الخبرة الإسرائيلية تحت امر جنرالات السودان.. تقنيات التجسس المتطورة (بيغاسوس) و(الذئب الأزرق) هل تم إدخالها للسودان؟!

بعد المجزرة الأخيرة التي نفّذتها أجهزة الأمن السودانية ضد المتظاهرين في مليونية 17 يناير2022وصعود اتجاه العصيان المدني ومقاومة الحكم العسكري وصل وفد إسرائيلي إلى العاصمة السودانية الخرطوم ، واستقبل، كما تقول مصادر عديدة، من قبل قادة الصفّ الأول في المنظومة الحاكمة المنقلبة.

محـمد أحمد الجاك

 

 بقلم : محـمد أحمد الجاك

 

بعد المجزرة الأخيرة التي نفّذتها أجهزة الأمن السودانية ضد المتظاهرين في مليونية 17 يناير2022وصعود اتجاه العصيان المدني ومقاومة الحكم العسكري وصل وفد إسرائيلي إلى العاصمة السودانية الخرطوم ، واستقبل، كما تقول مصادر عديدة، من قبل قادة الصفّ الأول في المنظومة الحاكمة المنقلبة.

رغم السرّية التي تحيط بالزيارة، كما هو حال زيارات الوفود الإسرائيلية السابقة، فإن ما هو مؤكد أن ضباط الجيش الإسرائيلي والمخابرات لا يزورون الخرطوم لمناقشة المبادرة الأممية للحلّ، أو دعم الضغوط الدولية على المنظومة الحاكمة، أو لنصح عبد الفتاح البرهان وحميدتي بوقف آلة القتل وقمع المحتجين، فهذه الشؤون ليست من (اختصاص) الحكومات الإسرائيلية، وذلك لأن مكان منظومة الاحتلال والاستيطان والعنصرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هو مع منظومة الاستبداد والطغيان والعداء لشعوب المنطقة العربية وانتفاضاتها الساعية لأنظمة ديمقراطية.

حوّلت السلطات الإسرائيلية خبرتها في القمع المبرمج إلى مدرسة عالمية ينهل منها طلاب الاستبداد في كل مكان، وتحوّلت آخر إضافاتها في المجال الرقميّ، وهو برنامج (بيغاسوس) للتجسس على الهواتف والإنترنت، إلى فضيحة عالمية كبرى، لا تزال تداعياتها مستمرة حتى الآن، والظاهر أن بعض هذه التطبيقات المتقدمة قد وصل إلى السودان للمساهمة في التعرف على المحتجين والبطش بهم.

تستعمل السلطات الإسرائيلية الكاميرات كأداة مراقبة أمنية، وقد ساهمت في تطوّر تقنية التعرف على معالم الوجوه، التي تستخدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، كما أنها أضافت إليها تقنية سمتها (الذئب الأزرق) ويستخدمها عناصر الأمن والجنود الإسرائيليون لالتقاط صور الفلسطينيين لإضافتها على قواعد بيانات الصور، وحسب الصحيفة العبرية اليسارية (هآرتس) فإن السلطات الإسرائيلية قدّمت حوافز مالية للجنود ورجال الأمن لمن يصوّر أكبر عدد من الفلسطينيين بهاتفه الجوال، وبذلك تضخمت تلك القواعد بشكل هائل وصارت يتم الرجوع إليها لتنفيذ اعتقالات، بل إن هذا البرنامج يعطي تنبيهات لونية حول الأشخاص المطلوب أسرهم.المهمة تقتضي تنفيذ الجنود لعملية تسمى (التعقب القريب) هدفها تصوير الوجوه باستخدام تطبيق خاص على الهاتف الخلوي خلال جولاتهم الروتينية وعند الحواجز العسكرية المنتشرة فيها. حيث يتم ذلك من دون الحصول على موافقة أولئك الذين يتم تصويرهم. وجاءت فكرة “الذئب الأزرق” من مشروع “المدينة الذكية” الذي يطبق بالخليل عبر كاميرات المراقبة المنتشرة في جميع الأحياء السكنية التي ترصد وتتعقب الفلسطينيين على مدار الساعة وتوثق تحركاتهم حتى داخل منازلهم، وجمع معلومات عنهم بالمنظومة المحوسبة لكاميرات المراقبة. ويمكن عبر (الذئب الأزرق) جمع المعلومات عن أي فلسطيني عبر الماسح الضوئي الذي يمكن مسح وجه الشخص أو الرمز الشريطي الممغنط الموجود على بطاقة الهوية الشخصية، وتحويل المعلومات إلى المنظومة المحوسبة لسلطات الاحتلال التي تتم الاستعانة بها أيضا لإصدار التصاريح.

