأساة إنسانية منسية في دول العالم الثالث
وفي مداخلة قدمها الناشط السوداني جمعة محمد جمعة من كندا، ضمن فعالية إعلامية بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، أضاء من خلالها على الواقع المؤلم الذي يعيشه اللاجئون، خاصة من دول العالم الثالث. قال جمعة:
“اللجوء القسري هو أقسى أشكال النزوح، لأنه مفروض على الناس الذين لا حول لهم ولا قوة، ممن فقدوا كل شيء، واضطروا للمخاطرة بحياتهم بحثًا عن الأمان.”
وأضاف أن اللاجئين اليوم، خاصة من إفريقيا، يعبرون الصحارى والبحار، متجهين إلى أوروبا، في رحلات محفوفة بالموت، نحو دول كانت ذات يوم سببًا في عدم استقرارهم، بسبب سياساتها الاستعمارية. وتابع قائلاً إن أوروبا اليوم “تعيش نتائج ما صنعت”، حيث لم تعد قادرة على استيعاب موجات اللجوء المتتالية.
اليوم العالمي للاجئين، الذي يصادف 20 يونيو من كل عام، هو تذكير عالمي بقضية لا يجب أن تُنسى. ملايين اللاجئين حول العالم ينتظرون العدالة والإنصاف، ليس فقط في تقديم المساعدات، بل في معالجة الجذور الحقيقية للأزمات: إنهاء النزاعات، دعم السلام، وتحقيق التنمية المستدامة.

تجربة لاجئة سودانية
وتنقل لنا اللاجئة السودانية لمياء محمد صالح مصطفى شهادتها المؤلمة عن تجربة اللجوء من مدينة الفاشر في إقليم دارفور إلى ليبيا، إثر اندلاع الحرب في السودان:
“لم نغادر وطننا اختيارًا، بل قُسرنا على الرحيل هربًا من الخطر، برفقة أطفالنا. كانت الرحلة من السودان إلى ليبيا شاقة ومميتة، استغرقت 18 يومًا في صحراء قاسية، عانينا خلالها من العطش والجوع والمرض وحرارة الشمس.”
وأضافت:
“وصلنا إلى ليبيا بفضل الله، من الكفرة إلى طرابلس، لكن وضعنا كلاجئين صعب جدًا. نعاني من أوضاع معيشية قاسية تشمل الجوانب الصحية والمادية والنفسية والاجتماعية، ولا نجد الأمن الذي كنا نبحث عنه.”
لمياء تسلط الضوء على معاناة النساء تحديدًا في بيئة اللجوء، قائلة:
“النساء يعشن مسؤوليات أكبر من طاقتهن. كثيرات منا تركن خلفهن الأزواج والأشقاء، وأصبحن المعيل الوحيد للأسرة. نواجه تحديات الحياة اليومية من توفير المأكل والمأوى والعلاج والتعليم لأطفالنا، في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة يتعرض فيها اللاجئون لانتهاكات متعددة.”
وتوجه نداءً للمجتمع الدولي والمنظمات المعنية:
“في هذا اليوم العالمي للاجئين، نرفع صوتنا من ليبيا، مطالبين بأبسط الحقوق: الأمن، السكن، والغذاء. نأمل أن تلتفت إلينا المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات ذات الصلة، فحياتنا أصبحت مليئة بالقلق، ونحتاج إلى أبسط مقومات الكرامة.”

