التجنيد القسري في السودان: انتهاك واسع النطاق في ظل الحرب

جنوب في الدعم السريع

جنوب في الدعم السريع خلال مخاطبة لقائد القوات محمد حمدان دقلو-يونيو 2025-إعلام الدعم السريع

منذ اندلاع النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وحلفائهما في أبريل 2023، تصاعدت عمليات التجنيد القسري للشباب والرجال في مختلف أنحاء السودان لتعويض الخسائر البشرية الفادحة التي تكبدتها الأطراف المتقاتلة، لا سيما في العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وكردفان والجزيرة، إضافة إلى مناطق الشمال والشرق.

وأشارت تقارير متواترة في وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية إلى أن أجهزة الاستخبارات العسكرية والشرطة العسكرية التابعة للجيش السوداني نفذت مداهمات على المنازل والأسواق والمساجد ومقار سكن النازحين، خصوصًا في مدن مثل دنقلا وشندي وبورتسودان، لاختطاف شباب بالقوة وإرسالهم إلى معسكرات تدريبية.

في المقابل، نفذت قوات الدعم السريع حملات اعتقال جماعية في مناطق سيطرتها بالخرطوم والجزيرة سابقًا ودارفور، استهدفت شبابًا نازحين أو عالقين في الأحياء السكنية، وأُجبروا على حمل السلاح بعد تهديدهم أو تعذيبهم.

وأفادت شهادات بأن الدعم السريع يحتجز المدنيين في مقار مهجورة، من مدارس ومصانع، حيث يُعرض عليهم القتال مقابل المال أو يُجبرون على الانضمام بالقوة تحت التعذيب أو التهديد بالقتل. وروى بعض الناجين كيف تم تهديدهم بإيذاء أفراد أسرهم في حال رفضوا التجنيد.

ووثّقت منظمات دولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية والمركز الإفريقي لدراسات السلام والعدالة، حالات عديدة من التجنيد القسري، مطالبة بفتح تحقيق دولي مستقل بشأن هذه الانتهاكات وتقديم المسؤولين عنها للعدالة.

وقال مواطنون من مناطق العمليات العسكرية إن زعماء القبائل والعشائر يُجبرون على تقديم شباب مناطقهم للقتال لصالح مختلف أطراف الحرب، إما للحصول على المساعدات الغذائية التي يحتاجها سكان مناطقهم، أو لحماية قبائلهم ومناطقهم من التهديدات المسلحة المباشرة للأطراف المتقاتلة.

النهب المنظم وتحويل الغذاء إلى أداة حرب

أفادت صحيفة إندبندنت عربية في تقرير بتاريخ 27 يوليو 2024 أن قوات الدعم السريع استولت على مخازن تجارية في مناطق متفرقة من وسط السودان، لا سيما في الحصاحيصا وسنار، وأعادت توزيعها ضمن ما يُعرف بـ”الولاء الغذائي”. إذ يُمنح الغذاء فقط للمجندين الجدد أو لمن يُظهر دعمه العلني للقوات.

وقال ناشط للصحيفة: “الغذاء يُستخدم كسلاح نفسي في الحرب. عندما ترى عائلتك جائعة، ويعرض عليك أحدهم الطعام مقابل حمل السلاح، فالكثيرون لن يملكون رفاهية الرفض”.

وأكدت المصادر ذاتها أن قوات الدعم السريع، ومنذ دخولها الولاية في سبتمبر 2023، ظلت تطلب من الشباب في المدن والقرى الانضمام إلى صفوفها بحجة تكوين كتائب لحماية مناطقهم، كما مارست ضغوطًا لإجبارهم قسرًا عبر حجب الإمدادات الغذائية والدوائية عن قراهم وأسرهم.

ولجأت القوات في بعض مناطق سيطرتها إلى إبرام اتفاقات مع بعض رجال الإدارة الأهلية لضمان عدم المساس بأمن مناطقهم، مقابل التعاون معها في تجنيد شبابها وتسهيل حركة المواطنين والسلع.

وفي كادوقلي الجائعة أيضًا

نشر راديو دبنقا تقريرًا من كادوقلي هذا الأسبوع أفاد بأن مدينة كادوقلي، في جنوب كردفان، تشهد موجة نزوح كبيرة نحو مناطق سيطرة الحركة الشعبية جنوب شرق المدينة. وأكد ناشطون في العمل الطوعي نزوح أعداد كبيرة من الأفراد والأسر عقب الأحداث الأخيرة، مشيرين إلى أن أغلب النازحين، خصوصًا من فئة الشباب، اتجهوا إلى مناطق التعدين في محافظة البرام بحثًا عن الأمن ووسائل كسب العيش.

روايات عن هروب مجندين في الجيش

محمد سيد، شاب يبلغ 21 عامًا، هرب مع سبعة آخرين من كادوقلي إلى مناطق سيطرة الحركة الشعبية عبر طرق وعرة. وقال إنه وصل إلى قرية خاضعة لسيطرة الحركة، ووجد نفسه غريبًا وسط سكانها ولا يملك قوت يومه. وأوضح أن الخيارين الوحيدين اللذين تُركا لشباب كادوقلي كانا التجنيد أو الموت.

التجاني محمد رقيق، شاب آخر من جنوب كردفان، فقد مدرسته ثم جُنّد قسرًا في صفوف الجيش. وقال: “إن السلطات ربطت عملية توزيع المواد الإغاثية بالتجنيد، حيث يأتون إلى المنازل ويجندون ما بين ثلاثة إلى أربعة من شباب الأسرة مقابل منحها الطعام، على أن يتقاضى المجند راتبًا شهريًا يبلغ 120 ألف جنيه مع بضع جوالات ذرة”. وأضاف أنه التحق بالجيش في يوليو 2024 وتخرّج في منتصف 2025 ضمن مجموعة من 15 شابًا.

وتابع: “ذهبنا إلى منطقة الكيقا الخيل شمال كادوقلي، ومن هناك دخلنا في المعارك وتم أَسري. كان الواقع بمثابة حبس إجباري، لا اختيار فيه ولا كرامة، حيث أصبح حمل السلاح هو المقابل الوحيد للراتب والتعيين”.

مزيج من الإغراء والترهيب

لا يقتصر التجنيد على الإغراء بالغذاء، بل يصاحبه تهديد ضمني أو مباشر. يقول أحد شهود العيان: “من رفضوا إرسال أبنائهم تم اتهامهم بالتجسس لصالح الجيش، وبعضهم فُقد بعد أيام من الرفض”.

وفي ظل الانهيار الأمني وانعدام دولة القانون، تتحول الحرب في السودان إلى أداة لتفريغ المجتمع من طاقته الشابة، عبر تجنيد قسري يستهدف الفقراء والنازحين والمهمشين.

تُعد هذه الممارسات انتهاكًا واضحًا للمادة الثالثة من اتفاقيات جنيف، التي تجرّم الاستغلال القسري في أوقات النزاع، لا سيما عندما يتم باستخدام وسائل الإكراه غير المباشرة مثل الحرمان من الغذاء أو المساعدات الإنسانية.

Welcome

Install
×