رسالة للسيد ثامبو امبيكي ..!

أتوجه إليك بهذه الرسالة، من منطلق كوني مواطن، ينتمي لهذا البلد غير المحظوظ، لانه حتى كتابة هذه الرسالة لم يتمتع شعبه بنظام سياسي…

 

بقلم: الطيب الزين

أتوجه إليك بهذه الرسالة، من منطلق كوني مواطن، ينتمي لهذا البلد غير المحظوظ، لانه حتى كتابة هذه الرسالة لم يتمتع شعبه بنظام سياسي ديمقراطي، يحقق التوازن بين الحرية والعدالة الاجتماعية.. واعرف هذا لا يعينك،لانك لديك في بلدك الذي خاض نضالاً مريراً ضد العنصرية ما يكفيك لإعطائه المزيد من وقتك وإهتمامك لمواجهة أزمة الحكم التي تواجه بلادك، التي تخلصت من نظام الفصل العنصري، في جنوب افريقيا، لكنها ما زالت تعاني، من أمراض اخرى على رأسها الفساد

 وهنا، ربما تطرح سؤالاً، ان كان الامر بهذا الفهم فلما توجيه الرسالة..؟ والاشارة الى ان بلدي غير محظوظ..؟ نعم بلدي يا للاسف غير محظوظ..! وهذا سأشرحه لاحقاً.

 اماالرسالة اوجهها لك بحكم كونك تضطلع بدور الوسيط، بين النظام وبعض أطراف للمعارضة السودانية، ولعلك تتفق معي أن مهمة الوسيط هذه، تحكمها وتضبطها قيم ومعايير وضوابط في القانون، الذي بموجبه تم تكليفك بدور الوساطة في بلدي السودان..! ألم أقل لك انه بلد غير محظوظ..؟ وكما هو معروف ان الوسيط يضطلع بدور عظيم  ورسالة سامية إن قام هو بها على الوجه الأكمل

وهذا لن يتحقق بدون النزاهة والحياد والاستقلالية.. ولا اخفي عليك منذ ان تم تعيينك او اختيارك او تكليفك للقيام بهذا الدور، لم تكن لدي قناعة في انك ستقوم بهذا الدور، على النحو السليم، وهذا الرأي قد يشاركني فيه البعض من أبناء السودان، وعدد آخر من شباب القارة الافريقية، وربما حتى البعض من أبناء بلدك، الشقيقة جنوب افريقيا، نظراً لسلوك اغلب القادة الافارقة المتهمون بالفساد وعدم النزاهة في الحكم وممارسة التمييز وعدم إحترام حقوق الانسان..! ولعل الشواهد في هذا الجانب لا عد ولا حصر لها..! ومن هذه البيئة الفاسدة جاء النظام المكروه في الخرطوم، قبل ستة وعشرين عاماً، عبر الانقلاب العسكري، الذي غيّب مسيرة الحياة الديمقراطية، ومن ثم ارتكب بحق شعبه كل أشكال الانتهاكات لحقوق الانسان، من ملاحقات واعتقالات وتعذيب وقتل وقطع أرزاق، وشن حروب عبثية تارة باسم الدين، واُخرى على أساس العرق، تطبيقاً لسياسة” فرق تسد” لاضعاف دور الشعب، للحد الذي اصبح فيه رأس النظام وبعض رموزه ملاحقين من قبل محكمة الجنايات الدولية، بسبب انتهاكاته لحقوق الانسان..!  هذا بجانب أساليب الإقصاء الممنهج لكل من يعارض النظام او يبدي وجهة نظر مغايرة، حتى لو كان من أنصاره، مضافاً اليه سياسة التمييز ضد المرأة السودانية، ولعل آخر تقرير لمنظمة ” هيومن رايتس ووتوش” الذي، وثق للجرائم والانتهاكات لحقوق المرأة السودانية لاسيما الناشطات سياسياً منهن .. وهذا موثق له بالصوت والصورة

وما يقوم به الشعب السوداني ممثلاً في بعض أطراف المعارضة السودانية التي تهددها بالمعاقبة في حال عدم توقيعها، هذه المعارضة لعلمك، ليست عاشقة للحرب والموت وضنك العيش وقساوته، ولكنها مضت في طريق النضال والكفاح، لانها وجدت استحالة في بلوغ الحرية وتحقيق الاستقرار، في ظل هذا النظام الذي يمارس سرقة المال العام في وضح النهار، والعبث بممتلكات الدولة، وشراء ذمم ضعاف النفوس، بجانب الاتهامات الموجهة اليه بدفع الرشاوى، لبعض العاملين في منظمات الدولية لاسيما الاتحاد الأفريقي الذي كلفك بمهمة الوسيط

