امستردام 16 مايو 2023: دبنقا

مثل غيرهم من قطاعات الشعب السوداني، تأثر الموسيقيون والعمل الفني والإبداعي بالحرب الجارية في البلاد منذ

15 أبريل 2023، حيث فر الألاف منهم من مناطق سكنهم المعتادة إلى مناطق أخرى داخل وخارج السودان وترتب على ذلك فقدانهم لوسائل كسب عيشهم والغربة عن جمهورهم ومحيطهم ومناخهم الابداعي. كما تعرض القطاع لتدمير ممنهج لبنياته الأساسية في محطات الإذاعة والتلفزيون والاستوديوهات والمكتبات المرئية والمسموعة، ودمرت المسارح وقاعات العرض وصالات الأفراح وكل المنشئات التي كانت تستقبل الفنانين والموسيقيين.

النزوح: الفنانون ليسوا استثناء

واوضح الدكتور كمال يوسف، أستاذ الموسيقى بالجامعات والمدارس السودانية، أن التأثير الأبرز بلا شك هي حالة النزوح التي فرضت على الموسيقيين والفنانين. بل أن بعضهم لم يستطع حمل آلته الموسيقية معه في رحلة نزوحه، ما يعني أنهم فقدوا مصدرا أساسيا لكسب عيشهم في المناطق التي نزحوا أو لجأوا إليها.

وضرب الدكتور كمال يوسف في حديثه لراديو دبنقا مثلا بمجموعة كبيرة من الموسيقيين الذين نزحوا إلى مدينة ود مدني في بداية الحرب وأقاموا هناك معسكرا كبيرا حتى جاءت ضربة ود مدني في منتصف شهر ديسمبر ليتشتتوا من جديد في مناطق واسعة وذهب بعضهم إلى بورتسودان ومازالوا يتواجدون فيها. بينما غادر آخرون السودان بشكل كامل ولجأوا إلى يوغندا وكينيا ومصر وغيرها من الدول.

مبادرات متعددة

ووصف الدكتور كمال يوسف في حديثه لراديو دبنقا حال الموسيقيين بأنهم يعانون من عدم الاستقرار النفسي مهما كانت ظروفهم وقدرتهم على التعايش مع الوضع الجديد. وأضاف أن مما يحمد للموسيقيين إطلاقهم لعدد من المبادرات ومن بينها “مبادرة الموسيقيين” التي تعمل على تقديم الدعم المالي المباشر للموسيقيين في كل مواقعهم وتحديدا الذين تعرضوا للحصار في أمدرمان أو مازالوا محاصرين في داخلها، وكذلك من نزحوا إلى ود مدني أو مناطق أخرى. وقد اجتهد الموسيقيون كثيرا في تفعيل هذه المبادرة وبمشاركة الموسيقيين المتواجدين في بريطانيا وكندا وأميركيا والإمارات من خلال توفير متطلبات أساسية مثل العلاج والأدوية. ونوه الدكتور كمال يوسف إلى الحفل الذي أقامه الفنان مازن حامد قبل يومين في القاهرة بدعم من رابطة الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة الامريكية وبلغت عائداته حوالي 30 ألف دولار خصصت للجان الطوارئ ومطابخ الأحياء في الخرطوم.

تصاعد الانتقادات في ظروف الحرب

وحول الانتقادات التي وجهت للفنانين بسبب ممارسة مهنتهم باعتبار أن ظروف الحرب غير ملائمة للاحتفال والغناء دون الأخذ في الاعتبار أن ذلك يمثل وسيلة عيشهم، اعتبر الدكتور كمال يوسف في حديثه لراديو دبنقا أن هذه الانتقادات لا تخرج عن النقاش العام بشأن تصنيف قديم للفن اجتماعيا يربطه بالبذخ والابتعاد عن بعض القيم . مثل هذه الانتقادات تتصاعد دون شك في ظروف الحرب، ومن الضرورة الأخذ في الاعتبار أن الفنانون يؤدون مهمتهم في سياق عام وهم ليسوا معزولين عن المجتمع. وإذا نظرنا لبعض حفلات الأفراح التي تقام حاليا في القاهرة مثلا نجد أن شكل الصرف والبذخ الذي يحيط بها لا يتناسب مع الأوضاع التي يعيشها السودان وأهله.

بارقة أمل للسودانيين

ويمضي الدكتور كمال يوسف إلى القول بأنه بالمقابل قام كثير من الموسيقيين بأدوار إيجابية وكانوا ملتزمين ومنضبطين وأقاموا ليالي وأحيوا أنشطة في منتديات مختلفة بنوع من الانضباط والالتزام وبشكل مشرف للموسيقى السودانية نفسها. وخير دليل على ذلك الحفل الذي أقيم في الجامعة الامريكية في الأسبوع الماضي لتأبين الأستاذ محجوب محمد صالح وشاركت فيه فرقة موسيقية كبيرة من حوالي 20 عازف وكورال ضم 10 أشخاص و 8 مغنيين وكان من المفترض أن يشارك أيضا الفنان شرحبيل أحمد الذي حالت ظروف وفاة ابنته من المشاركة. ومثل ذلك بادرة أمل للسودانيين بأن الموسيقيين موجودون وبشكل مشرف وقوي ويمكننا تقديم ما يفتح وجه السودان.

الاصطفاف وسط الفنانين

وأكد الدكتور كمال يوسف في حديثه لراديو دبنقا أن مثلما هناك سلبيات هناك إيجابيات، ومن الملاحظات السلبية المؤسفة نشاط بعض الفنانين في دعم الحرب وهذا موقفهم على كل حال.

ونوه إلى حدوث حوارات ومناقشات واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن اصطفاف بعض الفنانين بجانب الجيش وآخرين بجانب الدعم السريع وتم تداول مقتطفات من الخطابات سواء أن كانت داعمة للحرب أو الداعي لوقف الحرب.

بل واستخدم بعض المطربين والمطربات الجمل والعبارات التي استحدثت مؤخرا، وأنا شخصيا لا أرغب في تكرارها، والتي تدعم الحرب وأدخلت كمفردات في اغنياتهم. في مقابل ذلك إذا تحدث فقط أبو عركي البخيت وطالب بوقف الحرب فإن ذلك يرجح الكفة ويحدث التوازن المطلوب ويظهر مدى الوعي وأنه يمضي في الاتجاه الصحيح.

وشدد دكتور كمال يوسف على أن الدعوة للسلام جزء من رسالة الفنان المبدئية، ولا يمكن لفنان أن يدعو للحرب والمطلوب من الفنانين السير في الاتجاه الإيجابي والدعوة للسلام.


Welcome

Install
×