الصومال ساحة لصراع سوداني ـ إماراتي.. تقاطعات المصالح والصراع على النفوذ

بورتسودان: 1 سبتمبر 2025م: راديو دبنقا
أجرى الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، مدير جهاز المخابرات العامة، والفريق ركن محمد علي صبير، رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، الأسبوع الماضي، مباحثات أمنية هامة مع نظيره الصومالي مهد محمد صلاد رئيس جهاز الأمن والاستخبارات الوطني، تتعلق بالتعاون الأمني والاستراتيجي بين البلدين والتطورات في منطقة القرن الإفريقي وساحل البحر الأحمر.
وخلال الزيارة المفاجئة، غير المعلنة مسبقاً، الأربعاء، سلم الفريق أول مفضل رسالة خطية من رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لنظيره الصومالي د. حسن شيخ محمود.
الأمن الإقليمي:
أكدت الرسالة، على تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين بورتسودان ومقديشو وتعميق العلاقات في المجالات الاستخباراتية والأمنية، بهدف مواجهة التحديات المشتركة، خاصة في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي.
وتكتسب الزيارة أهمية خاصة لدى الجانبين السوداني والصومالي في ظل ما يشهده السودان من حرب ضارية بين القوات المسلحة والدعم السريع منذ 15/أبريل/2025م، وأهمية الصومال بالنسبة للسودان وماتمثله من عمق استراتيجي مع سباق النفوذ وتقاطعات المصالح في المنطقة.
واتفق الجانبان على تعزيز التعاون الأمني الإقليمي، ومواجهة التحديات والمهددات التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي. والتنسيق في مجال مكافحة الجماعات المسلحة، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر حول الحرب الدائرة في السودان وانعكاساتها الإقليمية.
وفد إماراتي:
بعد ساعات من زيارة الوفد الأمني السوداني برئاسة مدير المخابرات العامة الفريق أحمد إبراهيم مفضل بيوم واحد، حطت طائرة وفدٌ برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الشيخ شخبوط بن نهيان بمطار مقديشو في زيارةٍ سرية يوم الأربعاء، ضمن جولة إفريقية.
وعقد شخبوط وفريقه محادثاتٍ استمرت لساعاتٍ في فيلا الصومال مع الرئيس حسن شيخ محمود. وشملت المناقشات من بين موضوعات أخرى قضايا سودانية تتعلق بالإمارات العربية المتحدة وأخرى بعلاقة الإمارات بحكومة أرض الصومال “بونتلاند”.
وتأتي هذه الزيارة في ظل تصاعد التوترات في العلاقات الإماراتية الصومالية، عقب ما يصفه مسؤولون صوماليون بتدخلاتٍ إماراتيةٍ تمس وحدة الصومال وسيادته. ببناء علاقات أمنية وعسكرية موازية مع حكومة أرض الصومال “بونتلاند”، ما أثار غضب الحكومة الفدرالية.
ساحة لقضايا مؤثرة:
استاذ العلوم السياسية والخبير في شؤون القرن الإفريقي د. عبدالوهاب البشير الطيب اعتبر أن زيارة الوفد السوداني إلى الصومال، تُعد زيارة ذات دلالات عميقة ونوعية.
وتابع: بالنظر إلى طبيعة الوفد السوداني الزائر والمقابلات الرفيعة التي أجراها مع رئيس الجمهورية د. حسن شيخ محمود، ومدير جهاز الأمن والاستخبارات الصومالي، إضافة إلى مشاركة الفريق أحمد إبراهيم مفضل مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني.
وقال في حديثه مع “راديو دبنقا”: أن توقيت الزيارة بالغ الأهمية وبحسابات كبيرة يعكس أهمية ومكانة السودان بالنسبة للصومال والعكس كذلك.
وأوضح أن العلاقات السودانية ــ الصومالية ذات مصالح متبادلة, لكن المعرف أنه الصومال فيها كثير من القضايا التي أثرت على السودان وعلى رأسها ما ظل متداول ومتواتر وليس سراً، فهنالك هجمات ولوجستيات ترسل من قاعدة بوصاصو بولاية بونتلاند.
وأضاف: سواء كان باستخدام المسيرات لاستهداف مدينة بورتسودان عبر البحر الأحمر، أو عبر دعم لوجستي يُرسل إلى قوات الدعم السريع من المطار الدولي بقاعدة بوصاصو إلى عواصم أفريقية أخرى مثل تشاد، كينيا، جنوب السودان، وليبيا.
