تعليقات وإضافات على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) (1)

أطلعت على مقترح (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) الذي أعلنته لجان مقاومة ولاية الخرطوم من خلال مؤتمر صحفي نظمته في الأسبوع الأخير من شهر فبراير الماضي والذي جاء بعد ترقب طويل لم يقتصر على الساحة المحلية فقط وإنما إمتد حتى للأطراف الإقليمية والدولية بالنظر للدور القيادي للجان المقاومة في مناهضة إنقلاب 25 اكتوبر وقياداتها الفاعلة للحراك الشعبي المنادى بإسقاط الإنقلاب وإستعادة الإنتقال والحكم المدني في البلاد.

 

 بقلم: ماهر أبوجوخ

أطلعت على مقترح (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) الذي أعلنته لجان مقاومة ولاية الخرطوم من خلال مؤتمر صحفي نظمته في الأسبوع الأخير من شهر فبراير الماضي والذي جاء بعد ترقب طويل لم يقتصر على الساحة المحلية فقط وإنما إمتد حتى للأطراف الإقليمية والدولية بالنظر للدور القيادي للجان المقاومة في مناهضة إنقلاب 25 اكتوبر وقياداتها الفاعلة للحراك الشعبي المنادى بإسقاط الإنقلاب وإستعادة الإنتقال والحكم المدني في البلاد.

من المهم قبل التعليق على محتويات ما ورد بالميثاق بالإتفاق أو الإختلاف تثمين الجهد الكبير للجان المقاومة في إعداد تصوراتها لكيفية إستعادة الإنتقال وما يلى إسقاط الإنقلاب، ولعل تجربتنا السودانية ظلت تتسم منذ حقبة النضال ضد الإستعمار ومعركة الإستقلال وحتى ثورة ديسمبر 2018م وإسقاط ودحر النظام المباد بإنجاز مرحلة (التحرير) وملازمة التعثر لها في (التعمير) بسبب إعتبار أن ذرورة سنام الفعل وكمل البنيان وبلوغ تمامه سيكون عسيراً بمجرد إنجاز ذلك التحرير من الإستعمار أو الأنظمة الشمولية مع وجود قاسم مشترك بعدم الإستهداء بدروس وعبر التجارب البعيد والقريب منها والبداية، وهو ما جعل تجاربنا في كثير من الأحيان تبدو وكأنها تكرر وتنسخ نفسها في البدايات والنهايات والأزمات.

مثلت ثورة ديسمبر 2018م وإنتصارها على النظام المباد علامة فارقة بمسار الثورات الشعبية السودانية إنتقل فيها الوعى بالديمقراطية والحرية لقيمتهما بعيداً عن الحالة الرمزية التي سادت تجارب سابقة، ولعل هذا يفسر ردة الفعل السريعة المناهضة للإنقلاب فور حدوثه فجر 25 أكتوبر 2021م وقبل الإعلان عن هوية أو حجج المدبرين له وبذات القدر فإن المقاومة لهذا الإنقلاب كانت شعبية في المقام الأول في معظم أنحاء السودان وقوامها الأساسي الشابات والشبان المصرين على إكمال أحلامهم المشروعة في دولة مدنية ديمقراطية وبالتالي تميزهم بين أخطاء النخبة والتجربة والقيادات السياسية وقناعتهم بالحكم المدني الديمقراطي.

جميع هذه المعطيات جعلتنا فعلياً أمام جيل مختلف كلياً عن أجيال سابقة له ليس على مستوى الجسارة والشجاعة والصمود فقط وإنما في التحلى بصفات إضافية فهذا جيل صبور لا يستعجل النتائج يشكل قناعاته بمراكمة تجاربه وحواراته، ومؤقن أنه سيحقق في يوم ما مبتغاه وتطلعاته، ولعل تلك العزيمة مثلت كلمة السر لهزيمة كل أساليب وأدوات القمع والقهر والقتل والعنف المنتهجه من النظام الإنقلابي حتى باتت ضعيفة التأثير أمام عزيمتهم وقناعتهم ببلوغ الأحلام الممكنه في يوم ما رغم الطريق الطويل المفروش بدماء الشهداء ودموع الأمهات والأهل والأصحاب والالام الجراح.

