نازحون من الفاشر تقطعت بهم السبل في طريقهم الى طويلة بولاية شمال دارفور 4 ابريل 2025 : المنسقية العامة لمعسكرات النازحين

منتدى الإعلام السوداني 

دارفور- كردفان، 18 أغسطس 2025، (التغيير) –   خرجت فاطمة، وهو إسم مستعار، من خيمتها في معسكر أبوشوك بولاية شمال دارفور غربي السودان، بحثًا عن طعام لأطفالها الذين يعانون من الجوع . وعندما عادت، وجدت أن أحدهم قد فارق الحياة بسبب سوء التغذية الحاد الذي أصاب أطفالها الخمسة، وذلك بعد توقف التكايا وانعدام الغذاء في مدينة الفاشر.

فاطمة ليست الوحيدة التي فقدت أبناءها بسبب الجوع والمرض. هناك العشرات من الأمهات اللاتي فقدن فلذات أكبادهن تحت وطأة الجوع والحرمان في المدن الواقعة تحت الحصار، بسبب النزاع المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع لأكثر من عامين. في هذه الأوضاع، تتلاشى الأصوات وتُكتم الصرخات خلف جدران الألم والمعاناة.

حصار الفاشر وأكل “الامباز” 

في حاضرة شمال دارفور  مدينة الفاشر تفرض قوات الدعم السريع حصارًا مطبقًا على المدينة، منذ نحو 15 شهرًا، حال دون وصول الغذاء والدواء إلى أكثر من 500 ألف مواطن، يعيشون في ظروف إنسانية بالغة السوء. وأدى الحصار إلى نفاد السلع الأساسية من أسواق المدينة، مثل السكر والبصل والدقيق والعدس، كما انعدمت الأدوية المنقذة للحياة بشكل كبير، ما تسبب في تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل خطير.

السكان اضطروا إلى تناول “الأمباز”، وهو بقايا الفول السوداني والسمسم بعد استخراج الزيت، ويستخدم “كعلف للحيوانات” بعد توقف التكايا التي كانت توفر لهم الطعام، مما يعكس شدة الأزمة الغذائية التي يواجهونها.

أربعة أشخاص يموتون جوعاً كل اسبوع

ويقول مسؤول الإعلام  بمخيم أبو شوك، محمد آدم، في تصريح لـ”التغيير” : ” هناك إنعدام تام للسلع الغذائية  الأساسية في مدينة الفاشر” . وأشار إلى أن السكان لجأوا لأكل “الامباز” وأوراق  الشجر لطرد إحساس الجوع من بطونهم ” . 

وكشف عن  وفاة أربعة أشخاص أسبوعيًا بسبب الجوع والمرض في مخيم أبوشوك، مبينًا أن هناك ارتفاعًا كبيرًا في عدد الوفيات، حيث توفي 21 شخصًا خلال 45 يومًا الماضية. واصفاً الوضع في مدينة الفاشر بالكارثي ويتطلب تدخلاً عاجلاً، ودعا إلى الإسقاط الجوي للمواد الغذائية لإنقاذ الأرواح.

وطالبت الحكومة السودانية الأمم المتحدة بالتدخل عبر طائراتها وناقلاتها، تحت إشرافها المباشر، لإنقاذ حياة مواطني الفاشر والمناطق المجاورة لها.

جهات أممية ودولية دعت لإنهاء الحرب، تجنبًا لكارثة إنسانية تدفع الملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18. 

وتجاهلت قوات الدعم السريع جميع النداءات الأممية الملحة بضرورة السماح بوصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في مدينة الفاشر.

 كادقلي والدلنج بلا طعام ولا إتصالات

الفاشر ليست المدينة الوحيدة التي تعاني من الحصار المطبق وانعدام الغذاء. هناك العديد من المدن في ولاية جنوب كردفان تعاني من ذات  الحصار، منها  مدينتا كادوقلي والدلنج أكبر مدن ولاية جنوب كردفان، حيث تعاني هذه المدن من انعدام الغذاء بعد أن قطعت قوات الدعم السريع والحركة الشعبية الطرق الرئيسية التي تؤدي إليها، خاصة طريق الدلنج الأبيض والطريق الذي يربط سوق أبو نعامة بمدينة كادوقلي.