وأشار البشير إلى أن هذه المسألة أقلقت السودان كثيراً، لكن الخلافات بين حكومة بونتلاند والحكومة المركزية جعلت بونتلاند تنفرد بمعزل عن سلطات الحكومة المركزية وتمارس هذا الدور بشكل “سافر”، على حد وصفه.
وأكد أن هذا لا يحسب أن دولة الصومال هي التي تضرب السودان أو تتعاون مع الدعم السريع أو تقدم له الدعم أو انطلاق هذه الدعومات اللوجستية إلى السودان من الصومال كدولة هي “بريئة” من هذه الدعومات، ولكن تنطلق من ولاية بونتلاند التي لديها خلافات كبيرة مع الحكومة المركزية.
وتابع قائلاً: “وهذه نقطة جوهرية ينبغي أن ينتبه لها كل الرأي العام السوداني وكل المتابعين لهذا الشأن داخل الصومال وخارجه”.
قلق متبادل:
وأكد الباحث والمختص في الشؤون الإفريقية د. عبدالوهاب البشير في حديثه لـ”راديو دبنقا”، أن زيارة الوفد الإماراتي للصومال في اليوم التالي مباشرة لزيارة الوفد السوداني، على وجه هذه السرعة برئاسة وزير الدولة الإماراتي شخبوط آل نهيان، تعبر عن تقاطعات مصالح وقلق متبادل من تحركات كل طرف.
وقال البشير: “إنَّ الصومال أصبحت، حلقة صراع وتفاعل بين الدول في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، والسودان والصومال بشكل خاص، وكل يتدافع لحماية نفوذه ومصالحه وهذه لعبة أمنية استخباراتية عسكرية سياسية دبلوماسية كبيرة كل يبحث عن مصالحه”.
وأضاف أن العامل الحاسم في هذه القضية يظل بيد الصومال نفسها، من خلال إرادتها وسيادتها وحسابات علاقاتها مع السودان والإمارات، باعتبار أن هذا مثلث علاقات حرج في بحسابات العلاقات الصومالية السودانية من جانب والصومالية الإماراتية من الجانب الآخر.
مكانة الصومال في الساحة الدولية
وأشار الخبير عبدالوخاب البشير إلى أن الصومال اليوم عضو غير دائم في مجلس الأمن، ضمن 10 دول أخرى، ما يمنحه وزناً إضافياً في ملفات تخص السودان، بما في ذلك الشكاوى ضد الإمارات. كما أن الصومال موجودة في منظمات إقليمية ودولية مؤثرة مثل منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة والسودان والإمارات موجودين فيها.
وأوضح أن للسودان مكاسب كبيرة من زيارته الأخيرة لمقديشو، خاصة مع الإرث التاريخي للعلاقات السودانية ـ الصومالية، ومع الدعم الشعبي الصومالي الواضح لموقف السودان. وتوقع أن تُواجه حكومة الصومال، وكذلك حكومة بونتلاند، ضغوطاً كبيرة على المستويين الرسمي والشعبي لتصحيح سياساتها تجاه السودان.
صراع النفوذ في المنطقة
ورأى استاذ العلوم السياسية والمختص في الشأن الإفريقي عبدالوهاب البشير في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن الزيارة تعزز موقع السودان في الداخل الصومالي وفي علاقاته الرسمية مع الحكومة الصومالية، مؤكداً أن ما يجري هو صراع على النفوذ بين السودان والإمارات، وتقاطعات مع دول أخرى مثل إثيوبيا وكينيا.
وبيّن أن كينيا معروفة بأدوارها السالبة تجاه السودان ودعمها للحكومة الموازية “تأسيس”، فيما تحمل إثيوبيا ملفات متشابكة مع كل من السودان والصومال. وهذا يعزز أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الصومال في التوازنات الإقليمية، خاصة في ظل الحرب الجارية مع قوات الدعم السريع.
وختم البشير بالقول إن جوهر الزيارتين ــ السودانية والإماراتية ــ إلى الصومال يصب في إطار سباق النفوذ، حيث تسعى كل من الخرطوم وأبوظبي إلى كسب موقف مقديشو الحرج، مؤكداً أن نتائج هذا السباق ستظهر خلال الفترة المقبلة من خلال مخرجات الزيارتين ومواقف الصومال النهائية.