الاتجار بالبشر في السودان في ظل الحرب .. تصاعد ملحوظ

القوات النظامية تتمكن من تحرير عشرات الرهائن الأجانب في محلية نهر عطبرة بولاية كسلا- ابريل 2025-إعلام الشرطة
أمستردام: 16 يونيو 2025: راديو دبنقا
مع استمرار الحرب في السودان للعام الثالث، تتنامى جريمة الاتجار بالبشر على نحو ملحوظ، حيث يضطر السكان المحليون واللاجئون والأجانب للفرار إلى دول الجوار وعبور البحر إلى اوروبا بحثا عن ملاذ آمن . كما يتعرض المواطنون للاختطاف طلبا للفدية، والاستعباد الجنسي، والتجنيد القسري، والعمل القسري.
ويقول المركز الافريقي لدراسات السلام والعدالة في تقرير اطلع عليه راديو دبنقا إن الأطراف المتحاربة انخرطت في انتهاكات مختلفة تُصنَّف كجرائم اتجار بالبشر، بما في ذلك الاختطاف مقابل فدية، والاستعباد الجنسي، والتجنيد القسري، والعمل القسري.
لكن في المقابل تتبرأ الأطراف من ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر بل تؤكد أنها تعمل على محاربتها.حيث أعلنت قوات الدعم السريع عقب سيطرتها على المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر.
ويرى التقرير الصادر عن المركز الافريقي أن النساء والفتيات يشكلن الغالبية العظمى من الضحايا، حيث يتعرضن للاستغلال الجنسي، والزواج القسري، أو لظروف غير إنسانية كعاملات منزليات أو في منشآت عسكرية. ويتم اختطاف الأطفال أو إغراؤهم للعمل في مناطق النزاع، حيث يُجندون قسرًا للأنشطة العسكرية أو يُستغلّون في شبكات التسول والتجارة. كما يتعرض بعض اللاجئين، خصوصًا من إثيوبيا وإريتريا، للاستغلال الجنسي، أو يُحتجزون مقابل فدية، أو يُباعون ضمن صفقات تجريها شبكات محلية وإقليمية.
إنتشار واسع
ويؤكد التقرير أنه مع اندلاع الصراع الحالي في منتصف أبريل 2023، أصبح الاتجار بالبشر أكثر انتشارًا نتيجة لانعدام السيطرة وانهيار المؤسسات القضائية، خاصة في بعض الولايات (الخرطوم، الجزيرة، ودارفور)، مما أتاح للجماعات المسلحة والعصابات المنظمة تكثيف أنشطتها، سواء من خلال تجنيد الأطفال، أو استغلال النساء، أو تهريب الأشخاص عبر الحدود. وقد خلق هذا التدهور الأمني، والانهيار الاقتصادي، والنزوح الجماعي للملايين من المدنيين بيئة تسمح بحدوث انتهاكات منهجية دون أي مساءلة.
ويُعد السودان بلد عبور واستقبال لآلاف اللاجئين والمهاجرين من دول الجوار مثل إريتريا، وإثيوبيا، وتشاد، حيث أن موقعه الجغرافي وحدوده المفتوحة جعلاه مركزًا رئيسيًا لشبكات تهريب البشر والاتجار بهم، والتي تستغل حاجة الناس للهروب من أوضاعهم. غالبًا ما تتواطأ هذه الشبكات مع مسؤولين أمنيين أو عناصر من القوات الحكومية، مما يعقّد الجهود الرامية إلى مكافحتها أو مقاضاة المتورطين فيها.
الإطار القانوني
الإطار القانوني في السودان يجرّم الاتجار بالبشر، إذ صدر قانون مكافحة الاتجار بالبشر عام 2014 وتم تعديله في 2021، مع إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر. كما صادق السودان على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وبروتوكول باليرمو المُلحق بها، والذي يُعرّف الاتجار بالبشر بأنه تجنيد أو نقل أو إيواء أشخاص باستخدام القوة أو التهديد أو الخداع بهدف الاستغلال. ويرى المركز الافريقي لدراسات والعدالة أنه من المبادرات البارزة “عملية الخرطوم”، وهي شراكة بين السودان وعدة دول أوروبية وإفريقية تهدف إلى الحد من تهريب البشر والاتجار بهم.
