لا سيادة وطنية مع الفاشية ..

للفاشية، في تقديري صورتان: هناك فاشية علمانية، مثَّلتها ألمانيا النازية، وإيطاليا، تحت قيادتي موسوليني وهتلر. وهناك فاشية دينية، تمثلها جماعات الإسلام السياسي. والجامع بين الفاشيتين الشعور بالحق في السيطرة على الحكم، وكبت الخصوم وقهرهم، بل وقتلهم. بعد أن بث هتلر الروح القومي الصارخ والشعور بالتفوق العرقي وسط شعبه، خلق أقوى آلة عسكرية عرفتها أوروبا..

بقلم: د. النور حمد

للفاشية، في تقديري صورتان: هناك فاشية علمانية، مثَّلتها ألمانيا النازية، وإيطاليا، تحت قيادتي موسوليني وهتلر. وهناك فاشية دينية، تمثلها جماعات الإسلام السياسي. والجامع بين الفاشيتين الشعور بالحق في السيطرة على الحكم، وكبت الخصوم وقهرهم، بل وقتلهم. بعد أن بث هتلر الروح القومي الصارخ والشعور بالتفوق العرقي وسط شعبه، خلق أقوى آلة عسكرية عرفتها أوروبا، وزحف ليبتلع القارة قطرًا، بعد الآخر. لم يكن أمام بريطانيا وأمريكا وغرب أوروبا سوى أن تتكاتف لتستأصل شأفته. ودخل مع هؤلاء على الخط، الاتحاد السوفيتي، من جهة الشرق، بعد أن تحرش به هتلر وغزا أراضيه. اندحر هتلر والتقى جيش الكتلتين في برلين وجرى تقسيمها. بسبب عنجهية النازية التي لا ترى حقًا إلا لنفسها، فقدت ألمانيا سيادتها الوطنية. كما فقدتها أيضًا حليفتاها في المحور؛ إيطاليا واليابان.

الفكرة التي حكمت بها الإنقاذ السودان فكرة فاشية. كل الاختلاف أن الإنقاذ استبدلت الشوفينية العرقية، بشوفينية دينية. وقد اشتركت الإنقاذ مع الفاشية في عبادة القائد الفرد، وسيطرة التنظيم الفرد، وشعور الاستحقاق في احتكار الدولة وقهر الآخرين. هذه العقلية الإنقاذية لا تزال سائدة بيننا حتى هذه اللحظة، ولا نتوقع أن تتغير بسهولة. أصحاب هذه العقلية هم من يرفعون الآن، فزاعة، السيادة الوطنية، في وجه القرار الأممي، القاضي بإرسال بعثة إلى السودان ستساعد في استكمال مهام الفترة الانتقالية، مع تمديد لبقاء قوات يوناميد في دارفور، تحت الفصل السابع، لستة أشهر. فهل يظنون أن الصين وروسيا اللتان صوتتا على القرار، تتآمران مع الغرب على السيادة الوطنية للسودان؟ أي فهمٍ سياسيٍّ هذا؟

السيادة الوطنية لا يحفظها الصراخ ولا العنتريات، وإنما تحفظها استقامة شؤون الحكم، وسيادة حكم القانون، وقواعد العدالة، وترسيخ الممارسة الديمقراطية. فالذي أفقد البلاد سيادتها الوطنية منذ عام 2007، هو ما قامت به الإنقاذ من تطهير عرقي في دارفور، مات فيه مئة ألف مواطن. الأمر الذي جعل رئيس البلاد، وبعضًا من زمرته، مطلوبين لدى محكمة الجنايات الدولية. لقد بقيت دارفور تحت البند السابع منذ 13 عامًا، فأين كان هؤلاء الذين يتباكون الآن على السيادة الوطنية؟ لقد أرغى البشير وأزبد حين وضعت دارفور تحت الفصل السابع، وقال لن تدخل القوات الأممية إلا فوق جثته. لكنه، ما لبث أن رضخ للأمر. وأرجو من كل قلبي ألا يتكرر هذا.

باختصارٍ شديد، الجيوش التي تنصرف عن واجبها في حماية البلاد ويصبح عملها التفتك بالمواطنين، سواءً في السودان، أو في أي بلد آخر، لن يصدقها أحد حين تتحدث عن السيادة الوطنية. هذا النوع من الجيوش يحتاج أن يراجع رؤيته ويعيد تعريف رسالته، لينال احترام شعبه، واحترام المجتمع الدولي، وهذا ما نرجو أن يحدث. الديموقراطية وسيادة حكم القانون هما ما يبعدان شبح فقدان السيادة الوطنية. ومن يحاولون الآن المراوغة والالتفاف على القرارين الأمميين الأخيرين اللذين أجيزا بالإجماع، يرتكبون خطأً قاتلا. ودونهم من تبنوا قبلنا نهج الفاشية والغطرسة في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان واليمن. لقد دمَّروا بلدانهم، وعادوا بها عقودًا إلى الوراء. هل الغرب برئ تمامًا في كل ما يفعل؟ لا، وألف لا. فقط، يدخل الغرب من الثغرات القاتلة، التي يحدثها الحكام الفاشيون المتغطرسون.