السودان دولة مختطفة: قمة عنتبي تبحث المساءلة والشفافية

قمة السودان للنزاهة التي انعقدت في عنتبي الأوغندية-اكتوبر 2025-راديو دبنقا

عنتبي: أمستردام : الإثنين 20 اكتوبر 2025: راديو دبنقا

انعقدت اليوم الإثنين في فندق Speke Resort بمدينة عنتبي الأوغندية أعمال قمة السودان للنزاهة 2025، التي ينظمها مركز المشاريع الدولية الخاصة CIPE بمشاركة أكاديميين وصحفيين وناشطين وسيدات ورجال أعمال، تحت شعار: “بناء المساءلة والشفافية والسلام في خضم الصراع”.


وتناولت القمة خلال يومها الأول موضوعات الفساد وعلاقته بالصراع، من الأسباب والعواقب إلى تأثيره على ديناميكيات النزاع، فيما خصصت الجلسة الثانية لبحث دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام كحراس للنزاهة. وناقشت الجلسة الثالثة بناء المؤسسات الخاضعة للمساءلة في الدول المهمشة، وتركزت الجلسة الرابعة على أخلاقيات الأعمال والنزاهة ورفع المعايير في الاقتصاد السوداني، أما الجلسة الخامسة فكانت حول العقوبات والانفاذ ودورها في الإصلاح، فيما تناولت الجلسة السادسة والأخيرة موضوع الشفافية كحجر زاوية لضمان الوصول إلى المعلومات أثناء الصراع وفترة التعافي.

شجاعة الصحفيين وبروز تحالفات مكافحة الفساد

اعتبرت مديرة مكتب صايب في السودان، شذي المهدي إن المنظمة عملت لسنوات بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني عديدة في مجالات مكافحة الفساد والانتقال الديمقراطي، مشيرة إلى أن السودان كان من أكثر الدول التي تلقت تمويلاً من صندوق دعم الديمقراطية خلال السنوات الخمس الماضية.


وأشادت المهدي بشجاعة الصحفيين والصحفيات الاستقصائيين الذين يعملون في ظروف وصفتها بأنها “أقل ما توصف بالخطرة”، من أجل تمليك المواطنين للمعلومات. وأضافت:”حتى لو لم نخرج من هذه الجهود إلا بهذا التحالف بين الصحفيين والمجتمع المدني، فإننا نكون قد أنجزنا الكثير”.


وأكدت أن ثمرة هذا التعاون تمثلت في تشكيل التحالف السوداني لمكافحة الفساد، بهدف توسيع قاعدة المهتمين بمكافحة الفساد وبناء منظومة شفافة ومستدامة للمساءلة.

الإعلام بين الفساد والاحتواء


من جانبه، قال نقيب الصحفيين السودانيين عبد المنعم أبو إدريس إن للإعلام دورًا حاسمًا في مكافحة الفساد، إلا أن هناك أسبابًا هيكلية تحد من فاعليته، أبرزها طبيعة ملكية المؤسسات الصحفية.


وأوضح أن معظم وسائل الإعلام في السودان مملوكة لأسر ، رغم أن القانون ينص على أن تكون شركات مساهمة عامة، وهو ما يجعلها عرضة لتضارب المصالح مع السلطة ومراكز النفوذ.


وأشار إلى أن ضعف القدرات المهنية في مجال التحقيقات الاستقصائية يمثل عقبة أخرى، حيث لا يمتلك سوى عدد محدود من الصحفيين الأدوات اللازمة لهذا النوع من العمل الصحفي، خاصة في ظل صعوبة الوصول إلى المعلومات التي بدأت منذ عهد البشير وتفاقمت بعد انقلاب 25 أكتوبر ثم اندلاع الحرب.


وأضاف أبو إدريس أن طرفي النزاع حاولا احتواء الإعلام وتوظيفه لخدمة رؤيتهما، بل وصلت محاولات الفساد إلى داخل الوسط الصحفي نفسه، حيث ظهرت شلليات ومجموعات تدافع عن أشخاص ومصالح محددة. وقال: “نحن بحاجة اليوم إلى مكافحة الفساد داخل الإعلام ذاته، حتى نتمكن من جعله أداة فعالة في مواجهة الفساد العام”

الفساد المنظم وتمكين الاقتصاد العسكري


وصف رئيس المجموعة السودانية للشفافية، الدكتور سليمان بلدو نظام الإنقاذ باللصوصي المحمي بالأجهزة الأمنية مشيرًا إلى أن ممارسات الفساد المؤسسي استمرت خلال الفترة الانتقالية وحتى اندلاع الحرب.


