الحق في العودة للوطن – مرّةً أُخرى !

استجابت الحكومة السودانية – مشكورة – لنداء الواجب، ففتحت المعابر لمدّة ثلاثة أيّام ( 19 – 21 مارس 2020)، ليستفيد – بل ، استفاد بالفعل – من ذلك القرار الشجاع، مئات المواطنين، وفى مقدمتهم العالقين بمطارات عدد من البلدان المجاورة وغير المجاورة، كما استفادت من نفس القرار أعداد مقدّرة من المواطنين السودانيين المقيمين أو المتواجدين بالخارج ” غير العالقين”، ممّن آثروا العودة للوطن، مستفيدين من فترة السماح تلك. ووفق البيانات الرسمية الصادرة من وزارة الصحة، فإنّ

بقلم: فيصل الباقر

استجابت الحكومة السودانية – مشكورة – لنداء الواجب، ففتحت المعابر لمدّة ثلاثة أيّام ( 19 – 21 مارس 2020)، ليستفيد – بل ، استفاد بالفعل – من ذلك القرار الشجاع، مئات المواطنين، وفى مقدمتهم العالقين بمطارات عدد من البلدان المجاورة وغير المجاورة، كما استفادت من نفس القرار أعداد مقدّرة من المواطنين السودانيين المقيمين أو المتواجدين بالخارج " غير العالقين"، ممّن آثروا العودة للوطن، مستفيدين من فترة السماح تلك. ووفق البيانات الرسمية الصادرة من وزارة الصحة، فإنّ ستين في المائة ( 60% )، من المواطنين العائدين تعاونوا مع موجهات التواصل مع لجنة الطوارئ، بملء استمارات البيانات التي وُزّعت عليهم، بصورة صحيحة، مكّنت الدولة من التواصل معهم، لمتابعة حالتهم الصحية، فيما تعامل أربعين في المائة ( 40% ) من العائدين، بطريقة غير مسئولة مع القرار، إذ أخفى البعض عناوينهم الصحيحة، أو أخطأوا في تبيانها، ممّا جعل أمر التواصل معهم غير مُتاح، وبالتالي، أصبحت عملية متابعة حالتهم الصحية، وتأكيد خلوهم من مرض ( كوفيد 19 )، الناتج من جائحة الكرونا، عملية صعبة، إن لم تكٌ مستحيلة !.هذا السلوك غير المتحضّر، الذى مارسه ما يُقارب نصف العائدين من الخارج، يجب أن يُنتقد بالصوت العالي، ونأمل أن تصحى وتستيقظ ضمائر الذين أدلوا عمداً، بمعلومات " كاذبة"، فيصحّحوا خطأهم، ومازال العشم كبيراً في بعض العائدين، وأُسرهم بالاستجابة لنداء الواجب الإنساني والوطني، بالتواصل مع وزارة الصحة الإتحادية، عبر الهواتف المحددة، حتّى تتمكّن الدولة من معالجة أوضاعهم لتحقيق الهدف المنشود، وهو الصحة والعافية للجميع !.

يبدو أنّ التعامل غير المسئول من فئة الـ( 40 % )، جعل الحكومة، تمضى في اتجاه عدم فتح المعابر مرة أُخرى، وهذا يعنى – ببساطة – حرمان أعداد كبيرة من السودانيين العالقين في مصر" نموذجاً" وفى منطقة السباعية –على وجه الدقة، وهى أعداد تُقدّر بالمئات، وقد سمعنا المعلومات ( الصادمة ) التي أعلنها وزير الثقافة والإعلام، فيصل محمد صالح، حول كيفية تعامل عدد محدود من المواطنين السودانيين في مصر، مع قرار عدم فتح الحدود مرّةً أُخرى، حيث لجأ البعض لسلوك غير حضاري في التعامل مع العاملين في سفارة السودان بالقاهرة، وقد وصل بالبعض إلى محاولة " احتلال السفارة "، وهذا السلوك المشين، يجب أن يلقى الرفض والإدانة، لأنّ الحقوق لا تؤخذ عبر العنف، مهما كانت الأسباب والمُبررات، ونربأ بمواطنينا من العالقين وغير العالقين، في مصر اللجوء للعنف والفوضى، لمعالجة قضاياهم، مهما كانت عدالتها، ونشكر لوزير الإعلام فيصل محمد صالح الصراحة والوضوح والشفافية التي تناول بها هذه القضيّة، فهو بهذا السلوك، يؤكّد أنّ زمان " الغتغتة و الدسّيس " ، قد أصبح من آثار الماضي "، وأنّ زمان الثورة السودانية هو زمان الحقيقة والصراحة والمكاشفة.. فشكراً جزيلاً أيّها الوزير المحترم !.

