محن السياسة السودانية: عشاري وتابت وراديو دبنقا

بقلم: حامد بشرى/ أوتاوا

 

 

بقلم /الدكتور  حامد بشري

 

 

أتحفنا الدكتور "عشاري أحمد محمود خليل" بمقالاته الرائعة خاصةً السلسلة التي أمتدت أمتدت لحوالي الثلاثين حلقة حول "تفكيك القضائية الفاسدة" الذي طور فيه تجربته الخاصة وجعل منها حالة عامة  قادته الي مركز الفساد ومن ثم وضحْ لنا في بحثه المتأني كيف صرنا دولة فاسدة تقف علي رأس فسادها السلطة القضائية نفسها. وفي مقالة أخري أناب عنا في رده علي الدكتور الأسلامي خالد التيجاني النور الذي فيه فضح عقلية المتأسلمين الذين لا يرون غضاضةً و قبحاً في تزويرهم لإرادة الشعب ونكوصهم عن الديمقراطية بل يحسبون أن هذا من صميم الدين وعلى قبيل سعيهم الحميم لاستبدال نظام الطغيان الحالي بنظام أسلامي آخر ذي "وجه مقبول" وليتهم يدرون أن العلة أصلاً ليست في الوجوه وأنما في حكم الدولة الإسلامية التي أصابها التخثر والفساد . عكست الحالة السودانية لكل ذي بصيرة حالة الدولة المتأسلمة التي تري في كل سوداني/سودانيةبضاعة صالحة يمثل أستثمارها فرض عين للطفيلية الرأسمالية الأسلامية . وبناءاً علي هذه الرؤيا فرضت التمكين الذي أستحوذت بموجبه علي خيرات الأرض ظاهرها وباطنها. كذلك أفاد "عشاري"المكتبة السودانية بإضاءته المتميزة بضرورة المضي قُدماً بتقديم الجناة الذين أرتكبوا مذابح في جنوب السودان في الفترة التي أعقبت 15 ديسمبر 2013 (سلفاكير ورياك مشار) الي المحكمة الجنائية الدولية برغم محاولاتهما الهروب من الجرائم المثبته واللذين بهذا الأتهام يكونان قد أنضماالي رصفائهما حكام الشمال الذين ما زالوا يمارسون التطهير العرقي وجرائم الحرب في جبال النوبة ، النيل الأزرق ودارفور.  ومن غرائب الصدف تشابه حكام الشمال والجنوب وتطابقهم حتي في تاريخ الجرائم مع فارق في السنوات. فمثلاً نجد مذابح الجنوب بدأت قبل عشرة أيام من أعياد الكرسيماس مقارنة بأعدامات شهداء رمضان التي تمت قبل أعياد الفطر.

عَوْدٌ علي بَدْءٍ

أمام هذا العرض الرصين الذي قدمه "عشاري" لحالة المذابح التي تمت في جنوب السودان ومحاولات القادة الأفلات منها وما تبعه من رؤساء القارة حول نيتهم تقديم الجناة الي محاكمة أقليمية، الأمر الذي سخر منه "عشاري" حتي أطلق عليه "أضحوكة المحكمة الهجين الأفريقية لدولة جنوب السودان" أذا به يعود مُجدداً لمأساة "تابت" ويحشرها في صميم قضية "أضحوكة المحكمة الهجين الأفريقية لدولة جنوب السودان " ، كما جاء في مقاله أدنا:

"ليست الأجهزة المحلية أو الوطنية مبرأة من العيوب والضعف أو الغرض. فلنا في عجز حركات دارفور، وفي كذب راديو دبنقا عبرة ، حين تمت فبركة رواية أغتصاب نساء ـطابت، ولم نر أي تقرير وطني عن الموضوع من حركات دارفور المسلحة ، ولا من محاميي دارفور الذين كانوا وعدوا بالتحقيق وهم حققوا فلم يجدوا شيئا يستحق الذكر فسكتوا . وحتى تقرير هيومان رايتس ووتش عن أحداث طابت كان مفبركا دبَّجَه أحد الدعوجية الأمريكان في منظمة طوعية تعمل في تسويق قضية دارفور بأمريكا وهي قضية لا تحتاج لتسويق . وقصدت منظمة هيومان رايتس ووتش في التقرير المطبوع إلى إخفاء هوية هذا الباحث الدعوجي فلم تبين خلفيته في حركة أنقذوا دارفور. وهو لا يعرف اللغة العربية أصلا ليحقق بصورة ناجعة في مثل موضوع كالاغتصاب ، وكان يعمل بواسطة مترجمين . تقريره مشحون بمغالطات وبلغو متكثر بدون أساس . نَفَّذ تحقيقه بالهاتف من تشاد وقدم نتفا من أقوال نسبها إلى 15 امرأة قلن إنه تم اغتصابهن . واستقى المعلومات من أشخاص لم يكونوا شهودا، ومن مقابلات مع ثلاث منظمات كانت كذلك مصادر راديو دبنقا".