اما الحقيقة الثّانية: وهي فشل النظام الحاكم حتى الان بلا شرعية وانتخابات حرة نزيهة..!  في تحمل مسؤولياته تجاه الشعب والوطن، بل كان عاملاً فاعلاً في تأجيج الصراعات والحروب على أسس عنصرية بغيضة، للدرجة التي وصلت معها الأمور  حداً، أصبح فيها من المستحيل التوصل للسلام والاستقرار في ظل وجوده، بحكم طبيعته المناقضة للاستقرار والسلام

اما الحقيقة الثالثة: وهي ان أية حوارات او مفاوضات تجري سواء في داخل السودان او خارجه، في ظل غياب النزاهة والحياد، بين أطراف الصراع، ينجم عنها إختلال المعايير، والانحياز، كما هو حاصل الان..! وهي نتيجة مؤسفة،  ليس فقط، في حق الشعب السوداني الذي عانى كثيراً، بل حتى بحق الاتحاد الأفريقي امام الرأي العام العالمي..! وهذا موقف مخزي، في حق شعبنا، وقارتنا

 لذلك نقول: ان توقع اي نتائج إيجابية هو من قبيل الوهم، ولسنا في حاجة لسوق الأدلة من التجارب البعيدة عنا، بل تجربتنا السودانية كفيلة بذلك، فكل جولات الحوار التي تمت بين النظام والمعارضة السودانية ومحطاته التي عرفتها كل قارات العالم، افريقيا وآسيا وأوروبا وربما حتى أمريكا، كان احد أسباب فشلها، هو غياب الإرادة الحقيقية من قبل النظام، بجانب غياب التكافؤ بين الأطراف المتحاورة،  وفقدان الثقة في الوسطاء الدوليين، لاسيما الافارقة منهم، هذه معضلة اخرى زادت من تعقيد الأزمة

ولعل توقيعكم مؤخراً، إلى جانب ممثل النظام، الذي اعقبتموهم بتهديد ووعيد للمعارضة السودانية التي تتفاوض مع النظام، جعل الشكوك تزداد، وتتعمق مشاعر انعدام الثقة بين أطراف المعارضة السودانية وبين صفوف الشعب السوداني، حيال ما تقومون به من دور غير نزيه تجاه قضية عادلة لشعب ظل يدفع لمدة تجاوزت الربع قرن كل غالي ونفيس في سبيلها

وفي ضوء التاريخ المحدد للمعارضة، للتوقيع على الوثيقة او المذكرة.. وبالمناسبة ليس كل المعارضة السودانية،  تؤمن بفكرة الحوار، هناك بعض قوى المعارضة لا ترى حلاً للازمة الوطنية سوى الثورة الشاملة،  وكاتب المقال احد المؤمنين بهذا الخيار، لذا كان الاجدر بكم، وبمفوضية الأمن والسلم الأفريقي، ان تتعامل مع أولئك الذين يشاركون في جولات المفاوضات، بقدر من الاحترام

 وهنا ينطرح سؤال، اذا افترضنا ان المعارضة وقعت على الوثيقة او المذكرة،

وهذا أمر مستعبد، فهل أنت ومن ورائك الاتحاد الأفريقي، قادرون على الضغط على النظام في الخرطوم، على مغادرة السلطة، وتسليم مقاليد الحكم للشعب السوداني..؟

لأن أية تسوية تسفر عن نتيجة غير هذه، فهي تعتبر مساومة رخيصة، لا فائدة تترجى من ورائها، سواء رعاها الاتحاد الافريقي، او المجتمع الدولي.  نقول هذا الكلام، لأن المؤسسات هذه قبل غيرها، تعرف ان رأس النظام وبعض رموزه، صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من محكمة الجنايات الدولية، وهذه الإتهامات لا يتم تفنيدها عبر الاعلام وإنما عبر المحاكم، فهؤلاء لو كانوا ابرياء، فليذهبوا للمحكمة ويسلموا أنفسهم لكي يبرءوا أنفسهم من الاتهامات الموجهة اليهم، فهل الاتحاد الأفريقي ومفوضية الأمن والسلام الافريقية وشخصك كونك وسيط في الأزمة قادرون على فعل شيء من هذا القبيل..؟ حتى تعود للشعب السوداني الثقة فيكم وفي الاتحاد الأفريقي وغيره من المؤسّسات والمنظمات الدولية، ام ان الاتحاد الأفريقي ومفوضية الأمن والسلام، هي مجرد أدوات في يد الحكام، وبالتالي لم يعد الامر ليس اكثر من ملهاة يستغلها السماسرة لجني الفوائد والمكاسب على حساب القيم والمثل وحقوق الانسان.. لذا قلت ان وطني بلد غير محظوظ..! ولعل هذا يجعل رسالتي تصلك ومن خلفك مفوضية الأمن والسلم الافريقية وهي أكثر وضوحا