تكمن خطورة مثل هذه التطبيقات والبرامج في أنها يمكن عن طريقهاحتى قبل أن تصل للجنود ودون معرفتك، بمجرد مسح ضوئي لصورتك تظهر بياناتك وتفاصيلك الشخصية على هاتف الجندي، وهو ما يجعلك عرضة لمخاطر من شأنها أن تصل إلى حد الاغتيال والتصفية، حيث تتعرض لمحاكمة ميدانية من الجندي لمجرد نشاطك وتوجهاتك السياسية وانتمائك الحزبي.

وتحتوي المنظومة المحوسبة التي يتم ربطها بتطبيق (الذئب الأزرق) على المزيد من المعلومات المتعلقة بالتصاريح للشخص وإذا كان محظورا من التنقل والاقتراب من المستوطنات، أو لديه مخالفات أمنية، كما أنه يتم تحديث المنظومة بالبيانات عن الشخص عبر التطبيق الجديد، وكذلك إلغاء التصاريح والتحكم فيها حتى من دون إبلاغ صاحب التصريح. التطبيق يضم الصور الملتقطة إلى قاعدة بيانات تزود جنود الاحتلال بمعلومات عن الفلسطيني الظاهر في الصورة عن بعد وحتى قبل أن يقدم بطاقة التعريف الخاصة به إليهم.

على هذه الخلفيّة يتوقع متابعون للشأن السوداني أن (مليشيات السحل السريع )تعمل حاليا على استنساخ تجارب إسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين لتطبيقها على المحتجين السودانيين، ومن ذلك استخدام التقنيات الرقمية للتجسس والمراقبة والتعرف على الوجوه وتجميع بيانات واسعة للسودانيين بهدف استخدامها في قمع الانتفاضة الجارية، وهناك حديث عن الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في تدريب قوة استخبارية خاصة بالدعم السريع تستنسخ عمل (الوحدة 8200) التابعة للمخابرات العسكرية الإسرائيلية. يتجاوز السعي المحموم لقيادات عربية (كما هو حال مجموعة السودان العسكرية الحاكمة الآن بقوة السلاح، والجنرال خليفة حفتر الليبي الذي أرسل طائرته الخاصة مجددا إلى تل أبيب الأسبوع الماضي) لتأمين الدعم الإسرائيلي لها «الإعجاب» بأدائها الأمني ضد الفلسطينيين. يتعلّق الأمر بالأحرى برؤية تلك القيادات إلى أنفسها باعتبارها قوى احتلال واستيطان، والنظرة إلى آمال السودانيين، أو الليبيين، أو السوريين، بطريقة نظرة ضابط الجيش أو الموساد الإسرائيلي إلى الفلسطينيين!، الأمر لم يعد استقواء بحكام إسرائيل على الشعوب العربية بل تماهيا مع رؤية أولئك الحكام لأنفسهم، ولا يبدو أن حقيقة أن أولئك القادة هم من جنسيات شعوبهم، وليسوا كحال المستوطنين اليهود مع الفلسطينيين من أصحاب الأرض، تمثل فارقا فعليا، فالواضح أن المسألة الوطنية صارت خارج حساب معادلات الحكام العرب مع الشعوب الثائرة عليهم.

من (جهة أخرى) .. بشأن ملامح التفاعلات السياسية المتوقعة مما لا شك فيه أن توسع المظاهرات الرافضة للانقلاب وتواترها في السودان، التي أعقبت استقالة رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبدالله حمدوك، قد فرض واقعاً جديداً على المستوى السياسي والميداني السوداني، الذي يتسم حالياً بطابع المواجهة المفتوحة، بين المكون العسكري في المجلس السيادي، والشارع السوداني وقواه السياسية والشبابية، ومما لا شك فيه أيضاً أن المعطيات الراهنة في السودان، الناتجة عن هذه المواجهة ستفرض تأثيرها المباشر في بعض ملامح التفاعلات السياسية المستقبلية المتوقعة، وفي طبيعة التدخلات الدولية والأممية في الأزمة السودانية المتنامية.