أنتهي نقل الفقرة الخاصة حول تابت وراديو دبنقا من موضوع عشاري وفي ردنا عليه نريد أن نوضح الآتي:

أولاً:

أقحام موضوع تابت والزج به في هذا المقال سلباً أو أيجاباً لا يدعم الأسلوب العلمي في البحث الذي توخاه "عشاري" في كتاباته السابقة بدليل عدم وجود رابط بين عنوان المقال المشار اليه ودارفور ناهيك عن تابت وراديو دبنقا . يعلم "عشاري" قبل غيره أهمية سرد الحقائق التي تتصل مباشرة بموضوع البحث وفي هذه الحالة هي المحكمة الهجين الأفريقية لدولة جنوب السودان .  لا ينفي هذا مُطلقاً أهمية الإشارة في هذا الموضوع لأصابع الأتهام التي وردت من قبل بعض المراسلين والصحفيين الذين كانوا شهوداً علي الأحداث  حول أشراك أو أشتراك قوات العدل والمساوة أو الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) أو قوات الجيش الشمالي السوداني وضلوعهم في هذه المجازر والأنتهاكات أما "تابت" وراديو دبنقا المفتري عليه فلا مجال البته للأشارة إليهما ناهيك عن أتهام الراديو بالكذب الصريح.

ثانياً:

لا يزال "عشاري" عند رأيه السابق من أن حادثة "تابت " كلها مصطنعة: (فلنا في عجز حركات دارفور، وفي كذب راديو دبنقا عبرة، حين تمت فبركة رواية اغتصاب نساء طابت ) هنا قطععشاري الشك باليقين مقارنة ً بما ذكره في مقاله السابق في العام الماضي حول الأحداث حيث كانت نبرة خطابه مختلفة (لا أستبعد أن يكون راديو دبنقا خدعنا ) أما الآن فأنه أكدَّ كذب راديو دبنقا بل ذهب لأبعد من ذلك بتأكيده فبركة الرواية من الأساس رغم أنه لم يأت بدليل يوضح الكذب أو فبركة الأغتصاب وبحكم تجربته القانونية يعلم أن القانون يأخذ بالاقرار وليس بالأنكار والبينة علي من أدعي واليمين علي من أنكر.

أكرر ما ذكرته سابقاً من أنه ليس لراديو دبنقا مصلحة أن يفتري علي الأنقاذ أو أن يرميها بهذا الجرم . إن ملفات الأنقاذ وجرائمها في أضابير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الأنسان مُثبته ولقد أعترف رأس النظام بذلك وطلب العفو والغفران من رب العالمين وصرح مسلمٌ آخر بأن عدد الضحايا لا يزيد عن العشرة ألف شخص (رأس) . إن الأنقاذ لا تنقصها جريمة تابت حتي تحاكم دولياً أو محلياً . لم يتسن للتحقيق والتحري في أحداث تابت أن يتم بصورة علمية صحيحة وذلك لان القاضي والجاني والحكم هم شخص واحد أو بالأحري مؤسسة واحدة وهذا لا ينفي وقوع الجريمة وأنت سيد العارفين تعلم قبل غيرك أن التحقيق في جرائم الأغتصاب يقتضي اولاً عامل السرية وعدم وجود الجاني علي مسرح الجريمة . هذان الشرطان لم يتوفرا في تابت . وثمة ملاحظة أخري ، أذا كان عدد الضحايا رقماً يصعب تصديقه لعشاري ( تم أغتصاب 200 أمرأة علي الأقل في ظرف 36 ساعة كما ورد في تقرير هيومن رايتس) فمن الأجدي الرجوع الي التقارير التي تؤكد وقوع 55 الف حالة أغتصاب بدارفور كما ورد في صحيفة حريات في المذكرة المرفوعة الي رؤساء الدول والمنظمات الدولية " أنقذوا ما تبقي من أحياء في دارفور " بقلم بكري الصائغ

نود أن ننبه كل الذين أستبعدوا وقوع مأساة تابت والأغتصاب الجماعي الممنهج أن هؤلاء القوم يمارسون الأغتصاب داخل الخرطوم وعلي بعد أمتار من القصر الجمهوري في مكاتب جهاز الأمن وفي صروح الجامعات وفي موقف شندي بالخرطوم بحري وقد يكون رئيس جهاز الأمن وأعوانه وكلهم مرضي نفسانيون يتلصصون علي الضحايا ويسمعون صراخهم وأنينهم وما مارسه صلاح قوش وعاصم كباشي والطيب سيخه ليس ببعيد عن الأذهان بل يقف شاهداً علي ذلك . أغتصبهؤلاء الذكور قبل الأناث فهل بعد كل هذا نستبعد أن يرعووا عن هذا الأنحطاط وهم علي بعد آلاف الكيلومترات من الخرطوم بدون رقيب وبحوزتهم سلاح ناري وتحت أمرة حميدتي "مقطوع الطارئ" . أنهم أوشكوا أن يحولوا حاضرة السودان الي "أبوصليب" فما بالك بدارفور التي تقع في أقاصي الغرب

