بيان الرباعية وتطلعات السودانيين لسلام ينهي معاناتهم

كمبالا: 16 سبتمبر 2025 – راديو دبنقا
تقرير: عبد المنعم مادبو
حرّك البيان الذي أصدرته الآلية الرباعية رغبة الشعب السوداني في إحلال السلام بالبلاد التي ظلت تمزقها الحرب منذ أكثر من عامين، طغى خلالها خطاب الحرب على خطاب السلام، وأفشل كل المحاولات المحلية والدولية الرامية إلى وضع حد للمأساة التي أنهكت كاهل الشعب السوداني وقضت على الأخضر واليابس.
تضمّن بيان وزراء خارجية دول الآلية الرباعية، المكوّنة من (الولايات المتحدة الأمريكية، السعودية، الإمارات، ومصر)، عقب اجتماعهم في واشنطن الأسبوع المنصرم، نقاطًا مهمة من شأنها أن تضع الأزمة السودانية في المسار المؤدي إلى وقف القتال بين القوات المسلحة وأنصارها من جهة، وقوات الدعم السريع وحلفائها من جهة أخرى. فقد أشار البيان إلى أنه ليس هناك حل عسكري للحرب في السودان، وأن الوضع الراهن يهدد الأمن والسلم الدوليين، ودعا الطرفين إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يعقبها وقف دائم لإطلاق النار، ومن ثم إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تنتهي خلال تسعة أشهر بإقامة حكومة مدنية مستقلة قائمة على الشرعية.
ردود فعل متباينة
وجد بيان الرباعية ترحيبًا من الأمم المتحدة و الاتحاد الأفريقي، وهيئة “الإيقاد”، مجلس التعاون الخليجي وحكومة “تأسيس”، وتحالف “صمود”، وأطراف أخرى. في المقابل، رفضت الحكومة السودانية في بورتسودان البيان، وقالت إنه لا يعنيها بشيء، كما استهجنته الحركة الإسلامية واعتبرته تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية للسودان ومحاولة لفرض حلول خارجية.
ورحّبت الكتلة الديمقراطية بجهود الآلية الرباعية، مؤكدة أن نجاح الوساطة يتطلب الإصغاء لصوت الداخل السوداني والتعامل مع جذور الأزمة، لكنها رفضت ما أسمته “محاولة إضفاء شرعية على الدعم السريع”. أما تحالف قوى التغيير الجذري فقد اعتبر البيان تدخلاً سافرًا وتعديًا على سيادة السودان واستقلالية قراره.
ضمانات موثوقة
ترى الدكتورة هنادي المك، الباحثة في مركز دراسات السلام بجامعة النيل الأزرق، أن بيان الرباعية يمثل اعترافًا مهمًا بأن الصراع في السودان لا يمكن حسمه عسكريًا. لكنها أشارت إلى أن نجاح خريطة الطريق المطروحة – التي تتضمن هدنة إنسانية، وقفًا لإطلاق النار، وفترة انتقالية قصيرة بقيادة مدنية – يظل مرهونًا بوجود ضمانات موثوقة وملكية محلية واسعة، وإلا فستفشل كما فشلت الاتفاقيات السابقة.
وأضافت في مقابلة مع راديو دبنقا:
“التحديات كثيرة: انقسام الأطراف بين جيش ودعم سريع رافضين للتنازل الكامل، مقابل قوى مدنية تشترط خروج العسكريين من السياسة؛ غياب الثقة بسبب تكرار خرق الهدن؛ ضعف آليات تنفيذ الاتفاقيات السابقة؛ الأزمات الإنسانية المتفاقمة؛ ثم تضارب المصالح الإقليمية لدول الرباعية نفسها”.
بيد أنها شددت على أن الفرص ما زالت قائمة، وتابعت:
“إذا استُخدم الضغط الدولي الموحد وآليات العقوبات بجدية، يمكن انتزاع التزام من الأطراف”. وأكدت أن الهدنة الإنسانية تتيح مجالاً للإغاثة، وأن الانتقال السياسي الشفاف بجدول زمني محدد قد يكون نقطة تحول. كما أن إشراك “الإيقاد” والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة يعزز الشرعية، ويفتح الباب أمام مصالحة مجتمعية حقيقية.
إرادة سودانية حقيقية
وترى الدكتورة هنادي أن نجاح مخرجات الآلية الرباعية مرهون بإرادة سودانية داخلية أكثر من ارتباطه بقرارات خارجية، مضيفة:
“قد تكون الرباعية خطوة واقعية ومهمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنها ليست عصا سحرية. إذا لم تُبنَ على جبهة مدنية عريضة ذات أرضية مشتركة، فستواجه المصير نفسه الذي واجهته المبادرات السابقة”.
واتفق معها الأستاذ الصحفي ووزير الإعلام الأسبق فيصل محمد صالح، الذي يرى أن الموقف الدولي وحده غير كافٍ لفرض سلام في السودان. وقال لراديو دبنقا:
“بيان الرباعية يعد تطورًا مهمًا جدًا في مسار قضية الحرب والسلام في السودان، وهو واحد من التطورات المهمة خلال ما يقارب ثلاث سنوات الآن، إذ تدخل الحرب عامها الثالث تقريبًا”.
وذكر أن الأهم من كل ذلك هو كيفية استغلال السودانيين الداعين لوقف الحرب والعاملين من أجل السلام لهذا البيان وهذا الموقف الدولي. وأضاف:
“لأن الموقف الدولي وحده لا يعني أن الحرب ستنتهي في السودان، لكنه يعني أن الفرصة صارت كبيرة”.
وأشار إلى أن هناك ضغوطًا على أطراف الحرب، وعلى الدول الداعمة لها، معتبرًا أن هذه النقطة مناسبة لانطلاق العمل المدني المطالب بوقف الحرب. وشدد على ضرورة تحريك قطاعات الشعب السوداني نفسه، قائلاً إن غياب الإرادة السياسية الداخلية قد يجعل الضغوط الدولية بلا جدوى. وخلص إلى أن هذه لحظة مهمة جدًا لتكثيف العمل المدني المنادي بوقف الحرب، وتكثيف الاتصالات الدولية والمحلية، والعمل القاعدي الجماهيري وصولاً إلى الهدف الأكبر: إيقاف الحرب في البلاد.
من جهتها، اعتبرت القيادية في مبادرة نداء سلام السودان، أسماء أحمد النعيم، بيان الآلية الرباعية خطوة إلى الأمام في سبيل إيقاف الحرب في السودان. وأعربت – في الوقت ذاته – عن أملها في أن يتحقق ما جاء في البيان على أرض الواقع، لكنها أشارت إلى ضرورة أن تصطحب دول الرباعية القوى المدنية في خطواتها لإحلال السلام، حتى يتم حل الأزمة بشكل كلي ويحصل السودانيون على سلام حقيقي. وشددت على أنه لابد أن يقود السودانيون بأنفسهم عملية السلام.