فيصل الباقر : مُستقبل ومآلات شواء صحافة البصّاصين!

عاد – مرّة أُخرى – إلى السطح ، موضوع (دمج الصُحف) أو إختصارها فى عددً أقل ، وكأنّ أزمة الصحافة السودانية المُستفحلة ، والواقعة تحت نير السيطرة الأمنيّة ” كاملة الدسم ” ، تكمُن فى (كثرة الصُحف) ، وأنّ الحل المنشود ، لأزمة الصحافة المطبوعة فى السودان ، يأتى عبر هذه (الخلطة السحريّة) ،

فيصل الباقر

 

 

عاد – مرّة أُخرى – إلى السطح ، موضوع (دمج الصُحف) أو إختصارها فى عددً أقل ، وكأنّ أزمة الصحافة السودانية المُستفحلة ، والواقعة تحت نير السيطرة الأمنيّة ” كاملة الدسم ” ، تكمُن فى (كثرة الصُحف) ، وأنّ الحل المنشود ، لأزمة الصحافة المطبوعة فى السودان ، يأتى عبر هذه (الخلطة السحريّة) ، وهذا – فى تقديرى – إستسهال غير محمود ، و هروب ، بل ، وهرولة مفضوحة للأمام من مواجهة مشكلة ” شجرة ” (الصحافة الإنقاذيّة) ، من (الجذور) إلى (الفروع) ، ولن تنفع ، ولن تجدى ، مثل هذه ” المُعالجات ” الفطيرة ، حتّى وإن جعلوها (صحيفة واحدة) ، تُطبع بماء الذهب ، و تُوزّع فى مكاتب الدولة والأسواق ، وسكنات الجيش ، وأقبية الأمن ، على القُرّاء بالمجّان ، وتُقرأ مُحتوياتها – صباح مساء – فى التلفاز والمذياع ” القومى ” و نُسخه ” الولائيّة ” ، أو فى تلك (القنوات) المكشوفة التى ” غرُبت شمسها ” ، وهى تُسبّح فى برامجها (الماسخة) بحمد الحزب الحاكم ، لأنّ أزمة الصحافة الإنقاذيّة ، يُمكن تلخيصها فى أنّها صحافة (دعاية / بورباقاندا) ” رخيصة ” ، وليست صحافة (معلومات) ، والسبب الرئيس ، فى هذا المشهد الصحفى المُرتبك ، أنّ جهاز الأمن ، مازال يُصر على فرض (الإظلام الإعلامى) عبر إستمرار سياسة (حجب المعلومات) عن الصحافة والصحفيين ، وبالتالى غيابها أو تغييسبها عن الجمهور ، وهذا أس البلاء ، لو يعلمون !.

الصحافة – ياهؤلاء – تتأثّر بالمناخ العام ، الذى تنشأ ، و تترعرع ، و تعمل فيه ، وبالضرورة ، وبطبيعة الحال ، إنّ بيئة قمع الحُريّات ، ومُصادرة الحقوق ، ورفض القبول بالتعدّد أو الإختلاف فى المُجتمع ، لن تنتج ، عنها صحافة تعكس التعدُّد فى الآراء ، وللمزيد من الشرح والتوضيح ، نقول : إنّ الصحافة المملوكة للأجهزة الأمنيّة (صحافة البصّاصين) ، ستظل (صحافة أمنيّة) ، حتّى وإن إجتهدت إداراتها فى أن تجعل من (الفسيخ شربات) ، بحقن بعض موادها الصحفية ، بأسمدة و مُنتجات (الخبر المُحوّر) ، وكذا الحال فى الصحافة المملوكة للحزب الحاكم ، أو للتيّارات المُتصارعة فى داخله ، إذ يبقى خطّها التحريرى ، يُعبّر عن (المُلّاك الحقيقيين) ، لأنّ من يملك الصحيفة ، يملك – دوماً – خطّها التحريرى ، سواء كان مُعلناً عنه صراحةّ ، أو مخبوءاً فى الصدور وهذا لا يحتاج إلى(درس عصر) ، فشعبنا أذكى من أن تمُر عليه ، مثل هذه الحيل والألاعيب ، يا هؤلاء !.

الهدف من كُل هذه المُحاولات البائسة ، وراء (عملية) دمج الصُحف – بإختصار شديد – هو مُحاولة التغطية على الصراعات المُستفحلة فى مُكوّنات النظام ، إذ أدرك عباقرة الإنقاذ ، أنّ صُحفهم (البائرة) ، بدأت تعكس – لجمهورهم – فى تخبُّطها ، حالة التفكّك و الإرتباك الفكرى والسياسى والتنظيمى ، و درجة (عدم) التماسك الذى يتوهمونه ، و يتحدّثون عنه ، ويُحاولون إظهاره ، عبر مهرجانات الخُطب الحماسيّة ، فى العاصمة والأقاليم ، وفى كُل هذا وذاك ، فإنّهم ينسون أو يتناسون ، أنّ الصحافة الإنقاذيّة ، بعد إنقلابها فى 30 يونيو 1989، على الديمقراطية والنظام التعدّدى ، بدأت بذات ” غزوة ” (الدمج الخبيث) ، فهجمت على الصحافة (المُستقلّة) و(الحزبيّة) ، وشرّدت الصحفيين ، ودمّرت المؤسسات الإعلامية و الصحفية ، وجاءت – فى البداية – بصُحف ” ماسخة ” تحت مثسمّيات خادعة (الإنقاذ) و (السودان الحديث) ، وأعادت للصدور أو أبقت على صحيفة (القوات المسلّحة) ، وعسكرت التلفزيون والإذاعة ، وذهبت بالشيخ إلى (السجن) ، وبالجندى المُطيع إلى (القصر) ، ومع ذلك ، لم تستطع أن تكسب تاييداً مُستداماً ، للإنقلاب المشئوم ، وهاهى الإنقاذ ، نُسخة 2015 ، تُحاول ان تُعيد الكرّة وتُرجع التاريخ للوراء ، بالحديث عن (دمج الصُحف) ، فى مؤسسات قليلة قادرة (إقتصاديّاً) وفاعلة (مهنيّاً) ، وهذا الزعم المثتوهّم ، كذبة بلغاء ، يتوجّب على المُجتمع الصحفى ، والجمهور العريض ، عدم تصديقها ، أو إبتلاع طُعمها ، و ” سنّارتها ” القاتلة .. وعلى دُعاة ومهندسى سياسة دمج الصُحف ، أن يشرحوا لنا وللجمهور، لماذا يجىء هذا (الإستدراك) و إدّعاء (الحرص) على مهنة و بقاء وتطوير الصحافة ، فى هذا الوقت بالذات ؟!..، وعليهم – أيضاً – ومن قبل ومن بعد أن يشرحوا لصاحب (زبدة الصحافة) الإنقاذيّة ، فوائد أو مضار ومآلات ، بل مخاطر الشواء !.

 

فيصل الباقر / صحفي وكاتب  والمنسق العام لشبكة صحفيون لحقوق الانسان جهر