السودان يعيش أسواء أزماته ..لجنة تقصي تدعو الاتحاد الإفريقي لنشر بعثة لحفظ السلام
ام تجلس أمام جثة طفلتها هاجر إسحاق عمرها عشر سنوات توفيت نتيجة الجوع والعطش أثناء خروجهم من داخل الفاشر باحثين عن مخرج لارواحهم في الطريق الى منطقة طويلة بشمال دارفور : وسائل التواصل الاجتماعي
بانجول: الخميس 23/ أكتوبر/2025م: راديو دبنقا
عرض وتقرير: سليمان سري
دعت البعثة الافتراضية المشتركة لتقصي الحقائق بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان إلى وقف فوري لإطلاق النار، حاثةً الاتحاد الأفريقي على نشر بعثة لحفظ السلام في السودان لحماية المدنيين وإنشاء ممرات إنسانية آمنة، وتنظيم قافلة قارية لتقديم الغذاء والماء للمناطق المحاصرة التي تهددها المجاعة.
مشددة على رفع الحصار عن مدينة الفاشر، مؤكدةً على أن السودان يعيش اليوم “إحدى أسوأ أزماته الإنسانية منذ الاستقلال”.
وقدمت البعثة الافتراضية التابعة للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بالتعاون مع إدارة الشؤون السياسية والسلم والأمن بمفوضية الاتحاد الأفريقي، في تقريرها غير المسبوق والذي نُشر أمس، الأربعاء، ضمن جدول أعمال الدورة الخامسة والثمانين للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المنعقدة في العاصمة الغامبية بانجول، حزمة من التوصيات العاجلة إلى أطراف النزاع والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي.
بعثة حفظ سلام إفريقية:
وحثّت البعثة في تقرير مطول يقع في 78 صفحة والذي اطلع عليه “راديو دبنقا”، الاتحاد الأفريقي على نشر بعثة لحفظ السلام في السودان لحماية المدنيين وإنشاء ممرات إنسانية آمنة، وتنظيم قافلة قارية لتقديم الغذاء والماء للمناطق المحاصرة التي تهددها المجاعة.
كما أوصت بإنشاء آلية أفريقية خاصة للمساءلة تتولى التحقيق في الجرائم الجسيمة وملاحقة المسؤولين عنها، مع اعتماد برنامج لنزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة إدماجهم وتوحيد المؤسسة العسكرية. ودعت إلى تأسيس صندوق لتعويض الضحايا تحت إشراف حكومة مدنية انتقالية، وإطلاق عملية عدالة انتقالية شاملة وفق سياسة الاتحاد الأفريقي، تعالج جذور النزاع وتضمن عدم تكرار الفظائع.
ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار عن مدينة الفاشر، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإصدار أوامر واضحة بمنع الهجمات على المدنيين والعنف الجنسي والاعتقالات التعسفية. كما طالبت بإعادة خدمات الإنترنت وتحرير الفضاء الإعلامي لتسهيل التوثيق والإبلاغ عن الانتهاكات.
وأكد التقرير على أن السودان يعيش اليوم “إحدى أسوأ أزماته الإنسانية منذ الاستقلال”، وأن السلام الحقيقي لن يتحقق ما لم تُقر العدالة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة. ودعت اللجنة الأفريقية جميع الأطراف إلى تغليب صوت العقل والحوار، معتبرة أن حماية المدنيين واحترام الكرامة الإنسانية هما الشرط الأول لبناء السودان الجديد القائم على السلام والحرية والمساواة.

صورة قاتمة:
ورسم التقرير، صورة قاتمة للوضع الإنساني والقانوني في البلاد، وأدان طرفي النزاع – القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع – على السواء، محمّلاً إياهما المسؤولية الكاملة عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في أنحاء واسعة من البلاد.
وأشار التقرير في مستهله إلى أن الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين أسفرت عن “كارثة إنسانية شاملة”، إذ امتدت أعمال العنف إلى ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وسنار، وترافقت مع انهيار مؤسسات الدولة وتفشي الإفلات من العقاب.
وأكدت البعثة أن المدنيين هم الضحايا الأبرز للنزاع، إذ طالتهم عمليات القتل خارج نطاق القضاء، والنزوح القسري، والتجويع، والتعذيب، والعنف الجنسي، والحرمان من المساعدات الإنسانية. كما وثّقت البعثة نمطاً من الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معهما، مشيرة إلى أن هذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
تحقيقا افتراضياً لاستحالة الوصول:
وبسبب استحالة الوصول الميداني إلى مناطق النزاع، أجرت اللجنة تحقيقاً افتراضياً استند إلى شهادات مباشرة ومكتوبة ومرئية من ضحايا وشهود ومراقبين مستقلين داخل السودان وخارجه.
وذكرت أن التحقيق اعتمد على مبدأ “وجود أسباب معقولة للاعتقاد” لتحديد المسؤوليات، مستنداً إلى عشرات الشهادات التي جُمعت خلال الفترة من يونيو 2024 إلى مارس 2025.
وأوضحت أن منهجية التحقيق ركّزت على تجارب المدنيين أنفسهم، باعتبارهم الفئة التي تحملت العبء الأكبر من الحرب، رغم التحديات التقنية والمالية وغياب التعاون الرسمي من جانب السلطات السودانية الذي عانت منه اللجنة.
وقالت اللجنة إنَّ التقرير يُعدّ من أكثر الوثائق الأفريقية وضوحاً في توصيف طبيعة الانتهاكات التي ارتكبت في السودان. فقد أشار إلى أن الحق في الحياة، وهو أساس جميع الحقوق، تعرّض لانتهاك صارخ من خلال القتل العشوائي والاغتيالات الميدانية والإعدامات الجماعية، خصوصاً في دارفور وغرب السودان، حيث سُجّلت هجمات ذات طابع عرقي ضد جماعات غير عربية.
واعتبرت اللجنة أن تلك الهجمات تُظهر نمطاً ممنهجاً من التطهير العرقي الذي يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي ويقوّض السلم الأهلي في البلاد.
وفيما يتعلق بـالكرامة الإنسانية، رصد التقرير ممارسات واسعة من التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة بحق المعتقلين والمحتجزين، بما في ذلك الضرب والخنق والاحتجاز في ظروف غير إنسانية.
وأكد أن هذه الممارسات اتخذت أحياناً طابعاً تمييزياً على أساس العرق والانتماء الجغرافي، في خرق فاضح للمادة الخامسة من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، التي تحظر التعذيب والإذلال.

