الفاشر بعيون كبريات الصحف الامريكية
صورة بالاقمار الاصطناعية تظهر القصف المدفعي في حي الدرجة الأولى بالفاشر في الفترة من 4 إلى 6 اكتوبر 2025-تقرير مختبر الابحاث الانسانية في جامعة ييل
امستردام:2نوفمبر2025:راديو دبنقا ووكالات
هيمن الوضع الامني والانساني للمدنيين بالفاشر بعد سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة على اهتمام كبريات الصحف الامريكية . وأولت صحيفة واشنطن بوست اهتماما كبيرا بكارثة الفاشر، فتناولتها في افتتاحية تستنكر تجاهل العالم للأزمة السودانية، وفي مقال للكاتب إيشان ثارور، انتقد فيه عجز الإدارة الأميركية عن إيجاد حل بسيط لإنهاء الحرب في السودان.
وذكرت الصحيفة، أن العالم عرف بكارثة الفاشر منذ أكثر من عام، عندما أصبحت آخر معاقل القوات المسلحة السودانية في إقليم دارفور الغربي، ولكن لم يتحرك أحد لمعاناة الشعب السوداني، الذي لا يحظى بما يكفي من الاهتمام.
وعند سيطرة الدعم السريع ، هذا الأسبوع، على المدينة التي لم يبق فيها سوى نحو 250 ألف مدني جائع كانوا يعيشون على الأعشاب وعلف الحيوانات -حسب الصحيفة- تعرض الآلاف لمجزرة مروعة، قتل فيها أكثر من 460 مريضا وموظفا داخل مستشفى المدينة.
ونشر مقاتلو قوات الدعم السريع مقاطع فيديو لأنفسهم وهم ينفذون إعدامات ميدانية بحق مدنيين يتوسلون من أجل حياتهم، حتى إن أحد قادة المليشيا تفاخر بأنه ربما قتل 2000 شخص، كما أشارت افتتاحية الصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى صور الأقمار الصناعية، وقالت إنها أظهرت تجمعات لجثث مكدسة فوق بقع دماء ضخمة يمكن رؤيتها من الفضاء، ونقلت عن شهود عيان فروا من المدينة أن المسلحين كانوا يقتحمون البيوت ويطلقون النار على السكان، بمن فيهم النساء والأطفال.
وقالت افتتاحية الصحيفة، إن العبء الأخلاقي لهذه المأساة الإنسانية ثقيل، وإنه كان ينبغي للأميركيين أن ينتبهوا لذلك، بسبب الموقع الإستراتيجي للسودان على البحر الأحمر، وتأثيره على تدفق الطاقة والتجارة الدولية.
وفعلا استدعت إدارة ترامب ممثلين عن قوات الدعم السريع والجيش السوداني إلى واشنطن يومي الخميس والجمعة الماضيين للضغط من أجل هدنة لمدة ثلاثة أشهر، ولكن مسؤولي وزارة الخارجية قالوا إنه لم يتم التوصل إلى اتفاق لأن كلا الطرفين يعتقد أنه لا يزال قادرا على الانتصار.
وخلصت واشنطن بوست إلى أن الإدارة الأميركية تستطيع أن تمارس مزيدا من الضغط عبر الإمارات وتركيا، وأشادت بتحرك رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور جيمس إي. ريش الذي دعا إلى تصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية أجنبية، ورأت أن هذه خطوة ستكون بداية جيدة.
شبكة معقدة من اللاعبين الخارجيين
أما الكاتب في نفس الصحيفة إيشان ثارور، فرأى أن حرب السودان تتخذ منحى مرعبا في الوقت الذي يشيح فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوجهه عنها، رغم أنه يزعم أنه “أعظم صانع سلام في العالم”، وينسب لنفسه الفضل في حل صراعات، بعضها لا يزال مشتعلا، وبعضها لم يكن موجودا أصلا.
ورأى ثارور أن إنهاء أسوأ أزمة إنسانية في العالم لم يكن أولوية لإدارة ترامب، وبدلا من ذلك ركزت على تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي كانت تمول جزءًا كبيرا من المساعدات الإنسانية للسودانيين.
