د. عشاري احمد محمود: القرار الأمريكي الجديد واعتماد الحكومة الإسلامية بالسودان راعيةً للإرهاب (3-4)

صدر الأمر الرئاسي التنفيذي البديل بشأن السفر والهجرة إلى أمريكا. والذي يهمنا نحن السودانيين على المستوى الوطني الضيق…

د. عشاري أحمد محمود خليل

 

 (1)

صدر الأمر الرئاسي التنفيذي البديل بشأن السفر والهجرة إلى أمريكا. والذي يهمنا نحن السودانيين على المستوى الوطني الضيق هو أن الأمر الجديد يُبقي على حظر السودانيين من دخول أمريكا، باستثناءات حددها القرار وتخص المقيمين حاملي البطاقة الخضراء، وحملة الجنسية المزدوجة، ومن هو أصلا موجود في أمريكا بصورة قانونية، والحالات الفردية التي تخضع للسلطة التقديرية لمسؤولي الهجرة والسفارات الأمريكية.

(2)

برر الأمرُ التنفيذي الجديدُ الإبقاءَ على السودان من بين الدول الستة المحظورة (بعد شطب اسم العراق من القائمة السباعية)، وكان السبب الأساس وجود جماعات إرهابية ونشاطها في السودان، في الحاضر.

…        

(3)

قبل شهر كنت تنبأت، سياسيا، أن أي أمر بديل سيستثني العراق (مقالي في سودانايل 9 فبراير عن القرار الأمريكي والدولة الإسلامية الإرهابية في السودان 2-4، في ثانيا، رقم (5). وفعلا تم اليوم استثناء العراق لتصبح الدول محل القلق الأمريكي من الإرهاب ست دول بدلا من سبعة.

يبين استثناء العراق، مع ترك سودان الإنقاذ قابعا في القائمة اللعينة، مدى احتقار الحكومة الأمريكية للإسلاميين في حكومة الإنقاذ. وهو احتقار مستحقٌ بجدارة، خاصة وأن الإسلاميين كانوا عملوا حفلة وهللوا وكبروا لبَركة السيد الأمريكي، وهنأوا أنفسهم أن السيِّد الأمريكي أنشأ في عاصمتهم الإسلامية أكبر مكتب للمخابرات الأمريكية.

(4)

ومن أشكال الاحتقار أن السيد الأمريكي لم يكترث لتهافت الإسلاميين المنبطحين بين رجليه يلحسون ماضيهم، حتى بعد خضوعهم للاستتابة وحليفتهم خلِّينا الإرهاب، والله العظيم. يعرف الأمريكي أن هؤلاء الإسلاميين السودانيين مجرد انتهازيين من قليلي الأدب في أفريقيا تم القبض عليهم متلبسين بالجريمة، وهم يريدون مددا في الحياة للاستمتاع بالأرصدة المنهوبة. وكله من سمات الحكام الطغاة في أفريقيا.

وكذا لم يعرهم السيدُ الأمريكي محلُّ ابتهالهم وتقديسهم مجردَ نظرة تعاطف، حتى بعد أن قدموا إثبات عمالتهم له ألف مرة، آخرها إثبات العمالة حين أرسلوا مزيد قوات من المرتزقة من مليشيات الجيش الإسلامي إلى اليمن لمحاربة “الإرهاب”!

لا يدرك الإسلاميون المفزوعون أن الأمريكيين لن يغفروا لهم أبدا تلك قلة أدبهم وبرطعتهم في دعم الإرهاب الدولي في التسعينات من القرن الماضي.

فما أن كنت إرهابيا في يوم من الأيام، في نظر الأمريكيين، تظل إرهابيا حتى تموت.

(5)

هذه هي النصوص في الأمر التنفيذي الجديد المتعلقة بالسودان، وقد ترجمتها من أصلها الإنجليزي المرفق تحت هذا المقال:

(ألف)

“السودان من بين الدول التي حدد وزير الخارجية الأمريكي أنها دول راعية للإرهاب [مع إيران وسوريا]”.

(باء)

“السودان مكيَّفٌ على أنه دولةٌ راعيةٌ للإرهاب منذ العام 1993، بسبب دعم السودان للجماعات الإرهابية الدولية، بما فيها حزب الله وحماس”.

(جيم)

“تاريخيا، ظل السودان ملاذا آمنا للقاعدة ولمجموعات إرهابية أخرى، حيث تلتقي هذه المجموعات الإرهابية وتحصل على التدريب”.