وأوضح بلدو أن هيئة الصناعات الدفاعية تمثل نموذجًا لشركات الدولة التي تدار فعليًا بواسطة القوات المسلحة، وتعمل كمورد مالي رئيسي للمؤسسة العسكرية خارج إطار الحكومة. وأضاف أن قوات الدعم السريع بدورها أسست منظومة اقتصادية ضخمة عبر شركات مثل “الجنيد”، التي تولت تنفيذ معظم العقود التابعة للدعم السريع.


وأكد بلدو أن الصراع بين الجيش والدعم السريع تحوّل إلى تنافس اقتصادي محموم، خاصة بعد مشاركتهما في حرب اليمن، حيث أسس الطرفان بنوكًا ومؤسسات مالية خاصة. وقال إن الدعم السريع أصبح حامي المصالح الاقتصادية الإماراتية في السودان، بينما استحوذ الجيش على مؤسسات مثل “زادنا” وجعلها تابعة للهيئة الخيرية للقوات المسلحة.


وأضاف أن 82٪ من موارد الدولة خارج ولاية وزارة المالية، وتديرها الشركات العسكرية والأمنية دون رقابة، مشددًا على أن الحرب الحالية تدور في جوهرها حول هذه الموارد.
وقال : المعركة القادمة بين الجيش والدعم السريع ستكون حول ملف إعادة الإعمار مشيرًا إلى تحركات الشركات العسكرية لعقد شراكات مع روسيا ومصر والصين في هذا المجال. وختم بالقول: ما لم تخرج الأجهزة الأمنية والعسكرية من الاقتصاد، فلن تتوقف الحرب في السودان، والسؤال: أين مكان المدنيين من كل هذا؟”.

الحرب صراع على الموارد


وأوضح الخبير الاقتصادي أحمد أبو سن أن الحرب الدائرة في السودان هي في جوهرها صراع على الموارد وليس صراعًا أيديولوجيًا مؤكدًا أن الفساد في قطاعات الذهب والموارد الطبيعية يمثل أحد الأسباب الرئيسة لاستمرار القتال.


وأشار إلى أن أطراف النزاع استغلت حتى المساعدات الإنسانية كأداة للفساد حيث يتم بيعها في الأسواق لتمويل الحرب وكسب الحلفاء، بينما لا يستفيد منها المواطنون المستحقون.


وقال إن إعادة الإعمار ستكون بدورها ساحة جديدة للفساد ما لم تبدأ الإصلاحات الآن، داعيًا إلى إصلاح المؤسسات المنهارة ومواجهة مقاومة المستفيدين من استمرار الفساد.

الفساد كمنظومة تمويل للحرب


فيما قدمت المديرة التنفيذية للمجموعة السودانية للديموقراطية أولاً أميمة قطبي، قراءة تحليلية ربطت فيها بين الفساد والبنية التحتية للحرب، ووصفت الفساد بأنه “منظومة غير مرئية” تموّل الصراع عبر شبكات محلية وإقليمية ودولية.


وقالت قطبي إن الفساد في السودان ليس ظاهرة محلية فقط، بل هجين عابر للحدود، يتقاطع فيه رأس المال السياسي والاقتصادي مع المصالح الإقليمية، مؤكدة أن الذهب والسلاح والتسهيلات التجارية تُستخدم كعملات نفوذ في تمويل المليشيات المسلحة.


وأضافت أن اغلاق قنوات الفساد شرط أساسي لوقف الحرب، معتبرة أن “الفساد أصبح أداة جيوسياسية لإعادة تشكيل النفوذ في الإقليم”.

السودان دولة مختطفة والسلاح فوق القانون


من جانبه اعتبر أستاذ السياسة العامة والإدارة بجامعة لونغ آيلاند بنيويورك بكري الجاك أن السودان دولة مختطفة، تُدار وزاراتها مثل وزارة الخارجية، من خارج الجهاز التنفيذي. وقال إن ما يجري حاليًا هو “محاكمة في الشكل فقط”، مؤكدًا أنه لا يمكن الحديث عن مساءلة حقيقية في ظل هذا الوضع.


وأوضح أن سيادة حكم القانون وفصل السلطات هما أساس أي بناء دستوري، إلا أن الواقع السوداني اليوم تحكمه قوة السلاح لا سلطة القانون واردف: “من يحمل السلاح لا يُحاسب، ومن لا يملكه يخضع للمساءلة.”


وأكد أن إيقاف الحرب يمثل المدخل الحقيقي لبناء مؤسسات مساءلة فاعلة، مشيرًا إلى أن مشاريع الإعمار نفسها قد تتحول إلى واجهة جديدة للفساد، حيث “يمكن تشييد جسر في ثلاثة أيام وتحويل الأموال إلى الخارج”.
ودعا إلى إشراف خارجي مؤقت على عمليات الإعمار إلى حين استعادة الدولة قدرتها المؤسسية، قائلاً إن السودان يعيش الآن مرحلة “التعايش مع الضرر”، والفساد ما يزال خارج المساءلة.

Welcome

Install
×