مسجد روكرو الأثري-المنصة الرقمية لوسط دارفور على فيسبوك

وسط دارفور: 5 مايو 2024: راديو دبنقا

تعتبر منطقة روكرو بولاية وسط دارفور إحدى المواقع السياحية والأثرية المهمة التي تعكس تاريخ إقليم دارفور، وتمثل ذاكرة وهوية المجتمع، حيث تضم مقابر سلاطين دارفور، وبها مسجد جرى تشييده في العهد التركي بنسق معماري جذاب، بجانب بيوت قدماء العمالقة، ولكن تعرضت كل هذه الآثار للإهمال جراء الحرب التي شهدتها المنطقة لعشرات السنين فضلا عن وعورة الطرق.

تعني “روكرو” بلغة الفور، الوادي الأخضر، حيث  تتسم المنطقة بالخضرة والمياه الوفيرة والطبيعة الخلابة. 

تقع المنطقة بمحلية شمال جبل مرة التي تتبع لولاية وسط دارفور، وتتكون من خمس وحدات إدارية وهي وحدة روكرو، ونسكم، فنقا روقو، تايا، ويتراوح عدد سكانها بين 550 إلى 600 ألف نسمة.

ويقول شمس الدين محمد صالح ،وهو معلم وأحد قيادات حزب البعث الاشتراكي ل”راديو دبنقا”  إن روكرو تعد إحدى بقاع السوداني التي تعاني من التهميش خاصة الإعلامي ، حيث لا يدري معظم السودانيين عنها شيئاً .

و بشأن التكوين السكاني للمنطقة، يقول شمس الدين احمد صالح إن معظم سكانها من قبيلة الفور مع وجود قبائل أخرى بأعداد قليلة، كما توجد في تخوم المحلية قبائل الزغاوة والتنجر والميما وبعض القبائل الراحلة مثل العريقات والمحاميد والماهرية .

وتحد روكرو من الناحية الشمالية محلية كبكابية بشمال دارفور، و من الشرق والجنوب محلية طويلة بشمال دارفور، ومن الغرب منطقة قولو.

روكرو-خرائط قوقل

سياحة وآثار

وأكد شمس الدين إن المنطقة، وفقاً للتقسيم الإداري القديم، كانت تسمى “حاكورة طرة” وهي عاصمة مملكة دارفور القديمة، حيث اتخذها السلطان سليمان صولون عاصمة لدارفور، وتضم قبور لسلاطين دارفور  في منطقة تسمى “طرة الجامع” ، وبعد نقل عاصمة دارفور إلى الفاشر، ظلت جثامين  السلاطين تنقل من الفاشر لتوارى الثرى في طرة حتى عهد قريب.

ويشير شمس الدين أحمد صالح الذي مكث في المنطقة مؤخرا فترة طويلة، إلى الأهمية السياحية لها خاصة في مجال الآثار، حيث تضم  روكرو آثار مقابر سلاطين دارفور خاصة في منطقة “طرة جامع”، كما تضم مسجد مبني بطراز معماري متميز بالحجارة  جرى تشييده في العهد التركي المصري، ونبه إلى نزوح سكان المنطقة بسبب الحرب التي دارت لسنوات إلى مناطق أخرى ، ولم يبق في المنطقة حتى الموظفين المسئولين عن حراسة الآثار .

منطقة طرة الجامع-خرائط قوقل

وتابع :” كما تضم المنطقة آثار لبيوت  العمالقة القدام والتي تسمى “الطورا”، وهي مدن مهجورة تم تشييدها في عهود سحيقة بطريقة محددة لمواجهة الهجمات والحرب، حيث تحتوي على خنادق ومخازن تحت الأرض وهي منطقة غنية بالآثار ، ولكن جرى إهمالها منذ عشرات السنين حيث لم تزرها أي جهة أثرية للبحث والتنقيب، وأضاف ” في الستينات عندما كنا أطفالا كانت المنطقة تشهد زيارات متكررة لسواح غربيين  يحملون خرائط مفصلة للمنطقة” 

ودعا الجهات المعنية برعاية الآثار بوضع المنطقة في دائرة الاهتمام وإرسال بعثات للتنقيب عن الآثار ودراستها مبيناً إن العنصر الرئيس في التهميش الثقافي والحضاري يتمثل في إهمال الآثار واللغات المحلية وعدم تطويرها ومعرفتها.