(دال)

“بالرغم من أن السودان أوقف دعمه للقاعدة، وبالرغم من أن السودان يقدم بعض تعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في جهودها لمكافحة الإرهاب، إلا أن عناصر من جماعات إرهابية أصيلة ذات ارتباط بالقاعدة وبداعش تظل ناشطة في السودان”.

(هاء)

“في ضوء الأوضاع في هذه الدول الستة [من بينها السودان]، يظل ماثلا الخطرُ الذي قد ينتج من السماح عن طريق الخطأ بدخول رعايا هذه الدول الستة [وبينها السودان] من الذين يقصدون اقتراف أفعال إرهابية أو الإضرار بالأمن القومي الأمريكي”.

(6)

هكذا، أرى أنه لا يوجد أثر خطير أو مباشر من الأمر الجديد إلا على عدد قليل جدا من السودانيين الذين يريدون دخول أمريكا، لمجرد الزيارة أو للسياحة وربما للدراسة.

ففي الأمر الجديد استثناءات عديدة ستشمل الحالات التي قد يسبب لها الحظر بعض الضرر، منها استثناءات للطلاب وطالبي العلاج، مما جاء في لغة الأمر.

لكن الأثر الرمزي على السودانيين بصورة عامة سيظل باقيا، بشبهة الإرهاب التي ستلصق بهم في مطارات الدنيا، فقط بسبب أن نظام الإنقاذ ثابت تاريخه في الإرهاب الدولي.

(7)

على مستوى آخر، أرى أن الدعم الحكومي الأمريكي غير المحدود وغير الأخلاقي لدولة إسرائيل وللاحتلال الإسرائيلي هو السبب وراء تكييف حماس “حركة إرهابية”. وفيما يتعلق بمخاطر الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل يمكن ان نقرأ مضابط الجدل بين الأمريكيين أنفسهم مما شهدنا مثالا له في كلمة جون كيري وزير خارجية حكومة أوباما عن تقويض إسرائيل فكرة الدولتين الفلسطينية وإسرائيل، واستمرار إسرائيل في بناء المستوطنات.

(8)

وهنالك الجدل حول تعريف “الإرهاب” في مخيلة المجتمع الدولي وفي الصكوك الدولية. ولم يتم الاتفاق على تعريف دولي للإرهاب، تحديدا بسبب الاختلاف حول مقامية منظمة مثل حماس: أهي منظمة إرهابية؟ أم هي حركة تحرير ضد الاحتلال الأجنبي وحدث أنها اقترفت مفظعات ضد مدنيين لا علاقة لهم بسياسة حكومتهم غير وجوديتهم داخل حدود الدولة أو بسبب كونهم مواطني تلك الدولة الأجنبية المحتلة أو هي الظالمة؟

والتسآل ينطبق أيضا على وضعية الإنقاذ كحكومة دولة عدائية وإجرامية في علاقتها مع الحركات المسلحة السودانية، خاصة والإنقاذ في انتهازيتها تطالب المجتمع الدولي، تقصد أمريكا، بإعلان الحركات المسلحة الوطنية حركات إرهابية، بضاعتها ردت إليها اليوم الإثنين 6 مارس في الأمر الرئاسي الأمريكي الجديد بإبقائها هي الإنقاذ دولة إرهابية.

(9)

وحالة حماس معقدة، تحديدا بسبب استهدافها هؤلاء المدنيين بعنفها. مع أن حقها في مناهضة الاحتلال الإسرائيلي ثابت، بما في ذلك بالمقاومة العنيفة ضد قوات الاحتلال وهي الجيش الإسرائيلي، لا المدنيين الإسرائيليين لا يهم أن إسرائيل ظلت تعتدي على المدنيين الفلسطينيين. ولا يوجد من اختلاف هنا إلا على سبيل المغالطة.

ومع ذلك، لا يجوز لحكومة الإنقاذ استضافة منسوبي حماس في السودان، إلا لأغراض الدراسة أو اللجوء السياسي أو للأغراض الإنسانية. وليس للإنقاذ من عقيدة سياسية يعتد بها في دعم التحرر من الطغيان، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا يمكن لها أن تدعي بالكذب أنها تدعم “المقاومة الفلسطينية”.

أما ومعروف تاريخ الإنقاذ في جرائم الإرهاب الدولي، وأن نظام الإنقاذ يعتمد السرية في ترتيب أمور السياسة الخارجية جميعها، ولا يفتح النظام موضوع حماس لنقاش حر ومفتوح، وبسبب أنه لا عقيدة تحررية عند الإسلاميين أصحاب الإنقاذ، يظل وجود حماس في السودان أدخل في مجال الإرهاب الدولي.

