القرارات الإماراتية في مواجهة السودان.. آثار اقتصادية محتملة

مسافرون إلى دبي بعد إلغاء رحلتهم فجر اليوم-6 أغسطس2025- وسائل التواصل
أمستردام – الخميس 14 أغسطس 2025م – راديو دبنقا
انتقلت الحرب الإعلامية بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى مرحلة اتخاذ الأفعال وتصعيد المواقف، وذلك مع بدء تعليق الرحلات الجوية بين البلدين منذ فجر الأربعاء، ووقف حركة السفن والتبادل التجاري، دون صدور قرار رسمي أو توضيح للأسباب.
لكن ذروة التصعيد بين البلدين جاءت عقب بث التلفزيون الرسمي خبرًا أفاد بأن الجيش السوداني دمّر “طائرة إماراتية تحمل مرتزقة كولومبيين وعتادًا حربيًا” أثناء هبوطها في مطار نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، غربي السودان والخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 شخصًا، وهو ما نفته الإمارات بشكل قاطع.
ويرى خبراء اقتصاديون أن هذه الإجراءات قد تفضي إلى خسائر اقتصادية فادحة، سيكون الشعب السوداني أول المتضررين منها، ما سيفاقم معاناته في سيناريو يشبه آثار العقوبات الأمريكية السابقة.
أكبر منفذ
وفي هذا السياق، اعتبر الخبير المصرفي والمالي عمر سيد أحمد أن الإمارات تعد مركزًا محوريًا لإعادة التصدير عالميًا، وأكبر منفذ لتجارة السودان الخارجية، خاصة في الذهب.
وأعلنت سلطة الطيران المدني السودانية في 6–7 أغسطس 2025، منع الطائرات السودانية من الهبوط في مطارات الإمارات، تزامن ذلك مع أخبار عن وقف بعض الأنشطة البحرية المرتبطة ببورتسودان.
حجم العلاقة التجارية
وأوضح سيد أحمد في مقابلة مع “راديو دبنقا” أن حجم الواردات من الإمارات في عام 2023 بلغ نحو 861 مليون دولار (دواء، قمح، معدات، إلكترونيات)، بينما بلغ حجم الصادرات إلى الإمارات في العام نفسه نحو 1.09 مليار دولار، أغلبها ذهب، مشيرًا إلى أن الإمارات تستحوذ على 21% من إجمالي صادرات السودان.
وأكد أن الإمارات تعتبر الوجهة الأولى لذهب السودان، سواء رسميًا أو غير رسمي، وقال إن إنتاج الذهب في عام 2024 تراوح بين 64–80 طنًا، محذرًا من أن أي تعطيل للمسار المباشر إلى دبي سيزيد من التهريب ويؤدي إلى خصم الأسعار.
القنوات المتأثرة
وأشار الخبير المصرفي عمر سيد أحمد إلى أن هناك ثلاث قنوات متأثرة بتلك القرارات، تتمثل في الشحن الجوي، الذي توقع أن يترتب عليه زيادة في زمن وكلفة الشحنات السريعة. واستبعد أن يكون هناك حظر رسمي للشحن البحري، لكنه رأى أن التوتر سيرفع أقساط التأمين ويقلل الرحلات المباشرة. كما اعتبر أن مورد الذهب سيتأثر بالتحويل عبر وسطاء، مما يسبب فاقد إيرادات وخصومات سعرية.
وحول التوقعات المحتملة لهذه الآثار، أكد على زيادة التكاليف المتوقعة في الفترة من 3–6 أشهر، إذ إن التحويل من خط دبي إلى مسارات بديلة (جدة، الدوحة، إسطنبول، موانئ مصرية) سيرفع التكاليف بنسبة 8–15% ويضيف فترة زمنية تتراوح بين 1–4 أيام.
وقال إنه على ضوء ذلك، فإن شحنة قمح (Bulk) عبر جدة ستزيد كلفتها بواقع +8% و+3 أيام، بينما سيزيد الدواء (شحن سريع) عبر الدوحة بواقع 12% و+1 يوم.
زيادة التكاليف المتوقعة
ونوه الخبير المصرفي في المقابلة مع “راديو دبنقا” إلى أن الخسائر السنوية المحتملة فيما يخص الواردات ستتراوح ما بين 69–103 ملايين دولار، أما الصادرات (خصم سعري على الذهب) فستتراوح بين 22–55 مليون دولار. وقال إن فاقد الإيرادات العامة سيتراوح بين 10–20 مليون دولار، ليبلغ الإجمالي ما بين 101–178 مليون دولار سنويًا.