 الأمر الذي زاد من حدة الأزمة الإنسانية في المنطقة، ولجأ المواطنون إلى أكل أوراق الشجر والحشائش بسبب انعدام المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، لتصبح غير متاحة للكثيرين من السكان، خاصة الذين فقدوا مصادر دخلهم ووظائفهم بسبب استمرار الحرب لأكثر من عامين.

ويقول عضو بغرفة طوارئ كادوقلي لـ”التغيير” : هناك إنعدام في المواد الغذائية الأساسية في أسواق كادوقلي والدلنج، مضيفًا أن المواطنين ليس لديهم أموال لشراء أي نوع من السلع للحفاظ على حياتهم لذلك لجأوا لأكل أوراق الشجر والحشائش بعد توقف وصول المساعدات الإنسانية بسبب إغلاق الطرق التي تمثل شرياناً لحياة سكان جنوب كردفان. 

وأكد المصدر الذي فضل حجب اسمه لدواعٍ أمنية، أن مدينة كادوقلي، تنعدم فيها المواد الغذائية الأساسية مثل السكر والدقيق والزيت بسبب قطع طريق الدلنج. وأشار إلى أن مدينة كادوقلي تفتقد لشبكات الإنترنت بعد جمع أجهزة ستارلينك، بالإضافة إلى مصادرة هواتف الناشطين في المدينة، تحت ذريعة التعاون مع الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو.

وأوضح  المصدر أن مدينة كادوقلي تتعرض لحصار منذ أشهر، لافتًا إلى أن استمرار إغلاق الطريق سيؤدي إلى حدوث مجاعة في المدينة.

انعدام الخدمات 

من جانبه، أقر نائب والي جنوب كردفان بانعدام الخدمات الأساسية وتدهور أوضاع المواطنين في كادوقلي والدلنج خلال العامين الماضيين، مشيرًا إلى غياب خدمات المياه والصحة والكهرباء والاتصالات، معربًا عن أمله في تلبية الاحتياجات الإنسانية بصورة عاجلة.

ومنذ نهاية يونيو الماضي، أغلقت قوات الدعم السريع، بالتحالف مع الحركة الشعبية – جناح عبد العزيز الحلو، الطريق الرابط بين كادوقلي والدلنج نحو شمال كردفان، كما تسيطر على ممر بديل يصل بين المدينتين وجنوب السودان، ما أدى إلى توقف المساعدات  الإنسانية والقوافل التجارية.

قمع احتجاجات نسائية على الأوضاع

وكانت عشرات النساء قد خرجن في احتجاجات منتصف الشهر الماضي في مدينة كادوقلي للمطالبة بتحسين الأوضاع، وتعرضن للقمع من السلطات المحلية، بما في ذلك الإعتقال، في وقت تقول فيه حكومة الولاية إن هناك قرارًا بمنع التجمعات بموجب قانون الطوارئ.

الأبيض أوضاع إنسانية حرجة

وتشهد حاضرة ولاية شمال كردفان مدينة الأبيض أوضاعًا إنسانية حرجة بعد تجدد المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على تخوم المدينة التي تأوي آلاف النازحين من قرى وفرقان الإقليم التي أدت العمليات العسكرية إلى نزوحهم وسط ظروف إنسانية وصحية سيئة للغاية. 

وقال محمد الأمين وهو متطوع بالأبيض في حديثه لـ”التغيير” : المدينة تعيش إنقطاع بالتيار الكهربائي منذ عدة أيام، وذلك بالتزامن مع معارك عسكرية بين الجيش والدعم السريع. وأشار إلى أن الأوضاع الإنسانية في غاية السوء، إلى جانب شعور المواطنين في المنازل بفقدان الأمان، مما أدى إلى نزوحهم من الأحياء الغربية للمدينة. 