ومع ذلك نبه الكاتب إلى أنه لا يوجد حل سهل لإنهاء الحرب في السودان بسبب شبكة معقدة من اللاعبين الخارجيين، حيث ينال الفصيلان المتنازعان، وهما القوات المسلحة السودانية بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) دعما من قوى أجنبية متشابكة، ويتمسكان بمناطق نفوذهما.
وذكر الكاتب، أن القوات السودانية تحظى بمساندة دول مثل مصر وإيران، في حين تعتمد قوات الدعم السريع على الإمارات العربية المتحدة التي زودتها بشحنات أسلحة بعد أن خسرت موقعها في العاصمة الخرطوم في مارس الماضي، رغم نفي أبو ظبي أي دور لها في دعم الحملة العسكرية. وكذلك تلعب تركيا وروسيا، وحتى أوكرانيا أدوارا في تزويد الأطراف المتحاربة بالسلاح، في الوقت الذي تملك فيه السعودية وقطر مصالح اقتصادية وجيوسياسية عميقة في المنطقة، كما يرى الكاتب.
ومع ذلك يرى محللون كثر أن ترامب قادر على ممارسة ضغط أكبر على حلفائه الذين تجمعه بها علاقات وثيقة، ولكن الكاتب يصر على أنه ليس ثمة أمل في صفقة يقوم بها ترامب تنهي الحرب في السودان.
وخلص ثارور إلى أن مثل هذا الجهد لا يبدو واردا بالنسبة للبيت أبيض الذي يعشق الصفقات السريعة وصور التوقيع، ولذلك ستستمر مأساة متفاقمة حصدت أكثر من 150 ألف قتيل وشردت ملايين المدنيين.
مشاهد مروعة من العنف والإعدامات الجماعية
واستعرضت صحيفتا نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال ما قالتا إنها مقاطع فيديو وشهادات من مدينة الفاشر السودانية تكشف عن مشاهد مروعة من العنف والإعدامات الجماعية بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
وقدمت صحيفة نيويورك تايمز تقريرين منفصلين، قال أحدهما إن مأساة دارفور تعود بعد 20 عاما لتغرق المنطقة في العنف والفوضى من جديد، بعد سقوط مدينة الفاشر الذي أسفر عن مئات القتلى ومجازر مروعة، وسط نزوح الناجين إلى مناطق مجاورة.
ومنذ أن سقطت المدينة في يد قوات الدعم السريع نهاية الأسبوع الماضي، ظهرت صور وشهادات تشير إلى وقوع مجزرة مروعة، حيث أُطلق الرصاص على السكان في أثناء فرارهم عبر الحقول.
وقال مدير منظمة الصحة العالمية إن مئات الأشخاص قتلوا خلال يوم واحد في آخر مستشفى بالمدينة، وبالفعل أظهرت مقاطع الفيديو ضحايا يعدمون بدم بارد، حسبما استعرضته الصحيفة.
ومنذ ذلك الحين، فرّ الآلاف -كما تقول الصحيفة- ولكن المنظمات الإنسانية تقول إن عددا قليلا منهم تمكن من الوصول إلى بر الأمان، في حين تحدث كثيرون ممن نجوا عن طرق مليئة بالجثث لأشخاص ماتوا أو قتلوا في أثناء الهروب.
وقالت ماتيلد فو من المجلس النرويجي للاجئين إن نحو 5 آلاف شخص فقط وصلوا إلى مدينة طويلة، على بعد 40 ميلا غرب الفاشر، وأضافت أن “الناس الذين وصلوا تحدثوا عن جثث على الطريق، وعن تعرضهم للتفتيش والاحتجاز المتكرر قبل الوصول. الرجال يفصلون عن النساء ويعتقلون”.
موجة غضب عالمي
وقد أثارت صور هذه الفظائع موجة غضب عالمي -كما تقول الصحيفة- وأججت المخاوف من أن إقليم دارفور ينحدر مجددا إلى دوامة من العنف والإبادة الجماعية، كتلك التي جعلته محور السياسة الدولية قبل عقدين.