طبعاً هذا الواقع المعقد بكلياته وجزئياته، يضع أمامنا مجموعة من ملامح التفاعلات السياسية المستقبلية المتوقعة، لعل أبرزها أن لجان المقاومة الشبابية، وتجمع المهنيين السودانيين، سيلعبان دوراً بارزاً في تشكيل المشهد السياسي المستقبلي في السودان، على اعتبار أن هذه الأطراف كانت وما زالت لاعباً أساسياً في جميع مراحل المشهد السوداني، وتملك من التأُثير والنفوذ في الشارع السوداني ما يمكنها من لعب هذا الدور. ومن الملامح المهمة التي يمكن التوقف عندها أيضاً، هو أن مستقبل عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي – لأكثر من سنتين – قد أصبح على المحك، واحتمالية اختفائه من المشهد السياسي السوداني تزداد، على اعتبار أن هذا الرجل كان المسؤول الأول عن عرقلة عملية التحول الديمقراطي في السودان، برفضه تسليم قيادة مجلس السيادة الانتقالي إلى المكون المدني، بعد انقضاء فترة المكون العسكري، كما نص على ذلك الاتفاق السياسي الموقع بين الطرفين عام 2019. كذلك يمكن القول إن محاولة المكون العسكري في مجلس السيادة الانتقالي، في تعيين أي شخص جديد لتولي رئاسة الوزراء بدلاً من حمدوك، ستزيد الأزمة السياسية في السودان اشتعالاً، على اعتبار أن أي سياسي يتولى حكومة بقيادة الجيش، لن يحظى بمصداقية من الشارع، في حين أنه من الصعب الحفاظ على الوضع الراهن لحين إجراء الانتخابات عام 2023، في ظل الانسداد السياسي، وانعدام للثقة وغياب المرجعيات الدستورية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وسقوط المزيد من القتلى، نتيجة الإفراط في استخدام العنف ضد المتظاهرين الثوار.

في ضوء هذه الملامح وغيرها، يمكن القول إن محاولة إيجاد حل للأزمة السياسية السودانية تكتنفه معضلتان أساسيتان، تتعلق الأولى بانقسامات المكون المدني، وصراعاته وغياب الرؤية المستقبلية لدى قواه، وهذا الأمر بدأ واضحاً في كثير من المواضع، التي أعقبت انقلاب البرهان على الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر الماضي، وتتعلق الثانية بتمسك المكون العسكري بموقعه في السلطة، وتضامنه وسعيه إلى تعميق انقسامات المكون المدني، فتحركات المكون العسكري بدءاً من اللحظات الأولى للإطاحة بنظام عمر البشير، وحتى الوقت الراهن، لا يمكن فصلها في أي شكل عن الأشكال عن السياق التاريخي السوداني المعاصر، الذي يُظهر خضوع السودان منذ استقلاله عام 1956 حتى سقوط نظام البشير عام 2019 لـ55 عاماً، لحكم العسكر عبر ثلاثة انقلابات ناجحة (النميري وعبود والبشير) مقابل 7 سنوات فقط من الحُكم المدني. لذا، من المتوقع أن يلجأ المكون العسكري في مجلس السيادة، وفي سبيل استغلال هذا الوضع إلى خيارين اثنين، الأول اللعب على موضوع انقسام القوى السياسية المدنية وتشتتها لصالحه، في اتصالاته مع المجتمع الدولي ،لاسيما وأن هذه القوى لم تتمكن من التوصل إلى إجماع سياسي على طرح ميثاق سياسي واحد حيال تحديات الأزمة السودانية، في وقت أن المبادرة التي أعلنت عنها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) بقيادة فولكر بيرتيس تعترف بالمكون العسكري، بوصفه طرفاً رئيسياً في المفاوضات، مقابل مجاميع القوى المدنية غير المتفقة حتى الآن، الأمر الذي قد يفتح المجال واسعاً لتقبل المجتمع الدولي بقاء المكون العسكري في قيادة مجلس السيادة الانتقالي لحين انتهاء الفترة الانتقالية، بحجة الحفاظ على الاستقرار في السودان، والثاني الاستثمار في هذا الانقسام وزيادته، مع الرهان على تعب الشارع وتململه، والاستمرار في استخدام القوة والحل الأمني لترهيبه، مع محاولة اختيار شخصية مدنية من قوى المعارضة لتولي منصب رئيس الوزراء ، في ظل وجود بعض القوى المدنية التي لديها استعداد للتعاون مع المكون العسكري، والقبول بصيغة الحكم المشتركة، وهنا يرى العديد من المتابعين أن قرار مجلس الدفاع والأمن القومي السوداني، بتشكيل قوة خاصة لمكافحة (الإرهاب)ومجابهة التهديدات المحتملة، هو أحد المؤشرات على إصرار المكون العسكري على الاستمرار في تعامله الأمني مع تعقيدات المشهد السوداني خلال الفترة المقبلة وصولاً لهدفه المنشود.