خطة التعويض
ووضع الخبير المصرفي عمر سيد أحمد وصفة لمعالجة آثار القرار على الاقتصاد السوداني، وذلك بتنويع المحاور اللوجستية (بحري/جوي)، وإنشاء مجمعات شراء للسلع الاستراتيجية، وتوقيع اتفاقيات تمويل تجاري مع بنوك بديلة.
كما شدد على أهمية إنشاء بورصة ذهب وطنية ومصفاة معتمدة، ودعا إلى فتح نوافذ تحويلات للمغتربين برسوم منخفضة، ووضع برنامج تأمين شحن جماعي، وتنويع الموردين.
مشاكل التصدير المتوقعة
وتوقع سيد أحمد أن يواجه التصدير عددًا من المشاكل تتمثل في صعوبة توثيق المدفوعات، وارتفاع أقساط التأمين البحري، ومتطلبات مطابقة معايير صارمة، إضافة إلى خصومات سعرية على الذهب بسبب الوسطاء.
وخلص الخبير المصرفي عمر سيد أحمد إلى أن الإجراءات الإماراتية الأخيرة تهدد قناة تجارية تشكل أكثر من خُمس صادرات السودان ومعظم تجارة الذهب الرسمية وغير الرسمية، وحذر من أن استمرار الوضع قد يكلف السودان مبلغ 178 مليون دولار سنويًا، وسيزيد هشاشة سلاسل الإمداد، خاصة في الغذاء والدواء.
المتضرر الأكبر هو السودان
من جهته، قال الخبير الاقتصادي د. وائل فهمي في مقابلة مع “راديو دبنقا”: “كقاعدة عامة، فإن توقف التجارة الدولية بين أي بلدين هو عمليًا إضعاف للنشاط الاقتصادي الكلي الداخلي لكليهما”.
وأضاف: “يختلف حجم التأثير لهذا التوقف بحسب حجم اقتصاد كل من الدولتين ومستوى متوسط الأجور والمدخرات لديهما، بحيث تكون الدولة الأعلى أجرًا وادخارًا أقل تأثرًا من الدولة التي تعاني أوضاعًا معاكسة، وهو ما ينطبق على السودان حتى تاريخنا الحالي، خاصة بعد تدمير قاعدته الإنتاجية والمصرفية بسبب الحرب الدائرة حاليًا”.
ورأى أنه وفقًا لهذه القاعدة، فإن المتضرر الأكبر من توقف أو إضعاف التجارة الدولية بين الدولتين هو السودان، في ظل حرب مدمرة ومُجَوِّعة للشعب، بالإضافة إلى الحصار الأمريكي المتفاقم.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن قرار الإمارات، رغم ما يحيط به من أدوار ازدواجية مشبوهة في استمرار الحرب الحالية بالسودان عبر دعم قوات الدعم السريع، وقبول شراء منتجات الحكومة السودانية، جاء بتجميد نشاط التجارة الدولية مع السودان، خاصة الشق الرسمي منها، في توقيت غير مناسب على الإطلاق، في ظل أزمتَي الحرب والاقتصاد.
وأشار فهمي إلى أن الدولتين عضوان في منظمات دولية وإقليمية ولديهما مصالح اقتصادية مشتركة، وذلك في ظل عقوبات أمريكية تستهدف حرمان الجيش السوداني من الحصول على الدولار، الذي تُشترى به معظم السلع وعلى رأسها البترول الذي تبيعه الإمارات، والذي يُباع غالبًا بالدولار، مما يزيد من قسوة الموقف الإماراتي في إضافة حصار جديد على الشعب السوداني.
انخفاض في الدخل القومي
ونوه إلى أن البلدين سيشهدان انخفاضًا في الدخل القومي يؤثر على النشاط الاقتصادي، ولو على جزء من المواطنين، مع احتمال انتقال التأثير إلى بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى.
وقال إن السودان سيكون أكثر تضررًا، على الأقل في المدى القصير، بسبب ضعف قاعدته الإنتاجية، وذلك حتى إيجاد أسواق بديلة لما كان يُصدَّر للإمارات قبل قرارات المقاطعة الأخيرة، خاصة في مجالات النقل الجوي والبحري، مع ضرورة اتباع سياسات جديدة تراعي هذا الدرس.
وتوقع أن يتفاقم العجز في الحساب الجاري بميزان المدفوعات والموازنة العامة بالسودان، بما يزيد من المديونية الخارجية والداخلية، بينما ستتأثر مصالح الإمارات في السودان أكثر من مصالح السودان في الإمارات، رغم أن أثر الضرر على الإمارات سيكون محدودًا نظرًا لضخامة فوائضها الاقتصادية وقدرتها على التعويض من أسواق بديلة.