السودان على شفا الانهيار الصحي: أوبئة وحميات قاتلة وأمهات وأطفال يموتون بصمت

حالات إصابة بالكوليرا تفترش الأرض في طويلة بشمال دارفور-يوليو 2025-راديو دبنقا
منتدى الإعلام السوداني
تقرير/ عائشة السمانى
الخرطوم، 8 أغسطس 2025، (شبكة إعلاميات) – يواجه السودان واحدة من أسوأ أزماته الإنسانية والصحية في تاريخه الحديث. إذ قادت الحرب الدائرة منذ 15 أبريل إلى انهيار شبه كامل في المنظومة الصحية، تاركة ملايين المواطنين في مواجهة الموت دون علاج، وسط تفشي الأوبئة، انعدام الدواء ونزوح الكوادر الطبية . حيث اوردت وزارة الصحة السودانية في تقرير أن 70% من المستشفيات والمراكز الصحية خارج الخدمة، في ولايات الخرطوم، دارفور، كردفان، الجزيرة وسنار، بالإضافة إلى بعض أجزاء النيل الأزرق والنيل الأبيض. وأكد التقرير تعطيل أكثر من 250 مستشفى في القطاعين العام والخاص.
وبينت الوزارة ان القتال الدائر أدى إلى خروج أكثر من 60% من الصيدليات والمخازن عن الخدمة، إما بالنهب أو التلف. وبسبب انقطاع خدمات صحة البيئة، تفشت الأمراض والأوبئة وازدادت حالات الإصابة بأمراض مثل الملاريا، الكوليرا وحمى الضنك، وفقا للتقرير.
كما أدت تداعيات الوضع الإنساني في البلاد إلى تدهور الوضع التغذوي، مما تسبّب في انتشار حالات سوء التغذية الحاد، خاصة بين الأطفال دون سن الخامسة. واضاف التقرير أن إجمالي خسائر قطاع الصحة في السودان قد بلغ نحو 11.04مليار دولار، تشمل المباني، الأجهزة والمعدات الطبية، الأثاث الطبي، سيارات الإسعاف والمتحركات والأدوية .
وجع الأمهات
في إحدى قرى ولاية الجزيرة، التي كانت حتى وقت قريب تضم عدداً من المستشفيات، روت لنا شقيقة فاطمة (اسم مستعار) حكايتها، تقول : ” بدأت فاطمة تشعر بآلام الولادة، لكن لم يكن في القرية أي مركز صحي أو قابلة مؤهلة.. فاضطرت للولادة في المنزل، وبعدها أصيبت بنزيف حاد.. ” . لم يكن أمام الأسرة سوى نقلها على عربة “ كارو”، في رحلة شاقة استغرقت نحو 12ساعة لتصل إلى أقرب مركز صحي . لكن فاطمة عند وصولها، كانت قد فارقت الحياة .
مأساة فاطمة ليست حالة فردية، بل تتكرر عشرات المرات في مناطق مختلفة من السودان، من دارفور إلى الخرطوم، حيث تفتقر النساء إلى الرعاية الصحية الأساسية، وتدفع الأمهات حياتهن ثمناً لانهيار النظام الصحي في ظل الحرب.
تفشّي أمراض مميتة
اخصائية الباطنية والأوبئة وعضو اللجنة التمهدية لنقابة أطباء السودان د. أديبة إبراهيم السيد، قالت ان البيانات الطبية سجلت مئات الإصابات بمرض السحائي في شرق السودان، الشمالية، أمدرمان، والجزيرة، أسفرت عن عشرات الوفيات. كما شهدت البلاد انتشاراً كارثياً للملاريا، حيث وصلت الإصابات لنحو 1847 الف حالة، فيما تجاوزت الوفيات 321 ألف حالة. وأشارت إلى وجود أكثر من 698 ألف مريض كلى لا يحصلون على الغسيل أو الأدوية، وملايين من مرضي الأمراض المزمنة، مثل الضغط والسكري يعانون من شح الأدوية وانعدام الأنسولين وأدوية الغسيل .
وكشفت د. أديبة عن تسجيل 890 حالة إصابة مؤكدة بحمى الضنك في الخرطوم وأم درمان، إلى جانب انتشار الملاريا بمختلف أنواعها على نطاق السودان، والكثير من حالات الوفاة. وأضافت أن حالات كثيرة من حمى الشيكونغونيا ظهرت كذلك في البلاد، إضافة إلى انتشار الكوليرا التي حصدت اكثر من 316 الف شخص.
حميات مجهولة
أما في ولاية الجزيرة، فأشارت د. أديبة إلى ظهور حميات مجهولة الهوية في منطقة أبو عشر والقرى المجاورة بمحلية الحصاحيصا (على بعد 100كيلومتر تقريباً من الخرطوم)، حيث يفقد المصابون حياتهم خلال يوم أو يومين فقط. وقالت إن الوفيات اليومية تتراوح بين 5 إلى 6 أشخاص، موضحة أن الأطباء نفوا أن تكون هذه الحالات مرتبطة بحمى الضنك بعد الفحوصات الطبية.