وأكد أن أسعار السلع الاستهلاكية قفزت بنسبة (500)% عما كانت عليها قبل إندلاع حرب منتصف أبريل. وأوضح أن المدينة تأوي آلاف النازحين بعد تهجيرهم من مدنهم وقراهم في إقليم كردفان. ولفت إلى أن المدينة في الأيام الماضية تشهد قصفاً متكرراً بالطيران المسير والمدافع الثقيلة مما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين. 

وقال الأمين  إن انقطاع الكهرباء أوقف عمل محطات المياه وارتفع سعر برميل المياه إلى عشرة آلاف جنيه، ما يعادل (20) دولارًا أمريكيًا. وأشار إلى أن الوضع الصحي كارثي مع انعدام الوقود لتشغيل المولدات في المستشفى الحكومي العام، بينما توفر المستشفيات الخاصة الوقود من السوق الموازي بأسعار باهظة.

ويتخوف المتطوع من تدهور الوضع أكثر مع تجدد المعارك العسكرية على تخوم هذه المدينة.

وكانت قوات الدعم السريع قد دعت، في بيانٍ صدر يوم الأحد 3 اغسطس 2025، سكان مدينة الأبيض إلى التزام منازلهم وعدم مغادرتها لأي سبب، والإبتعاد عن مواقع انتشار القوات المسلحة والجهات التي تقاتل إلى جانبها، وذلك حفاظًا على سلامتهم.

وفي المقابل، دعت حكومة ولاية شمال كردفان المواطنين إلى عدم الالتفات لما وصفها بـ “الشائعات” التي تبثها قوات الدعم السريع حول تقدمها نحو مدينة الأبيض. وقال عبد الخالق عبد اللطيف والي الولاية ” أدعوا إلى عدم الإلتفات للشائعات المضللة التي تروجها المليشيا وأعوانها”، بحسب تعبيره.

وطالب  الوالي المزارعين بالتوجه إلى زراعة أراضيهم، في ظل توسعة الدائرة الأمنية حول المدينة، وبفضل الخريف المبشّر هذا العام. وأكد أن الأوضاع الأمنية في مدينة الأبيض مستقرة تمامًا.

وقالت منظمة الهجرة الدولية، في أواخر يوينو الماضي، إن 3,260 أسرة نزحت من عدة قرى في محلية بارا بسبب تزايد انعدام الأمن”، مشيرة إلى أن الفارّين نزحوا من 12 قرية على الأقل، منها أم قرفة، والمرخة، وأم تراكيش.

يعاني السودان من أكبر أزمة نزوح في العالم في ظل صراع مستمر، حيث تتهم منظمات حقوق الإنسان طرفي النزاع في السودان باستخدام المجاعة كسلاح في الحرب. وفي ذات الوقت، لم تحقق اجتماعات الرباعية أي تقدم ملموس في وقف الحرب، التي خلفت، وفقًا للأمم المتحدة، أكبر أزمة إنسانية في العالم.

وتضع الأمم المتحدة الإسقاط الجوي للمساعدات الإنسانية على المدن المحاصرة كخيار، بعد  تعذر إيصال الإمدادات عبر الطرق البرية بسبب الحصار المفروض من قبل قوات الدعم السريع، وبدء موسم الخريف الذي أدى إلى انقطاع الطرق.

وتنتظر فاطمة وأطفالها، وآلاف المدنيين في المدن المحاصرة، بلهفة إلى لحظة فك الحصار ووصول المساعدات الإنسانية، عسى أن تعود الحياة إلى طبيعتها بعد صراع امتد لأكثر من عامين. المدنيون هم الضحايا الوحيدون لهذا النزاع، فقدوا الأرواح والأملاك، وبطونهم التي تئن من الجوع لم تجد حتى الآن استجابة تُذكر.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد (صحيفة التغيير) لعكس الأوضاع الإنسانية الكارثية في مدن الفاشر وكادقلي والدلنج والأبيض المحاصرة، حيث يعاني مئات الآلاف إنعدام  الغذاء والدواء والخدمات الأساسية ونفاد السلع الأساسية وتوقف التكايا، ليضطر الأهالي لأكل علف الحيوانات في أفضل الحالات .

شعار منتدي الاعلام السوداني – ارشيف : المصدر : منتدي الاعلام السوداني

Welcome

Install
×