العنف الجنسي المرتبط بالنزاع:
أما في ما يخص العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، فقد خلصت اللجنة إلى أن الاغتصاب الفردي والجماعي، والاستعباد الجنسي، والزواج القسري، والاستغلال الجنسي، أصبحت أدوات ممنهجة للحرب. وأشارت إلى أن النساء والفتيات في معسكرات النزوح ومناطق النزاع يتعرضن لأبشع أشكال العنف الجنسي والانتهاكات، وأن الأطفال أيضاً يقاسون من الاستغلال والتجنيد القسري وسوء التغذية والجوع. وعدّت اللجنة هذه الأفعال جرائم ضد الإنسانية تستوجب الملاحقة العاجلة أمام آليات العدالة الوطنية والدولية.
وشملت الانتهاكات أيضاً الحق في الحرية والأمن الشخصي، حيث وثّقت البعثة مئات الحالات من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، مؤكدة أن السلطات والميليشيات استخدمت هذه الممارسات كأدوات قمع لترهيب المدنيين وكمصدر للمساومة السياسية.
وفي السياق ذاته، سجل التقرير تراجعاً مقلقاً في الحريات الأساسية، إذ فُرضت قيود مشددة على حرية التعبير والصحافة والتجمع السلمي، وتعرض الصحفيون والناشطون للملاحقة والاحتجاز، بينما استُخدم حجب الإنترنت كوسيلة لقمع المعلومات والتغطية الإعلامية المستقلة.
كما تطرّق التقرير إلى القيود المفروضة على حرية التنقل وإيصال المساعدات الإنسانية، موضحاً أن أطراف النزاع عمدت إلى حصار المدن والمناطق السكنية وإغلاق الممرات الإنسانية ومنع المدنيين من النزوح إلى مناطق آمنة. وأشار إلى أن عمليات النهب الواسعة والتدمير الممنهج للبنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات وشبكات المياه أثرت بشكل مباشر على حياة الملايين من السكان، وتسببت في تفشي المجاعة والأوبئة.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
أكدت اللجنة أن الحرب دمّرت مقومات الحياة الأساسية، وأدت إلى انهيار التعليم والخدمات الصحية والاقتصاد المحلي. واصفة الأوضاع في مخيمات النزوح بأنها “كارثية بكل المقاييس”، حيث يعاني المدنيون من الجوع والعطش وانعدام المأوى والرعاية الطبية. أما الأطفال، فقد وثّقت البعثة حالات متعددة من التجنيد القسري في المعارك، إلى جانب استغلالهم في أعمال غير إنسانية وحرمانهم من التعليم والحماية، في انتهاك صارخ لميثاق حقوق الطفل الأفريقي.
وأشار التقرير كذلك إلى تصاعد الانتهاكات ذات الطابع العرقي، لا سيما ضد المجموعات غير العربية في إقليم دارفور، مؤكداً أن العنف العرقي الموجّه والتهجير القسري والإقصاء الممنهج من الخدمات يشكل خرقاً لحق المساواة وعدم التمييز المنصوص عليه في المادة الثانية عشرة من الميثاق.
وأكد أن هذه الممارسات تعكس استمرار سياسة الإفلات من العقاب التي تكرست في السودان منذ عقود، محذراً من أنها تهدد وحدة البلاد واستقرارها على المدى الطويل.
وتناول التقرير أوضاع الفئات الهشة مثل النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، مشيراً إلى أنهم يتحملون عبء النزاع دون أن يحظوا بالحماية الكافية. مؤكداً أن غياب البيانات والتوثيق حول معاناتهم يحول دون تقدير حجم الكارثة الإنسانية الحقيقية.
ودعا إلى إجراء تحقيقات شاملة لمعالجة هذا القصور كما شدّد على أن استمرار القتال في المدن والمناطق المأهولة يقوّض حق الشعوب السودانية في السلام والأمن والتنمية، وهو حق جماعي أصيل بموجب الميثاق الأفريقي.
من الناحية القانونية، خلصت اللجنة إلى أن الانتهاكات الموثقة تُخالف نصوص الميثاق الأفريقي واتفاقية كمبالا وبروتوكول مابوتو ونظام روما الأساسي، وتشكل انتهاكاً جسيماً لالتزامات السودان الدولية. وأكدت أن الدولة السودانية أخفقت في أداء واجبها بحماية الحقوق ومنع الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها، وأن هذا الإخفاق المتراكم أسهم في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب التي تشجع على تكرار الجرائم.



and then