وأوصى شمس الدين أحمد صالح مصلحة الآثار بإجراء دراسات أثرية بالمنطقة في حال استقرار الأوضاع، وإنشاء كلية آثار تتبع لجامعة زالنجي بالمنطقة لإجراء الأبحاث اللازمة في المناطق الغنية بالآثار.

طريق نيرتتي قولو -مصدر الصورة:بعثة يوناميد

طرق وعرة 

من أبرز المشكلات التي تعاني منها المنطقة وعورة الطرق، حيث يمتد الطريق من روكرو- فنقا- طويلة- الفاشر لمسافة 77 كيلومتر، ولكن الرحلة تستغرق سبع ساعات إلى الفاشر بسبب وعورة الطريق.

ويشير شمس الدين إلى دراسات تم إجراؤها لسفلتة ورصف الطريق الذي يربط  بين نيرتتي- جلدو- قولو إلى تابت منذ العام 1997، وأدرج الطريق في موازنة 1997 التي أجيزت في البرلمان ولكن لم يتم تنفيذها بذريعة وجود حركات مسلحة، وهنالك طريق آخر يمتد من روكرو- و دوبو- والملم- مرشينق- نيالا، وهو طريق بالغ الوعورة ويمتد لمسافة 107 كيلو متر، وتستغرق رحلات المركبات في الطريق حوالي 10 إلى 12 ساعة. وهنالك أيضا الطريق الرابط بين روكرو- قولو -جلدو- قرني -زالنجي ويمتد لمسافة  150 كيلومتر ، وتستغرق الرحلة سبع ساعات بسبب وعورة الطريق.

كما دعا لتشييد طريق نيرتتي -جلدو- وقولو – تابت مشيراً إلى أنه يتمتع بأهمية اقتصادية وسياحية كبرى، حيث يوفر نحو مائة كيلو في الطريق إلى الجنينة بدلا من طريق كبكابية أو نيالا.

وأوضح إن الطريق يتمتع ايضاً بأهمية اقتصادية حيث يمر بمناطق سياحية بجانب الفوائد الأمنية المتمثلة في  التقليل من الحوادث التي يمكن أن تحدث كما يساعد على الوصول إلى المناطق القريبة ويسهل التواصل مع المدن.

فريق أطباء بلاحدود في جبل مرة -2022

مساعي ومصالحات

منذ أن بدأت حرب 15 ابريل، شكل عدد من المواطنين لجنة للمساعي الحميدة من أجل إيقاف الحرب وضمان عدم امتدادها لمنطقة روكرو، ويشير شمس الدين أحمد صالح إلى أن  كل الجهات المسلحة مثل الجيش والشرطة والدعم السريع وحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد كانت تشكل حضورا بالمنطقة بنسب متفاوتة.

وأشار إلى انسحاب الجيش من 58 موقع في جبل مرة وما حولها استلمتها حركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد، بينما بذلت لجنة المساعي الحميدة جهودا جبارة لضمان عدم انتقال الصراع إلى المنطقة.

وأوضح إن لجنة المساعي الحميدة كانت تتكون من 30 عضوا، وتم تقليصها إلى ستة أعضاء، وتهدف إلى السعي للمصالحات البينية تجنبا للصراعات التي حدثت في 2003، والتي أضرت كثيراً بالمنطقة ومواطنيها.

وأشار إلى أن المنطقة تتمتع الآن بالاستقرار والأمن خاصة وأن مختلف الأطراف توصلت إلى قناعة بأن الحرب لا فائدة منها، مؤكدين حيادهم إزاء الحرب الدائرة لأنها حرب عبثية لا علاقة لها بتطلعات الشعب السوداني. 

جانب من سوق روكرو

نزوح وعودة إلى الجذور

ووصف شمس الدين أحمد صالح الوضع الإنساني في المنطقة بأنه كارثي لاعتبارين أساسيين، حيث استقبلت روكرو حركة نزوح واسعة من كل مدن السودان بعد الحرب التي اندلعت في 15 ابريل، باعتبارها منطقة أمنة ولا تشهد حرباً مبيناً إن المواطنين الذين ينحدرون من المنطقة عادوا إلى جذورهم ، وأوضح إن المواطنين عادوا دون أن يحملوا أي من ممتلكاتهم بسبب ظروف الحرب، حيث تمت استضافتهم في منازلهم ذويهم وأقاربهم، حيث يضم كل منزل ثلاثة أو أربعة أسر. مبيناً أن ثقافة إنشاء المخيمات غير مألوفة لدى سكان المنطقة، حيث يعتبرون إقامة النازحين في المخيمات أمر غير لائق سيما في ظل وجود أقاربهم بالمنطقة.