(10)

مهما كان تعريف الإرهاب، دوليا أو محليا، فهو يطال الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة في السودان، نظام الإنقاذ. تحديدا لأن للإنقاذ ذلك الماضي الثابت والمعروف في دعم الإرهاب، دوليا ومحليا:

(ألف)

أسامة بن لادن، الذي استضافته الإنقاذ في الخرطوم. فيكون سائغا التفسير أن نظام الإنقاذ كان يخطط مع بن لادن لتنفيذ عمليات إرهابية دولية، وأنه كان ضالعا في صناعة الإرهاب الدولي.

(باء)

عمر عبد الرحمن الذي استضافته الإنقاذ وسهَّلت له السفر إلى أمريكا بتوسط الترابي له لدى السفارة الأمريكية، فبدأ عمر عبد الرحمن في أمريكا يخطط لعمليات إرهابية في أمريكا، وتمت إدانته وسجنه (وهو توفي في السجن)، وفي موضوعه تعقيدات قانونية تتعلق بالتوريط وبأن الشيخ تحمس في نشر أوهامه عن أن الحل في الإسلام، وهنالك المحامية الأمريكية التي كانت تنقل الرسائل بين الشيخ ومريديه في مصر.

(جيم)

أثيوبيا وقصتها معروفة فيما يتعلق بعملية قادة الإسلاميين في الإنقاذ، علي عثمان طه ونافع علي نافع، لاغتيال حسني مبارك في أديس أبابا، وكان طاغية مصر الذي نجا من المحاولة أفضل من عمر البشير حيث لم يقترف حسني مبارك جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين في بلاده، مما فعله عمر البشير الفار من العدالة الدولية.

(دال)

المؤسسات الإسلامية في السودان التي ترسل الشباب الإسلاميين المخدوعين بأوهام الحل في الإسلام إلى المعارك في سوريا والعراق.

(هاء)

بوكو حرام الثابتة علاقتها بجامعة أفريقيا.

(واو)

كارلوس الفنزويلي، لكن المعروف في أدب المقاومة العربية أن كارلوس كان ثوريا لم يقتل مدنيا، بينما تعتمده فرنسا إرهابيا بعد قتله شرطيين فرنسيين. كانت حكومة الإنقاذ الإسلامية تستضيف كارلوس سرا في الخرطوم، وكان يلتقي بحسن الترابي وقد ورد في الروايات السارية أن الترابي عقد لكارلوس على زواج امرأة سودانية، ولابد أن الاستضافة كانت لكي يقدم كارلوس المساعدة للإنقاذ في عمليات الإرهاب الدولي. والعقل بالطبع يفكر، ويعقل الأمور، ولا يمكن أن يكون كارلوس جاء إلى السودان لأغراض السياحة أو التجارة.

لكن الإنقاذ، في انتهازيتها، خدعت كارلوس وشاركت في تخديره في غرفة العمليات بمستشفى ابن خلدون وسلمته لعميل المخابرات الفرنسي بليجير (الذي كان يتصنع أنه دبلوماسي بسفارة فرنسا، وكان طالبا في مدرستي لتعليم العربية للأجانب في الخرطوم وكنا نتحدث عن السودان على مدى عام قبل أن يختفي بليجير فجأة، مع كارلوس). وكانت الخيانة ثمنا لتقديم فرنسا لنظام الإنقاذ صور الستالايت عن تحركات الجيش الشعبي في جنوب السودان.

(زاي)

أما داخليا، فللإرهاب الإسلامي ضد المدنيين والمعارضين مؤسسات إرهابية مثل جهاز الأمن والمليشيات وجماعات الإسلاميين من كل نوع، وللمثقفين الإسلاميين الدور الأكبر في تخطيط الأفعال الإرهابية ضد خصومهم السودانيين، بغرض فل عزيمة المعارضين وزرع الخنوع بين الشباب.

(11)

فيذكرنا هذا الأمر التنفيذي الأمريكي الجديد بإجرام الإسلاميين في مجال الإرهاب الدولي، وكذا يجعلنا نتفكر في إرهاب الدولة الإسلامية ضد المواطنين.

عليه، لا يبق للشباب في السودان غير المقاومة السلمية المستمرة، موضوعها نزع الشرعية من الإسلاميين، ومن التكتيكات مقاطعة المثقفين الإسلاميين بصورة كاملة وحاسمة.

عشاري أحمد محمود خليل

[email protected]