ولفتت إلى أن المنطقة تعاني أيضاً من انقطاع الكهرباء ومشكلات في المياه، إلى جانب تسرب من شبكات المياه المكسورة، ما يرجح أن يكون عاملاً في تلوث مياه الشرب. وأكدت أن الأهالي قاموا برفع مذكرة لوالي الجزيرة لمخاطبة السلطات الرسمية بهذا الوضع، وفي انتظار صدور بيان توضيحي من الجهات الصحية المختصة.
واضافت ان السودان يعانى من انتشار أنواع من الحميات، وأمراض الطفولة تنتشر على نطاق واسع، بينما يفاقم انقطاع الكهرباء، تلوث المياه، وتكدّس النفايات من معدلات العدوى، خصوصًا في مناطق النزوح والمخيمات. وقد حذرت وزارة الصحة السودانية ومنظمة الصحة العالمية من تفشّي أمراض خطيرة بينها الكوليرا (أكثر من 316 ألف إصابة)، حمى الضنك (نحو 576 ألف إصابة)، إضافة إلى الملاريا والسل وسوء التغذية .
وفى ذات السياق قالت منظمة الصحة العالمية إن الوضع الإنساني اصبح معقد ومتفاقم بسبب الهجمات على المرافق الصحية، لا يزال يعيق التدخلات الصحية الحيوية، بما في ذلك الاستجابة للكوليرا والحصبة وسوء التغذية. وأفادت المنظمة بتسجيل ما يقرب من 60 ألف حالة إصابة بالكوليرا في السودان، ما أسفر عن أكثر من 1640حالة وفاة، . وأضافت المنظمة أن الملاريا والتهابات الجهاز التنفسي الحادة وسوء التغذية والإسهال المائي الحاد لا تزال أكثر الحالات الصحية شيوعاً
نساء وأطفال تجاوزوا حافة الخطر
اوضحت د. أديبة أن النساء يتحملن العبء الأكبر للأزمة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون إمرأة حامل محرومات من الرعاية قبل وأثناء الولادة، في وقت ارتفعت فيه معدلات الولادات غير الآمنة، النزيف، والوفيات أثناء الوضع. وسوء التغذية للنساء الحوامل والمرضعات، هنالك 176 ألف إمرأة حامل يعانين من سؤ التغذية، و 850 الف مرضعة، 45 ألف طفل ماتوا من سؤ التغذية منذ بداية الحرب وحتى الآن. وبلغت الوفيات في حالة الوضوع 680 الف امرأه حامل وأكثر، وايضا هنالك اكثرمن 54 ألف إمرأة يعانين من سوء التغذية ومرض السل جراء الحصار المفروض على جنوب كردفان .
وفي ذات المنحى أكد وزير الصحة السوداني أن معدل وفيات الأمهات إرتفع إلى 295 وفاة لكل 100ألف ولادة، فيما بلغت وفيات الأطفال 51 وفاة لكل ألف مولود، محذّرًا من “انهيار كامل للنظام الصحي إذا لم يتم التدخل العاجل”.
وفي ذات السياق أفادت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات محلية عاملة في السودان بأن أكثر من مليون امرأة حامل محرومات من الرعاية الصحية قبل وأثناء الولادة، فيما خرجت نحو 90% من المستشفيات عن الخدمة، وأعلنت عشرات المنظمات الإنسانية تعليق عملياتها في عدد من المناطق المتضررة.
ومن جانبها كشفت منظمة أطباء بلا حدود عن تسجيل أرقام صادمة من وفيات الأمهات وحديثي الولادة في جنوب دارفور، موضحة توثيق 46 حالة وفاة للأمهات و48 حالة وفاة لحديثي الولادة خلال أشهر قليلة، معظمها بسبب نقص الرعاية.
نداءات استغاثة
طالبت غرفة الطوارئ الصحية (التي أنشأها أطباء داخل وخارج السودان) ومنظمات المجتمع المدني السوداني، بفتح ممرات إنسانية آمنة، توفير الأدوية الأساسية، دعم خدمات الأمومة والطفولة، حماية النساء والفتيات من العنف الجنسي، وإنشاء مراكز أمومة وطفولة بديلة في مناطق النزوح، مع تنسيق وطني ودولي لإنهاء الحرب واستعادة الخدمات الصحية.
وتطالب الجهات الطبية المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية، بالتدخل العاجل، توفير الأدوية، دعم مراكز الغسيل، تأمين رعاية الأمومة والطفولة، وتطهير بيئات النزوح من مصادر العدوى، محذرة من أن استمرار الحرب سيدفع بكارثة إنسانية أوسع قد تودي بحياة الآلاف في الأشهر المقبلة.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (شبكة إعلاميات)، والتي تكشف الانهيار شبه الكامل للقطاع الصحي في السودان نتيجة الحرب، حيث خرجت معظم المستشفيات والصيدليات عن الخدمة وتردت البيئة وتفشت الأوبئة والحميات القاتلة في النواحي. و وقع العبء الأكبر لذلك التردي على شرائح النساء والأطفال، فارتفعت معدلات وفيات الأمهات والأطفال بشكل صادم. ما ينذر بأن استمرار الوضع والحرب، يؤدي لكارثة إنسانية تحصد مزيد من أرواح الآلاف.