ثالثا:

ما هي الاسباب والدوافع التي تجعل "عشاري" يطعن في مصداقية راديو دبنقا والقائمين عليه؟ أذا حسبنا المرة الأولي شكوكه في صحة الخبر مبتغاه توخي الدقة في التحري وتوثيق الحدث حتي أوشك أن يطالب المجني عليهم في واقعة الأغتصاب الأتيان بأربعة شهود عدول .  ماهي الأسباب التي دعته مُجدداً الي التشكيك في هذا الخبر والحادثة؟

رابعاً

شكوك "عشاري" غير المؤسسة أوصلته إلي قيادة حملة تحريضية ضد دبنقا أودت به الي درب معوج حتي أصبح يقدح في مصداقية (هيومان رايتس وتش). هذه منظمة لم أتشرف بالعمل بها ومما اطلعت عليه فلها مصداقية في عملها وبالتالي في جمع معلوماتها. وفي الحالة السودانية أصبح راعي الضان في البادية على علم بما يحدث بناءاً علي تقارير هذه المنظمة التي لها مصداقية عنده خاصة فيما يتعلق بالأعتقالات والتعذيب وبيوت الأشباح والفصل التعسفي ولها يعود الفضل في حصول معظم السودانيين في بقاع الأرض المختلفة علي حق اللجؤ. ليس هذا فحسب، بل تعتبر شهادتها معتمدة في معظم دول المعمورة ومقبولة للجميع بأستثناء "عشاري" .ولولا العمل الجليل الذي تقوم به هذه المنظمة لطالت يد السفاح أنفساً كثيرة . لا نمل من تكرار الحديث لـ"عشاري" من أنه أذا كان يملك أي أدلة أو بحوزته وثائق تثبت أن التقرير حول تابت مفبركاً ودبجه أحد الدعوجية ، كان الأجدر به الأتصال بالمنظمة وتوضيح مقاصده وما يرمي اليه بدلاً من أطلاق الحديث علي عواهنه ومن دون علم المنظمة المتهمة.

خامساً

ذكر "عشاري" أن تقرير هيومان رايتس الذي تم حول أحداث تابت قام به شخص دعوجي وهو لا يعرف اللغة العربية أصلاً ليحقق بصورة ناجعة في موضوع كالأغتصاب . مع أحترامنا لرأي الدكتور "عشاري" عالم اللسنيات الأ أننا نطرح السؤال الآتي :

ما هي أوجه القصور في أن يقوم بجرائم التحقيق في الأغتصاب أشخاص لا يتكلمون لغة الضحايا مع تطور التكنلوجيا التي أصبحت لها أجهزة تقوم حتي بكشف الكذب؟ وهل يعني أن التحقيق في الانتهاكات وجرائم الاغتصاب التي تمت في جنوب السودان لا تتأتي مصداقيتها إلا إذا حقق فيها أشخاص يتحدثون بلغة الدينكا أو النوير؟ وهل التحقيق الذي تم حول مذبحة الضعين وشارك فيه "عشاري" كان يتطلب الماماً بلغة الدينكا؟ وهل كان شرطاً أساسياً لأثبات الأغتصابات التي تمت في رواندا أن يكون المحققين يتحدثون(الكيروندي) اللغة الرواندية؟

سادساً

كتب "عشاري" في محاولة دحضه لرواية الأغتصاب التي تمت في تابت : ( أن التقرير مشحون بالمغالطات وبلغو متكثر بدون أساس . نَفَّذ تحقيقه بالهاتف من تشاد وقدم نتفا من أقوال نسبها إلى 15 امرأة قلن إنه تم اغتصابهن.

 

يا "عشاري" ، تعيش دارفور في حالة طوارئ لسنين عددا مما حدا بحكومة "السجم" أن تطلق عليها تسمية ظروف أستثنائية وجعلها تفرض تصاريح سفر خاصة أشبه بالفيزا للسودانيين الذين يعملون في المنظمات التطوعية  في حالة زيارتهم الميدانية للأقليم حتي يكونوا تحت مراقبة الأجهزة القمعية . أصبحت دارفور كقلعة "وادرين" الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود . كيف تطلب في هذه الأحوال وجود شخص يقوم بتحقيق مكتمل يراعي فيه أدوات البحث العلمي المتبعة في التحقيقات؟

السؤال المحوري ماهي المصلحة وماذا تجني المعارضة من التشكيك في كل وثيقة أو مقابلة تعريسواءات النظام بدأ براديو دبنقا مروراً بالحركات المسلحة وأريك ريفز وأخيراً هيومان رايتس .أشك أن ينجو بيت العنكبوت من هذه الأتهامات.

وفي الختام أتمني أن تُحفزنا مقالات "عشاري" والتعقيب عليها لمزيدٍ من البحث الدؤوب حول أنجع السبل لإسقاط النظام

ولكم التقدير

[email protected]

 

Welcome

Install
×