أمل بيتو في يوم اللاجئ العالمي: “نحن لاجئون وناجون.. نحمل الأمل رغم الألم”
من جانبها، وجهت الصحفية السودانية أمل أحمد بيتو، المقيمة حاليًا لاجئة في العاصمة الأوغندية كمبالا، رسالة مؤثرة للاجئين حول العالم، وللسودانيين منهم بشكل خاص، مؤكدة أن اللجوء لا يعني الضعف، بل النجاة والاستمرار رغم الجراح.
وقالت أمل بيتو:
“أنت لاجئ، ولكنك أيضًا ناجٍ. تحمل في داخلك وجعًا وأملًا، وتعيش ظروفًا قاسية، ومع ذلك تصر على الحياة، وتقاوم من أجل غد أفضل.”
وأكدت بيتو، المهتمة بقضايا السلام الاجتماعي وحقوق الإنسان، وخصوصًا قضايا المرأة والحب كقيمة إنسانية، أن الغربة الحقيقية ليست في المكان، بل في الانفصال بين الروح والجسد، قائلة:“الغربة ليست غربة مكان، بل غربة روح… أجسادنا في مكان وأرواحنا في آخر.”
وأوضحت أن كلمة “لاجئ” تعني الرحيل القسري عن الوطن، وأن هذا الشعور المؤلم لا يزول بسهولة، مضيفة:
“رغم إيماني أن العالم كله من خلق الله ويحق لكل إنسان أن يعيش فيه مكرّمًا، فإن الرحيل القسري يترك فينا ندبة لا تلتئم بسهولة.”
وعن تجربتها الشخصية، قالت أمل:
“خرجنا من بلادنا مرغمين، ولهذا نحس بثقل الغربة. نحن نعيش الشتات، نحاول أن نلملم أرواحنا المكسورة، نضمد الجراح ونربط عليها بحبل الصبر.”
وأضافت:
“دخلنا عامنا الثالث في اللجوء، ولم نفقد الأمل رغم كل الخسائر. فقدنا أحبة وأصدقاء، والأصعب من ذلك أننا فقدنا السودان، الوطن. وما زال الفقد مستمرًا.”
بدموعها تحكي بيتو عن الوجع الذي لا يجد طريقًا للبكاء، وعن ألم الفقد في ظل الغربة:
“أن تفقد عزيزًا عليك فجأة ولا تستطيع أن تبكي كما تريد، ولا تجد من تعانقه في لحظة الحزن، هذا من أقسى ما يعيشه اللاجئ.”
وفي رسالتها في يوم اللاجئ العالمي، توجهت أمل بكلماتها إلى كل من يعيش ظروف اللجوء القاسية:
“لكل لاجئ في خيمة أو لا يجد حتى ظلاً يستظل به، لكل من يبكي بصمت لأنه لا يجد مأوى… قصصكم دليل على قوة وشجاعة عظيمة، وثوابكم عند الله عظيم.”
وأكدت بيتو أن تجارب اللاجئين السودانيين تستحق أن تُخلد لأنها كتبت بمداد الكفاح والمعاناة والإيمان بالله، مشيرة إلى أن السودانيين في المهجر يظهرون أجمل صور التكاتف الإنساني، قائلة:
“نتقاسم كل شيء… وإن وُجد السوداني، وُجدت القيم، والنبل، ومكارم الأخلاق.”
واختتمت حديثها برسالة أمل وتفاؤل:
“السودان سيبقى قويًا ومتماسكًا، لأننا نحب بعضنا. الرحمة للشهداء منذ ديسمبر وحتى اليوم، وعودة آمنة للمفقودين، وشفاء للجرحى… وسيعود السودان أقوى بإذن الله.”
سامي حمزة في اليوم العالمي للاجئين: “اللجوء قرار شجاع ولكنه مؤلم”
وبمناسبة اليوم العالمي للاجئين، عبّر الناشط السوداني اللاجئ سامي حمزة عن تضامنه الكامل مع كل اللاجئين في مختلف أنحاء العالم، قائلاً:
“أعلن تضامني مع كل من غادروا بلادهم قسرًا بحثًا عن الأمان والكرامة.”

الحرب في السودان: مأساة دفعت الملايين إلى اللجوء
وأشار سامي إلى أن الحرب في السودان تسببت في تهجير قسري لملايين المواطنين، مؤكدًا أن من نجا بحياته خسر كل شيء:
“من كان محظوظًا ولم يفقد حياته، فقد كل ما يملك ماديًا ومعنويًا. الحرب دفعتنا إلى دول الشتات ونحن صفر اليدين.”
رحلة اللجوء: معاناة وتكاليف باهظة
وصف سامي رحلة اللجوء بأنها كانت مرهقة ومعقدة، حيث اضطر الكثيرون إلى التنقل المستمر داخل السودان قبل أن يغادروه نهائيًا:
“كنا نتنقل من منطقة إلى أخرى والحرب تلاحقنا كلعنة، حتى اضطررنا لمغادرة البلاد. كانت رحلة مكلفة ومرهقة جدًا، ووصلنا إلى دول الجوار بلا شيء.”
دول رحيمة وأخرى كانت أكثر قسوة من الحرب
وأشاد سامي ببعض الدول التي وصفها بـ”الرحيمة والكريمة”، حيث استقبلت اللاجئين السودانيين ووفرت لهم المعسكرات وسهّلت وصولهم إلى المنظمات الدولية لتلقي المساعدات.
لكن في المقابل، أشار إلى أن بعض الدول الأخرى كانت أكثر قسوة من الحرب نفسها، مما اضطر بعض اللاجئين للعودة مجددًا إلى السودان رغم المخاطر.
اللجوء: تحدٍ ثقافي ونفسي
يرى سامي أن اللجوء في حد ذاته قرار شجاع وصعب، ويتطلب قدرة على التأقلم مع قوانين وثقافات وتقاليد البلدان المستضيفة:
“اللاجئ يحتاج إلى دعم نفسي ومادي، وتأقلم ثقافي واجتماعي. للأسف، الكثيرون اصطدموا بعوائق اللغة والعادات، ما صعّب اندماجهم.”
تجربة سامي حمزة في جنوب السودان
تحدث سامي عن تجربته الشخصية كلاجئ في جنوب السودان، مشيرًا إلى أن العلاقات التاريخية بين شعبي البلدين جعلت عملية التأقلم أسهل:
“لم نجد صعوبة في الاندماج، وحتى مراكز الاستقبال لم تكن سوى نقطة عبور، لأننا كنا وما زلنا شعبًا واحدًا.”
فوائد اللجوء رغم الألم
ورغم المعاناة، يرى سامي أن اللجوء ليس خاليًا من الفوائد، فقد ساعد البعض على تعلم لغات جديدة، واكتساب مهارات كسب عيش مختلفة، والأهم من ذلك:
“أدركنا أهمية الوطن، وأهمية العيش في سلام.”
نداء للإنسانية
واختتم سامي حمزة حديثه بمناشدة موجهة لكل الدول المستضيفة للاجئين السودانيين، قائلاً:
“نرجو أن تلتزم تلك الدول بما اتفق عليه المجتمع الدولي بشأن حقوق اللاجئين، وأن تمنحهم فرصة للعيش بكرامة حتى يعودوا إلى وطنهم سالمين.”