إزاء كل ذلك فإن جهد هذا الجيل ورؤاه تستحق التحية والإشادة والتقدير بذات الإمتنان والإحترام لبسالتهم في مواجهة القمع وستظل هامات سودانين وسوادنيات منحنيه على الدوام أمام تلك التضحيات وممتنه لها، وبذات القدر فإن أقل إسهام يقدم هو الإستجابة لطلب إبداء الرأي والنصح حول ما يتم طرحه على أمل أن يكون مفيداً.

أستهل تعليقي هذا الإشارة لجزئية مرتبطة بميثاق تأسيس سلطة الشعب الصادر عن لجان مقاومة ولاية الخرطوم بإعتباره لاحق لعد من المواثيق الصادرة عن لجان مقاومة بولايات أخرى لكنه تمتع بميزات تفضيلية -ليس من بينها بكل تأكيد صدوره من المركز والعاصمة- من حيث الميقات والترقب الشعبي للإعلان عن فحواه والثقل والتأثير الذي تمثله لجان ولاية الخرطوم وترتب على تلك العوامل تمتع الإعلان عن هذا الميثاق بتغطية وتفاعل إعلامي أكبر بالإستناد للحجم العددي والنوعى للجان ولاية الخرطوم. على مستوى المحتوى نجد أن القضايا الواردة في الميثاق عبرت عن توجهات ورؤى أكثر إتساعاً.

ضبط مفردة (الدولة)

تلاحظ أن الميثاق إستخدام عدة تعريفات لدولة المستقبل بعد هزيمة الإنقلاب فسماها في المقدمة (الدولة الوطنية الديمقراطية) و(دولة مدنية حديثة) وفي الفقرة ثامناً أطلق عليها (الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة) وتكررت ذات التسمية في الفقرة تاسعاً ليطلق عليها في الفقرة أحد عشر (دولة وطنية ديمقراطية).

أعتقد ان توصيف الدولة يحتاج للضبط والوحدة ضمن محتويات الميثاق الواحد لعدة أسباب ودون الدخول في جدل التعريفات والمصطلحات فأعتقد أن التوصيف المتفق عليه والسائد خلال العامين الماضيين هو (الدولة المدنية الديمقراطية) بإعتبارها أكثر دقة وشمولاً لمبتغي الثورة.

خلال إعداد هذا المقال إطلعت على بعض محتويات تعليقات الحزب الجمهوري الذي تترأسه الأستاذة أسماء محمود محمد طه حول مقترح الميثاق ووجدت في ذلك التعليق إتفاقاً مع هذه النقطة بتفضيل إستخدام عبارة (الدولة المدنية الديمقراطية).

إجراءات إسقاط الإنقلاب

تناولت فقرة (إسقاط الإنقلاب) ثلاثة قضايا الأولي إسقاط الإنقلاب ومحاسبة كل الضالعين فيه والثانية إلعاء الوثيقة الدستورية برمتها ومراجعة كل الإتفاقيات المبرمة والمراسيم الصادرة منذ 11 أبريل 2019م ورفض أي دعوات للتفاوض المباشر أو غير المباشر مع الإنقلابيين والإستمرار في المقاومة السلمية.

الملاحظة الأولي أن هذا المحور رغم عنوانه (إسقاط الإنقلاب) أغفل للشق الخاص بالإجراءات التي نتجت عن الإنقلاب (إعلان حالة الطوارئ والإجراءات المرتبطة بها، تجميد والغاء قرارات لجنة التفكيك، تعيين وإعفاء العاملين بما في ذلك السفراء .. الخ) وزاد الأمر إرباكاً الفقرة التي أشارت لإلغاء الوثيقة الدستورية برمتها ومراجعة جميع الإتفاقيات والمراسيم الصادرة منذ 11 أبريل 2019م، وهذا الإرباك يطرح سؤالاً حول الإنقلاب المراد إسقاطه هل هو الذي تم فجر ـ25 أكتوبر 2021م أم إنقلاب بمدى زمني ابعد يبدأ من 11 ابريل 2019م وبالتالي إعتبار المرحلة الإنتقالية التي تم الإنقلاب عليها في 25 أكتوبر أيضاً إستمراراً لذلك الإنقلاب الممتد ؟

