في أزمة البشير : قرأة في دوافع وحوافز جوهانسبيرج

من اللحظة التي وطأت فيها قدما الرئيس عمر البشير أرض جنوب أفريقيا كان أمام بريتوريا خياران لا ثالث لهما: إما اعتقاله بشأن مزاعم بارتكاب جرائم الحرب ومواجهة غضب باقي دول القارة وإما منحه مرورا آمنا إلى بلاده ومواجهة غضب الغرب.

 

جوهانسبرج (رويترز) –

من اللحظة التي وطأت فيها قدما الرئيس عمر البشير أرض جنوب أفريقيا كان أمام بريتوريا خياران لا ثالث لهما: إما اعتقاله بشأن مزاعم بارتكاب جرائم الحرب ومواجهة غضب باقي دول القارة وإما منحه مرورا آمنا إلى بلاده ومواجهة غضب الغرب.

والقرار الذي تأكد بمغادرة طائرة البشير جنوب أفريقيا يوم الاثنين يفصح عن الكثير بشأن أولويات جنوب أفريقيا : حيث تأتي أفريقيا أولا تليها بفارق كبير الكماليات القانونية مثل سلطة المحاكم المحلية أو القوانين الدولية.

ويعكس القرار الجنوب أفريقي تغيرا جذريا عما كان عليه الوضع في العام 2009 حين أعلن رئيس جنوب افريقيا جاكوب زوما بعد فترة وجيزة من توجيه المحكمة الجنائية الدولية اتهامات للبشير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في إقليم دارفور أن الرئيس السوداني ليس مرحبا به.

وفي ظهور له على محطة (سي.إن.إن) الاخبارية سئل زوما عما إذا كان سيأمر باعتقال البشير "إذا ما وطأت قدماه أرض بلاده؟"

وأجاب قائلا "هذا صحيح" في تأكيد على ما تبقى من المثالية التي ميزت علاقات جنوب أفريقيا بباقي العالم في الأيام الأولى من "دولة قوس قزح" تحت حكم نلسون مانديلا.

لكن بعد مرور ست سنوات سلطت حادثة البشير الضوء على فكرتين رئيسيتين تهيمنان على عهد زوما: أن الدولة التي اتسمت شخصيتها بمزيج أوروبي-أفريقي خلال القرون الثلاثة الماضية باتت ترى مصيرها الآن مرتبطا بشكل راسخ بأفريقيا – ومع تنامي التجارة والاستثمار لجنوب افريقيا في باقي القارة فقد انتهى عهد المثالية

وقال دبلوماسي غربي في بريتوريا لرويترز ( لقد ولت تقريبا السياسة الخارجية ذات البعد الأخلاقي  الشيء الآخر الظاهر من الإدارة الحالية هو إعطاء الأولوية بوضوح شديد للاستقرار على القيم )

وفي جنيف قال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون للصحفيين إنه ينظر إلى مسألة مذكرة اعتقال البشير "بجدية شديدة" وطالب باحترام سلطة المحكمة الجنائية الدولية.

وألقى السودان باللوم على من وصفهم بأنهم "أعداء افريقيا" يوم الاثنين في المحاولة الفاشلة لاعتقال البشير. ولم تصدر حكومة جنوب افريقيا أي بيان رسمي بشأن القضية.

واقتصر التعليق الوحيد من المسؤولين عن أكثر اقتصادات افريقيا تطورا على بيان لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي أيد بصرامة موقف الاتحاد الأفريقي القائل بأنه يجب ألا يحاكم أي رئيس في السلطة وأحدث مثال على هذا هو الرئيس الكيني اوهورو كينياتا.

ورفض الحزب المحكمة باعتبارها (لم تعد مفيدة) كما وصف البشير بأنه الأحدث في سلسلة طويلة من الأفريقيين الذين يعانون من اضطهاد تحركه جداول أعمال وانتقد أيضا بشكل مبطن الولايات المتحدة وهي ليست عضوا كاملا بالمحكمة الجنائية الدولية

لكن بالنسبة للكثيرين فإن المخاوف المشروعة بشأن العدالة الانتقائية للمحكمة الجنائية الدولية ليست ذات صلة بالوضع الحالي وبالتالي يشكل هذا سقطة جديدة لدولة اتهمتها الولايات المتحدة في الشهر الماضي بأنها دفعت رشوة قدرها عشرة ملايين دولار لضمان الفوز بتنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم في عام 2010.

الخيار المؤيد لأفريقيا

والمفارقة أن هذا قد يأتي بنتائج عكسية في إطار حملة علاقات عامة إقليمية بالنسبة لجنوب أفريقيا التي ما زالت تحاول إصلاح العلاقات مع جيرانها بعد موجة من الهجمات على المهاجرين الافارقة

وفي الوقت الذي قد يحظى فيه دعم أشخاص منبوذين من الغرب مثل البشير بثناء زعماء مثل روبرت موجابي في زيمبابوي فإن السماح لوجود شخص واحد بأن يلقي بظلاله على قمة على مدى يومين تجمع 54 دولة قد يغضب معظم الدبلوماسيين الأفارقة

وطغت موجة الاهتمام بما إذا كان البشير موجودا داخل المبنى أو كونه مغلول اليدين على جدول أعمال الاتحاد الأفريقي الذي يتضمن قضايا بدءا من حقوق المرأة والتهديدات التي تمثلها جماعة بوكو حرام وصولا إلى الأزمة السياسية في بوروندي

وقال ليزل لو فودران من معهد الدراسات الأمنية في بريتوريا (في نهاية المطاف .. هذا يظهر إخفاقا لدبلوماسية جنوب أفريقيا.(

وأضاف (كانوا يعرفون بوضوح أن هذا الأمر سيحدث وحاولوا تجنبه لكن عندما واجهوا وضع البشير .. فضلوا الخيار المؤيد لأفريقيا والخيار المناهض للمجتمع الدولي )

Welcome

Install
×