أعود لقرار الحكومة السودانية بعدم فتح المعابر – مرّة أُخرى- لتمكين السودانيين من العودة لوطنهم، سواء من مصر أو غير مصر، ومرّةً أُخرى – وآمل أن تكون الأخيرة – أجد نفسى مُضطرّاً للدفاع عن وجهة نظري المتعلّقة بـ( الحق في العودة للوطن )، " راجع/ى مقالي " بعنوان (( إجراءات الإغلاق الفوري للمعابر، والحق في العودة للوطن !))… وسيكون حديثي، هذه المرّة، مبنيّاً على ذات المنطق، ولكن، بحيثيّات جديدة، تدعم وجهة نظري السابقة، وهى أن يكون الحق في العودة للوطن، مشروطاً بالالتزام الكامل والتام بمراعاة الإجراءات الصحية، في امتثال العائدين / ات للعزل الطبي ( الإجباري، أو الاختياري)، وفق ما تراه السلطات الصحية السودانية، من إجراءات احترازية ووقائية، تحددها السلطات الصحية، على أن يلتزم بها الشخص العائد " جُملةً وتفصيلا "، ويُعرّضه الإخلال بها للمسائلة القانونية، والمحاكمة العادلة " أي المحاكمة التي تتوفر فيها معايير العدالة ".

أقول هذا وفى البال، ما أعلنته الحكومة على لسان الناطق الرسمي باسمها وزير الإعلام، بأنّ الدولة السودانية مستعدة – عبر القنوات الدبلوماسية – لفتح المعابر الجوية ( مطار الخرطوم – تحديداً )، لتُمكّن الدول الأجنبية من إجلاء رعاياها من السودان، وكذلك المنظمات الدولية، من إجلاء موظفيها الأجانب من البلاد، وهو قرار سليم يجد التأييد والتعضيد، ويستحق الثناء عليه، ولكن، طالما ستُمكّن الدولة والحكومة السودانية، ( الآخرين ) من الاستفادة من هذا القرار الصائب، فالأولى أن يكون المواطن السوداني من المستفيدين – أيضاً- عبر تنشيط مبدأ التعامل الـ( بالمثل)، مع الحكومات والدول الأخرى، ولذلك، أُجدد مطالبتي بعدم حرمان المواطنين السودانيين المتواجدين بالخارج من الحق في العودة للوطن، طالما كان ذلك ممكناً، عبر التواصل الدبلوماسي مع البلدان الأُخرى. ويقيني أنّ هكذا قرار سيساعد في نزع فتيل الأزمة القابلة للاشتعال في مصر !.

تبقّى أن نقول أنّ جائحة الكرونا، قد أبرزت للعيان، القيم السودانية السمحاء في التعاون والتضامن والتآزر المجتمعي، بين فئات المجتمع السوداني المختلفة، كما فجّرت طاقات المجتمع المدني، ومنظماته القاعدية في التصدي للعمل العام " لجان المقاومة – نموذجاً "، وجسّرة الهُوّة بين الدولة والمجتمع في التعاون المشترك، لخدمة الشعب والوطن والإنسانية، وفى ذات الوقت كشفت بوضوح عن الوجه القبيح للنظام الرأسمالي العالمي، وأظهرت سوءاته، وانسداد بصيرته، وضيق أُفقه، لتسقط مع ذلك، شعارات حرية السوق، وطريق النيوليبرالية " الليبرالية الجديدة "، وأظهرت بجلاء قيم التضامن التي تبشّر بها الاشتراكية. وهذا حديث يطول !.

نص شعرى : وطني لو شُغلت بالخلد عنه …. نازعتني إليه في الخُلدِ نفسى (( أحمد شوقي )).