بعثة تقصّي الحقائق: الحرب في السودان أصبحت أكثر تعقيدًا ووحشية

مؤتمر صحفي لبعثة تقصي الحقائق حول حقوق الانسان في السودان- جنيف-17 يونيو 2025- لقطة شاشة من تسجيل فيديو بموقع الأمم المتحدة-

جنيف – راديو دبنقا – 17 يونيو 2025

أكدت لجنة تقصّي الحقائق حول أوضاع حقوق الإنسان في السودان، إنّ الصراع في البلاد أصبح “أكثر تعقيدًا ووحشيةً واستمراريةً ودموية، واتخذ أبعادًا عرقية”، مؤكدًا أن المدنيين ما زالوا يتحملون الكلفة الأكبر لهذه الحرب.

جاء ذلك خلال الإحاطة الشفوية التي قدّمتها البعثة أمام الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، حيث أشار شاندي محمد عثمان شاندي في مؤتمر صحفي سبق الجلسة إلى أنّ “حماية المدنيين لا تزال تعاني من عجز هائل”، مضيفًا: “لا سلام حقيقي دون عدالة ومساءلة”.

وكانت ولاية اللجنة قد مُدّدت في أكتوبر الماضي لعام إضافي، وتم تكليفها بخمس مهام أساسية، تشمل: التحقيق في انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، جمع الأدلة وتحليلها وتوثيقها وحفظها، وتحديد الجناة سواء كانوا أفرادًا أم كيانات. كما تشمل مهام اللجنة التعاون مع الآليات القضائية الوطنية والإقليمية والدولية، وتقديم توصيات تعزّز المساءلة وتحقيق العدالة للضحايا.

عنف متصاعد

وأشار شاندي إلى تصاعد وتيرة الأعمال العدائية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، مؤكدًا أنّ الطرفين، إلى جانب الميليشيات المتحالفة معهما، مسؤولون عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي. وأضاف:

“قُتل مدنيون في غارات جوية عشوائية وهجمات برية، وتعرضوا للعنف الجنسي، والتهجير القسري، كما جرت عرقلة متعمّدة للمساعدات الإنسانية، ما فاقم من خطر المجاعة، خصوصًا في دارفور”.

من جهتها، قالت منى رشماوي، عضو اللجنة، إن الحرب “تُخاض على أجساد النساء والفتيات والمجتمعات المهمشة”، موضحة أن العنف الجنسي بات سلاحًا واسع النطاق ومنهجيًا في النزاع، خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، حيث تتعرض النساء والفتيات للاغتصاب والاغتصاب الجماعي والاختطاف والاستعباد، وأُجبرت بعضهن على “زيجات” ترتقي إلى العبودية الجنسية.

وأضافت رشماوي أن العنف الجنسي متفشٍّ أيضًا في معسكرات النزوح التي يفترض أن تكون مناطق آمنة. وأشارت إلى أن الفترة بين ديسمبر 2023 وديسمبر 2024 شهدت زيادة بنسبة 288% في عدد طالبي خدمات الدعم المتصلة بالعنف الجنسي، وفقًا لبيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، مؤكدة أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير نظرًا للوصمة الاجتماعية والخوف من الانتقام.

كما أفادت البعثة بتلقيها تقارير موثوقة عن حالات عنف جنسي ضد رجال وفتيان، وهي حالات تظل غالبًا “غير مرئية” بسبب الصمت المجتمعي العميق الذي يحيط بها.

الجوع كسلاح حرب

أكدت رشماوي أن الجوع يُستخدم أيضًا كسلاح، إذ تفرض القوات المسلحة قيودًا بيروقراطية خانقة على إيصال المساعدات، بينما تختطف قوات الدعم السريع القوافل وتمنع وصول الإغاثة، مشيرة إلى أن “الحصار المفروض على الإغاثة ليس حادثًا عرضيًا بل جزء من استراتيجية الحرب”.

وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإنّ المجاعة لم تعد مجرد تهديد، بل أصبحت تقتل بالفعل. ومنذ اندلاع النزاع، قُتل أكثر من 100 من العاملين في المجالين الإنساني والطبي، بما في ذلك خمسة موظفين من الأمم المتحدة في قافلة كانت متجهة إلى الفاشر في 2 يونيو الجاري.

قالت رشماوي:

“كل طرف يُلقي باللوم على الآخر، لكن النتيجة واحدة: خنق المساعدات وتجويع المدنيين. الرعاية الطبية تحت الحصار”.

وأدانت بشدة استهداف المستشفيات، بما فيها المستشفى السعودي في الفاشر ومستشفى الأبيض، ووصفت ذلك بأنه “استهداف متعمّد للناجين والكوادر الطبية والغذاء والدواء”، معتبرة ما يحدث انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ورسالة تحذير للمجتمع الدولي.

وأضافت:

“ما يحدث في السودان ليس مجرد أزمة إنسانية، بل هو كارثة بحد ذاتها، ولا يمكن السكوت على معاناة النساء والأطفال والناجين من العنف”.

حرب لا أفق لنهايتها

من جانبه، أكد شاندي محمد عثمان أن الحرب الجارية مُدمرة ولا تلوح في الأفق أي مؤشرات على انتهائها، وأن المدنيين لا يزالون هم الضحية الأساسية.

وأوضح أن اللجنة لم تتمكن من زيارة السودان وعدد من الدول المجاورة بسبب منعها من الدخول، لكنها أجرت زيارات إلى يوغندا وتشاد وأديس أبابا، حيث نفذت 240 مقابلة، وتسلمت 110 مواد موثقة، وحققت في ثماني حالات اعتداء.

واتهم الجانبين باستخدام أنواع متعددة من الأسلحة، وارتكاب جرائم دولية جسيمة.

وفي سياق موازٍ، طالب النائب العام السوداني بعدم تجديد ولاية لجنة تقصّي الحقائق، ودعا إلى التعاون المباشر بين اللجنة الوطنية للتحقيق ومجلس حقوق الإنسان، كما طالب بتصنيف قوات الدعم السريع “منظمة إرهابية”.

انطلاق الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان

أكّد الخبير في مجال حقوق الإنسان، عبدالباقي جبريل، أن الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة انطلقت يوم الاثنين 16 يونيو 2025، وتستمر حتى 9 يوليو المقبل، بمشاركة واسعة من الدول والمنظمات المدنية.

وافتتح المفوض السامي لحقوق الإنسان الدورة بخطاب شامل تناول أوضاع حقوق الإنسان عالميًا، خصص فيه فقرتين كاملتين للسودان، معبّرًا عن قلقه البالغ من “الفوضى وانعدام سيادة القانون” في البلاد.

وأشار المفوض إلى تفشي الانتهاكات في ولايات كردفان ودارفور، وزيادة عدد القتلى المدنيين على يد الجيش إلى ثلاثة أضعاف منذ فبراير، معظمهم بتهم التعاون مع الدعم السريع، رغم أنهم مواطنون غير مسلحين.

ووصف الوضع الإنساني في مدينة الفاشر بأنه “مرعب”، في ظل الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع، وتزايد الانتهاكات، خصوصًا الجرائم الجنسية والهجمات على عمال الإغاثة.

واختتم المفوض السامي حديثه بشأن السودان بمناشدة عاجلة للمجتمع الدولي، مطالبًا بوقف فوري لتوريد الأسلحة، ومحاسبة المتورطين في الجرائم، ووضع حد للمأساة الإنسانية.

ومن المتوقع أن تشهد الدورة فعاليات جانبية تسلط الضوء على الأوضاع المأساوية في السودان، في ظل الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.

وجاءت تصريحات عبدالباقي جبريل خلال مشاركته في برنامج “في الميزان” الذي يبثه  راديو دبنقا.

Welcome

Install
×