في سياق ما سبق، يبدو أن ملامح التفاعلات السياسية المستقبلية المتوقعة في السودان، ستكون مفتوحة على الاحتمالات والسيناريوهات كافة، خصوصاً بعد تسارع الأحداث التي أعقبت مقتل سبعة متظاهرين خلال مليونية 17 يناير، وإعلان قوى ثورية وتجمعات مهنية الدخول في عصيان مدني لمدة يومين، كإجراء تصعيدي جديد، اعتراضاً على الإفراط في استخدام العنف ضد المواطنين من قبل القوى الأمنية والعسكرية، الأمر الذي يدفع للتأكيد مجدداً على أن لجان المقاومة الشبابية، والتجمعات المهنية ستكون اللاعب الأبرز حضوراً وتأثيراً في كل الاحتمالات والسيناريوهات المتوقعة، وستُشكل نقطة التوازن الحرجة فيها، على اعتبار أنه يقع على عاتقها حالياً جزء مهم من عبء تشكيل المشهد السياسي المستقبلي في السودان، بعد تضاؤل فرص نجاح المبادرة الأممية، التي أصبحت غير مقبولة من قبل قطاعات شعبية عريضة، رافضة لمبدأ الحوار مع المكون العسكري بعد تغوله في استخدام القوة والعنف ضد المتظاهرين، وسقوط العديد منهم خلال الأيام القليلة الماضية.

أثبت الحراك الشعبي السوداني أنه يتحلّى بالمؤهلات الموصوفة مهما وردت من تباينات في صفوفه. فقد بقيت أهداف ومطلوبات الحراك حريصة على إنجاز الانتقال الديمقراطي ولو اختلفت الآراء داخلها على سبل إنجازه، وقد تكفّلت التجربة بأن تعيد توحيدها في ميدان النضال ضد الطغمة الانقلابية التي لا حنكة السياسية لديها على الإطلاق (وكيف تكون محنّكة وقد وصلت إلى مناصبها في ظلّ نظام البشير العفن) بحيث لم تنجح سوى في ألب كافة الديمقراطيين، حتى أقصاهم (اعتدالاً) على نفسها. كما أن مشروعية الحراك الشعبي السوداني جليّة جلاءً تاماً، يثبتها كل يوم احتشاد الجماهير الغفيرة احتجاجاً على الانقلاب بالرغم من أساليب القمع الشنيعة التي تتعرّض لها.

أما الحلقة الناقصة التي لا بدّ منها كي يكتمل مسلسل الانتقال الديمقراطي، فهي أن يُخاطب الحراك الشعبي، قيادة وقاعدة، وبصورة مباشرة وعلانية أفراد القوات المسلّحة النظامية ويحثّهم على الالتحاق بالحراك رغم أنف قادتهم. ولن نكلّ عن أن نردّد أن مصير الثورة السودانية إنما يتوقف على نجاح الحركة الشعبية في كسب عطف الجنود والضباط الوطنيين الذين يرون أن واجبهم هو الذود عن الشعب وليس تمكين زمرة الجنرالات مصاصي دماء هذا الشعب، بما فيه أبنائه الذين يرتدون البدلة العسكرية.

أسئلة تتردد أكثر من مرّة في وعي الشعوب السطحي أو في وعيها الباطن: لماذا تقدّم الآخرون وبقينا نحن في ذيل الأمم؟ لماذا لا تنجح الثورات ولماذا تفشل الإصلاحات ولماذا لا يُزهر غير الانقلاب والاستبداد في بلادنا؟!لمـاذا؟!، بلا شك أن الجاني فاعل ذاتي لا يتعلق بأسباب الفشل الموضوعية اجتماعية كانت أم سياسية أم اقتصادية بل يتمحور حول الإنسان السوداني نفسه في بنيته السلوكية وفي ردود أفعاله. يتأسس هذا الموقف على جرد ذاتي لمواقف النخب والجماهير السودانية خلال الثورات وبعدها وخاصة في ذروة الفعل الانقلابي.

سماء الخرطوم لا تعرف الاسرار .. برهان يهدد حميدتي .. وحميدتي يهدد البرهان!! والانفاس الحارة تتصاعد في الاجتماع ، برهان طلب من حميدتي اخراج مليشياته من الخرطوم ومعها الحركات المسلحة وحميدتي يرفض ويهدد بأنه سيحرق الخرطوم ومخابرات السيسي تنقل الاخبار الي القاهرة فيهرول السيسي الي الخرطوم لبحث وساطة بين الطرفين ولبحث ملف عزلة مصر الذي تسبب فيه ترس الشمال.فهل لاحت نذر المواجهة بين الجيش وقوات السحل السريع؟!.

مخرج:-

((تمتلئ صدور الأبطال بالرصاص وتمتلئ بطون الخونة بالأموال، ويموت من لا يستحق الموت على يد من لايستحق الحياة.))