ورغم أن هذه المبادرة حققت بعض النتائج، إلا أنها واجهت انتقادات لتركيزها على الجوانب الأمنية وضبط الحدود أكثر من حماية الضحايا وتقديم الدعم اللازم لهم. ومع ذلك، فإن غياب الإرادة السياسية، وضعف آليات التنفيذ، وقلّة الموارد، والفساد داخل مؤسسات الدولة، واستمرار النزاعات المسلحة، كلها عوامل جعلت هذه التشريعات غير فعالة، دون أثر ملموس على الحماية أو المحاسبة الجنائية.
انهيار الدولة وغياب المحاسبة
ويسلط التقرير الضوء على ان الاتجار بالبشر في السودان لا ينفصل عن السياق العام لانهيار الدولة، بل يتأثر أيضًا بعوامل أخرى متعلقة بالأوضاع الاقتصادية، والنزوح الداخلي، والتمييز العرقي والمناطقي، وانعدام الحماية. وقد ساهم فشل المجتمع الدولي في ممارسة ضغط جاد لمحاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات في خلق بيئة خصبة للجريمة المنظمة، حيث أصبحت وسيلة لتحقيق ثروة سريعة أو لخدمة أغراض عسكرية وسياسية.
ويرى التقرير أن قضية المساءلة من أكبر العقبات. فمع استمرار النزاع المسلح، وتعدد القوى المسيطرة، وانهيار النظام القضائي، أصبح من الصعب تعقّب المسؤولين عن هذه الانتهاكات أو محاسبتهم وفقًا للقانون الوطني أو الدولي. كما تواجه منظمات المجتمع المدني التي تحاول دعم الضحايا قيودًا عديدة، مما يجعل من الصعب توثيق الانتهاكات أو تقديم المساعدة بفعالية. وغالبًا ما تفتقر الفئات المستهدفة، مثل النساء والأطفال واللاجئين، إلى الحماية الكافية وتواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى العدالة.
تشير كل هذه العوامل بوضوح إلى أن الاتجار بالبشر في السودان ليس مجرد جريمة فردية أو ظاهرة مؤقتة، بل أزمة إنسانية وجريمة منظمة تتطلب جهودًا جماعية للإصلاح السياسي، وبناء مؤسسات الدولة القضائية والرقابية، وتدريب جميع العاملين، وتحقيق المساءلة بحق المتورطين، ودعم الضحايا مباشرة، وعدم تجريمهم. وبدون الاعتراف بحجم هذه الكارثة، سيظل آلاف الأشخاص عرضة للاستغلال، وستستمر المعاناة.
المستوى الثالث
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد نقلت السودان إلى المستوى ثلاثة في تقرير الاتجار بالأشخاص السنوي الذي صدر العام الماضي، وهو ما قد يعرض البلد لعقوبات أو تقليص المساعدات الأمريكية. وتصنف الولايات المتحدة البلدان في المستوى الثالث بانها لا تبذل جهوداً كافية لمكافحة الإتجار بالبشر ولا تمتثل لقانون حماية ضحايا الإتجار الأمريكي لعام 2000 (TVPA). وفي تقرير الوزارة لعام 2023، كان السودان في الفئة الثانية، وهو ما يعني أنه لم يكن ملتزماً بالكامل بقانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر، ولكنه كان يبذل “جهوداً كبيرة” للقيام بذلك. وقد حددت وزارة الخارجية 13 دولة لديها “سياسة أو نمط موثق” في الاتجار بالبشر برعاية الدولة: أفغانستان، وبيلاروسيا، وجمهورية الصين الشعبية، وكوبا، وإريتريا، وإيران، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وميانمار، وروسيا، وجنوب السودان، والسودان، وسوريا، وتركمانستان.
وفي اكتوبر الماضي، أعلن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إعفاء السودان من العقوبات التي فرضت بموجب قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر الأميركي للعام 2000 والسماح باستمرار المساعدات بموجب بنود المساعدات التنموية وبرامج الصحة العالمية.