مؤتمر الأعمال السوداني من أجل السلام الذي بدأ اعماله بأديس أبابا يوم الثلاثاء 27 فبراير 2024 : تصوير راديو دبنقا

إبراهيم حمودة – راديو دبنقا

في سلسلة من الفيديوهات القصيرة على تطبيق تيك توك يظهر عامل خمسيني ذو ملامح اسيوية وهو يتخلص من الأعشاب ويوسع الاحواض المستقبلة للمياه تحت شتلات النخيل. في الخلفية صوت ساخر لرجل يبدو أنه ” الكفيل” يتحدث بلهجة سعودية يسأله عن الحال والأحوال وعن الأهل والأخوال والأعمام، وأن يعدد أجداده للجد الثامن، كل ذلك تحت تبرم واضح من العامل الذي يبدي عدم رغبته في أي حديث ناهيك عن أي تخيلات أخرى عن تصويره بغرض النشر في منبر لا يدريه.
تتكرر هذه المشاهد في القناة المعنية على تيك توك والمحتوى الأساسي لها هو هذا العامل. مرة، مثلا، تراه مهموما. نفهم ان ذلك بسبب مرض زوجته في بلده الأصلي، فيعرض عليه الكفيل بأن يزوجه الخادمة التي بدارهم. الأمر الذي يزيد من شدة وقع الألم على العامل بشكل واضح.
والواضح مما شاهدت أن هذا العامل لم يعط أي اذن بنشر محتوى الأفلام التي تصور معه، بل ويعلن بطريقة فيها الكثير من التقطيب والاعتراض الخافت بأنه لا يرغب في الحديث.
جعل موظف أو عامل موضوع لمحتوى على السوشيال ميديا واختراق خصوصيته على مدار 24 ساعة أمر يدخل في باب الانتهاكات لحق الفرد في الخصوصية في بيئة سكنه وفي عدم نشر صوره دون اذن على منصات رقمية مفتوحة للجمهور.
المثال السابق يصور الحدود القصوى التي يمكن أن يصل اليها المخدم في منطقة السعودية والخليج باعتبار العامل ملكية خاصة تخضع لاقتحام حرمة سكنه وتصويره ونشره دون استئذان. ودون ذلك درجات أخرى أعلى أو أدنى من الانتهاكات والتجاوزات.
فكرة العمالة الوافدة في هذه الدول والقوانين التي تنظم أمورهم تتخللها الكثير من الثقوب. كلنا يسمع بالعامل الذي يتعرض جوازه للحجز ولا يسمح له بالعودة لدياره واحتجازه لسنوات طويلة ضد رغبته، ولا يستطيع أن يحصل على حقه في النهاية بعد ترحيله بلا مقابل مالي لخدماته طوال السنين التي عملها.
في ظروف الحرب الحالية صارت التخوفات أكبر وسط العمالة السودانية في هذه الدول من فقدان الوظيفة ومن الترحيل خارج البلد تحت مسمى ” خروج نهائي” أو خروج بلا عودة.
في الأسابيع الماضية عرض شخص قصته باختصار على تطبيق تيك توك بأنه على خلاف مع مخدمه في الامارات وبأنه اختار اعلى الخيل ليركبها، وأنه كسوداني لا يبيع كرامته، الأمر الذي يعني أنه فقد وظيفته وعليه حزم حقائبه بسرعة.
آخر قال بأنه تم فصله بناء على المحتوى المناصر للجيش السوداني الذي ينشره على وسائل التواصل الاجتماعي، استجوبته السلطات على هذه الخلفية وقررت انهاء خدمته (لم يتضح من طريقة روايته من أنهي خدمته، السلطات أم المخدم المباشر؟).
وثالث يعمل بالسعودية تعرض للفصل واحتمال مواجهة الترحيل الفوري لأنه اخذ لقطة سيلفي مع أحد الأمراء اثناء ساعات عمله.
كل من هؤلاء الافراد يروي حكايته على طريقته وعلى ذمته، وليس بالضرورة أن يكون المخدم على خطأ، أو الشخص المعني على صواب. ما يهم هو قانون الدولة التي يقيم بها العامل في مختلف نواحيه، وقانون العمل بشكل أخص الذي ينظم علاقته مع المخدم ويبين حدود مسئولياته وحقوقه.
هنالك منطقة رمادية غالبا في القوانين، وهي التي لا يتم التطرق فيها الى أن ممارسة ما تقع داخل الجنحة أو الجريمة أو لا. والمبدأ القانوني الشائع في كل القوانين يقول بأن لا جريمة خارج نص القانون.
بمعنى أن كل من لم يسمه القانون كجريمة لا يعاقب عليه القانون. هذه الثقوب ربما يعرفها أهل البلد أكثر من العامل الوافد نفسه.
عليه يجب الحذر في التعامل ومعرفة الحقوق الفردية بشكل كامل، كمقيم وكصاحب علاقة عمل مع مخدم فرد أو شركة أو مؤسسة لها شخصيتها القانونية الاعتبارية ونظمها ولوائحها.
استبعاد العاطفة ومسائل النخوة واستدعاء ذاكرة الرجالة السودانية بشكلها البسيط الغافل، أمور لا تساعد في إدارة الخلافات وحلها مع المخدمين أو مع السلطات.
ثم ان التزام الاستقامة في انجاز العمل والاعتناء الشخص بما يخصه فقط خارج العمل، كل ذلك يقلل فرص دخول الفرد في خلافات خاسرة في هذا الظرف الحرج.