البندقية المدخنة !!

كان يوما عاديا من تسعينيات القرن الماضي ،حيث كنا و بعضا من المعلمين اليمنيين والاجانب في زيارة معرفية لقصر بلقيس الذي تتناثر آثاره واعمدته الصلبة غير بعيد من مدينة مارب

محمد موسى حريكة

بقلم: محمد موسي حريكه

كان يوما عاديا من تسعينيات القرن الماضي ،حيث كنا و بعضا من المعلمين اليمنيين والاجانب في زيارة معرفية لقصر بلقيس الذي تتناثر آثاره واعمدته الصلبة غير بعيد من مدينة مارب .
وعندما كنا منشغلين ونحن نغوص في اعماق تاريخ ينام علي بعد إلاف السنين ،انطلقت رصاصة بدد دويها هدوء المكان وجفل الحاضرون ،فقد كان معلما نزقا يلهو ببندقيته كعادة اليمنيين في محاولة التصويب نحو كل شئ او حتي نحو خيال عابر .
وفجأة تدفقت نحونا قبائل كسيل العرم مستوحشة رجال وشباب وصبية يحملون بنادقهم والدهشة والخوف تلفهم وتلفنا .
بعد ان تم حصارنا تماما طلب احدهم من المعلمين اليمنيين تسليم بنادقهم ومن ثم شرع في شم فوهة كل بندقية في منظر اشبه ما تقوم به الكلاب البوليسية .ثم هلل فجأة وقد عثر علي البندقية التي لم تزل بها رائحة دخان وعليه فقد فقد هدأ روع القوم وتم تجنيب صاحب البندقية .
اذن فهذه هي البندقية التي اخترقت هدنة في هذا المحيط المكاني الذي يضم قبيلتين متقاتلتين ،وفي لحظة اصبح زميلنا وقبيلته ضحايا خرق هدنة همو ليس طرفا فيها ولكن فقط لان ذلك الطلق الارعن قد زلزل وقارها . ولا حقا دفعوا ثمنها غاليا نتيجة لحظة طيش و دون علم حسب ما تختطه الاعراف القبلية اليمنية الصارمة.
بذهني ذلك الحدث البعيد الذي يرتبط الان ببنادق (مدخنة) وحرائق الجنينة التي ازهقت فيها مئات الارواح وخلفت مئات الجرحي.
وفي وطننا المرمي تحت الشمس طار الحبر النائب العام الي هناك ويبدو انه لم يستطع ان يشتم هو ولجنته بندقية مدخنة ،ولم تزكم انوفهم روائح الجثث وحرائق الاخشاب .
اما حميدتي هو الاخر فقد دفع بفيالقه الي هناك زاعما حفظ الامن وليس البحث عن من اطلق الرصاصة بل ارسل رسالة صوتيه الي والي غرب دارفور منددا بتصريحاته عن تدخل مليشيات تشادية مستبقا عمل كل اللجان . قوات حركات الكفاح المسلح صمت اذانها وعطلت انوفها وتاهبت بعد الحدث مباشرة للتوجه الي الشرق للزود عن الحدود ! وبدت رحلتها العكسية صوب الشرق تاركة الغرب للجمل بما حمل !
صمتت كل الجهات المنوط بها مجرد محاولة لتشتم دخان البنادق .
وفي اقصي الارض اثار الحدث النرويج وايرلندا واستونيا ودفعت بمذكرة عاجلة لمجلس الامن املا في تلمس اثرا للجناة .
احبطت روسيا والصين تلك المحاولة وهي التي ومنذ ازمنة النظام البائد تقمع كل محاولة لفضح ما يجري في دارفور ولا ندري سر تلك الشراكة الغبية بين حكومات الخرطوم وبينها ولم تستوعب بعد ذلك الانتقال والتحول ولكن كنا يقولون (صاحب الحاجة ارعن ).
وحتي اللحظة لم تتحرك منظمات المجتمع المدني ،ولا القوي السياسية باحزابها المختلفة نحو ساحات الحريق في محاولة التلمس عن قرب ماذا جري دعك عن مهمة البحث عن القتلة.
في اكثر من مكان وعلي امتداد الوطن يحصد الصراع العبثي ارواح المواطنين وهناك اصابع مستترة تضغط علي زناد البنادق في مشهد متداخل ولكن الذي يمكن تبينه دون حاجة لذكاء الكلاب البوليسية هو ان القوي الظلامية التي تتسيد الموقف في اكثر من صعيد وفي النسيج الحي لاجهزة الحكم هي التي تدفع بالبلاد نحو الهاوية .
وكما يقولون ( ستظل الشياه تخاف الذئب الي ان ياكلها الراعي ).