على المستوي النظري والدستوري والسياسي فإن النقطة الأساسية التي تمييز الإنقلابيين عن المقاوميين له هو (إنقلاب) المجموعة الأولي على الوضع الدستوري بإستخدام القوة ولذلك فإن المقاومين للإنقلاب يعتبرون هم الأحرص على التمسك بالإطار الدستوري القائم كموقف أساسي لمقاومة ومناهضة الإنقلاب دون أن يمنع ذلك وجود رؤى تدعو لتعديل أو تأسيس الإطار الدستوري بشكل جديد كلياً، ولذلك أعتقد أن الأصوب الحديث عن إعداد إطار دستوري جديد يتوائم مع متطلبات المرحلة الإنتقالية الجديدة وشكل ومؤسسات الحكم.

بالنسبة لمراجعة الإتفاقيات المبرمة والمراسيم منذ 11 أبريل 2019م فمن الضروري تحديد المقصود منها على وجه الدقة ماهية هذه الإتفاقيات وطبيعتها وأطرافها المحليين أم الدوليين وهل يحصن هذا النص الإتفاقيات المبرمة قبل تلك الفترة الزمنية خلال سنوات حكم النظام المباد من 30 يونيو 1989م وحتي قبل سقوطه في 11 أبريل 2019م ؟

في تقديري يحتاج هذا النص لإحكام وضبط إضافي بحيث يبدو متسقاً مع المواقف المناهض للإنقلاب ومعبراً عن التصور المستقبلي بحيث لا يكون موجهاً للإلغاء وإنما تأسيس إطار دستوري جديد يكفل تحقيق الإنتقال المدني الديمقراطي وفق الترتيبات الدستورية المتفق عليها.

التفاوض بين الشكل والنتيجة

أعتقد أن البند الخاص بمسألة الرفض المطلق للتفاوض تحتاج لإعادة صياغة فعلى المستوي التاريخي لتجربة الثورات الشعبية الثلاثة بالسودان فإن عملية تسليم السلطة والإنتقال من الأنظمة الشمولية تمت عبر مفاوضات وبالتالي يجب التركيز على (نتيجة المفاوضات) وليس (شكل المفاوضات).

عند الإطلاع على مقدمة الميثاق نجده قدم توصيفاً أدق لمقصد رفض التفاوض حينما اشار نصاً (لا شراكة فيها مع القوي المضادة للثورة في السودان ولا تفاوض فيها على إبعاد المؤسسات العسكرية بالكامل من الحياة السياسية، ولا شرعية فيها للانظمة الشمولية ولا مساومة فيها على حق شعبنا في الحياة). أعتقد أن هذا النص يعتبر أكثر ضبطاً وشرحاً لمقصد عدم التفاوض من النص المشار إليه سابقاً الوارد في الفقرة (أولاً-3) من الميثاق. رغم ذلك من الضروري الإقرار لحاجة النص الوارد في المقدمة بحاجة لبعض الإحكام للصياغة.

من المبادئ الأساسية التي تحتاج للتأكيد في الميثاق ضمن إسقاط الإنقلاب هو النص على (انهاء الشراكة مع المكون العسكري) بإعتبار ان الوضع الطبيعي خضوع المؤسسات العسكرية والنظامية للمؤسسات الدستورية المدنية وكان الإستثناء هو جعل ممثلي المؤسسات العسكرية (شركاء) إلا أن نهاية تلك الشراكة بالإنقلاب باتت تسوجب إعادة الوضع لطبيعته بإلغاء الشراكة بسبب مآلات تلك التجربة وفشلها.

بجانب ما ذكر سابقاً اقترح تطوير هذا البند بحيث يتضمن إلغاء كل الإجراءات التي إتخذها الإنقلاب وإبطالها سواء كانت ذات طبيعة تنفيذية أو قانوينة، نظراً لكون تلك الإجراءات هي المعبرة عن (الإنقلاب) ووجوده ونتائجه، وبالتالي فإن إبطالها يعني إنتهاء الإنقلاب وفي ذات السياق تجنب الدخول في مماحكات التفسيرات بإعتبار أن تلك القرارات مشمولة بـ(المراجعة) أسوة بـ(الاتفاقيات والمراسيم) المراد مراجعتها.

(نواصل)