وقد صدرت بيانات في الأمم المتحدة والعواصم الغربية تندد بقوات الدعم السريع -حسب الصحيفة- ودعا بعض المسؤولين فيها إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد الداعم الأجنبي الرئيسي لهذه القوات التي تقاتل القوات المسلحة السودانية منذ أكثر من عامين في حرب أهلية مدمرة، والتي أعلنت مؤخرا تشكيل حكومة موازية خاصة بها.
ورغم الإدانات الدولية، فإن نيويورك تايمز ترى أن الردود العالمية اليوم أقل وضوحا وتأثيرا مما كانت عليه قبل عقدين، مشيرة إلى جهود الوساطة الأميركية والدبلوماسية الإقليمية التي لم تؤد بعد إلى وقف إطلاق النار، مع بقاء الدعم الخارجي مستمرا رغم الفظائع.
ومع أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) اعترف ببعض التجاوزات واعتقل الجندي الذي تفاخر في أحد مقاطع الفيديو بقتل عدد من المدنيين، فإنه نفى بشكل عام مزاعم الهجمات على المستشفى التي أسفرت عن مقتل المئات، حسب الصحيفة.
وذكرت الصحيفة أن نحو 260 ألف مدني كانوا محاصرين في الفاشر -حسب تقدير المنظمات الإنسانية- وأن آلافا منهم فروا عبر طرق محفوفة بالموت والعنف، في حين يواجه الناجون من النزوح ظروفا مأساوية في المخيمات المزدحمة، مع انتشار الأمراض ونقص الغذاء والماء والمأوى.
وخلصت الصحيفة إلى أن الأزمة في السودان تعد اليوم أكبر أزمة إنسانية في العالم، مع نزوح نحو 12 مليون شخص ومقتل نحو 400 ألف حسب تقديرات مختلفة، وختمت بأن دارفور تعيش اليوم إعادة إنتاج لمأساة الماضي، مع تصاعد العنف المنهجي والتجويع، والقتل الجماعي، وسط عجز دولي واضح عن حماية المدنيين.
تحول مروع وطائرات مسيرة متطورة
وفي السياق نفسه، قالت وول ستريت جورنال إن دارفور تشهد تحولا مروعا في الحرب الأهلية السودانية، حيث تستخدم مليشيا الدعم السريع طائرات مسيرة متطورة وفرق إعدام للسيطرة على السكان الذين وصفتهم الصحيفة بالسود
واستعرضت الصحيفة -في تقرير بقلم نيكولاس باريو- ما قالت إنها مقاطع فيديو وشهادات محلية تظهر المقاتلين يطلقون النار على المدنيين العزل، ويغتصبون النساء، ويقتلون العاملين في المجال الصحي، مؤكدة أن 460 شخصا قتلوا في أحد المستشفيات بعد اقتحامه، بشهادة منظمة الصحة العالمية.
ونبهت الصحيفة إلى أن خبراء حقوق الإنسان يرون أن العنف في الفاشر قابل للمقارنة بالإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، مع استهداف ممنهج للرجال والأولاد وتهجير نصف مليون شخص من المدينة.
وذكرت الصحيفة أن مليشيا قوات الدعم السريع، التي تدعمها أسلحة وطائرات مسيرة من الإمارات، أنشأت حكومة موازية للسيطرة على المنطقة، واستخدمت الطائرات لتدمير البنية التحتية وفرض حصار على السكان، مشيرة إلى أن معظم ضحايا دارفور سيقعون أيضا بسبب المجاعة والأمراض الناجمة عن الحصار.
وختمت الصحيفة بأن القوات المسلحة السودانية دانت هذه الفظائع، واتهمت الدعم السريع بمجزرة المدنيين، وذكرت أن الجيش الوطني انسحب من المدينة لحماية المواطنين، لكنه تعهد بمواصلة القتال ضد المليشيات.


and then