ونبه إلى حركة نزوح واسعة حدثت في وقت سابق خلال المواجهات العسكرية بين حركات المسلحة ونظام المؤتمر الوطني، وكانت المساعدات الإنسانية تصل في ذلك الحين إلى المنطقة بشكل مستمر ولكنها توقفت الآن، وقال إن المنظمات في حال إجراء مسح بهدف البحث عن معسكرات لنازحين فإنها لن تجد شيئاً بسبب استقرار الأسر النازحة في منازل أقاربها، داعياً المنظمات لابتكار طرق جديدة للتعامل مع ظاهرة النزوح في روكرو. 

ويؤكد شمس الدين ضرورة إرسال المساعدات إلى المنطقة بصورة عاجلة مشيراً إلى ضعف إنتاج الموسم الزراعي، وشح المواد الغذائية بسبب صعوبة انسياب السلع في المدن، وتوقف حركة البضائع إلى مناطق جبل مرة، بجانب تعثر انسياب السلع من نيالا.

الزراعة في روكرو.. الفضائية السودانية

النشاط الاقتصادي

وتعد الزراعة بشقيها الحيواني والنباتي الحرفة الرئيسية لسكان المنطقة، وأبرز المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها السكان تتمثل في الطماطم والدخن والذرة والبطاطس والفول المصري والكبكبي والكسبرة ، بجانب المحاصيل النقدية، كما ينشط المواطنون في بعض المناطق في الزراعة بالقطاع البستاني بجانب زراعة الخضر في العروة الصيفية، كما تشهد المنطقة نشاطاً رعوياً يتمثل في تربية الحيوانات مثل الماعز والبقر والأبل، ويقول شمس الدين لراديو دبنقا إن قبيلة الفور تضم مجموعات من “الأبالة” الذين يربون الإبل بكميات كبيرة ويستخدمونها في أغراض تناول اللحوم والتنقل وذلك نظراً لوعورة الطريق، حيث تظل الجمال والحمير هي وسيلة المواصلات والنقل الأساسية بسبب عدم إمكانية استخدام السيارات.

صورة:مستشفى تحت الانشاء في روكرو

تردي صحي

وبشأن الجانب الصحي، أشار شمس الدين أحمد صالح لراديو دبنقا إلى تردي الوضع الصحي حيث لا يوجد بالمنطقة أي مستشفى بل يعتمد المواطنون على المراكز الصحية التي يباشر تقديم الخدمة العلاجية بها معاونون صحيون. وأشار إلى عدم توفر الأدوية، واعتماد المنطقة في الجانب الصحي  على المنظمات بشكل كامل، مبيناً إن منظمة أطباء بلا حدود لها وجود في رئاسة المحلية، وتقدم جميع الخدمات الطبية مجاناً ، ويشهد المركز ازدحاماً للمرضى ويقدم الرعاية الصحية الأولية، وبينما تضطر الحالات التي تحتاج إلى المزيد من الفحوصات والتشخيص إلى التوجه نحو الفاشر ونيالا على الرغم من المخاطر الأمنية وتكاليف السفر. 

روكرو .. رموز وقيادات

وقال شمس الدين أحمد صالح لراديو دبنقا إن منطقة روكرو هي مسقط الرأس لعدد من القادة السياسيين والأهليين ومن بينهم عبد الواحد محمد احمد النور رئيس حركة تحرير السودان والذي تنحدر أسرته من منطقة طره جامع، وهي أسرة دينية هاجرت في أواخر الستينيات إلى زالنجي إبان الصراعات بين الشعب والإدارات الأهلية، حيث كانت تنشط في ذلك الحين في المطالبة  بتصفية الإدارة الأهلية وإيجاد بديل لها، واستقرت أسرته في زالنجي لمتابعة القضية بالمحاكم واستقرت في حي كنجومية.

وأوضح إن من بين أبناء المنطقة محمد يوسف عبد الله وهو إسلامي معروف وتقلد منصب وزير الشباب والرياضة في عهد النظام السابق، كما أن من بينهم المحامي صالح محمود أحد قادة الحزب الشيوعي، وأخيه الأمين محمود وهو الأمين العام لأحد فصائل المؤتمر الشعبي. ومن بين القادة الأهليين والشعبيين محمد أبو الخيرات ومحمد أبو حديد.