المسرحي صوصل لـ”راديو دبنقا” حول ظاهرة خلع الفنان محمد تروس لملابسه وقضايا فنية أخرى:

المسرحي سيد صوصل-مصدر الصورة: وسائل التواصل

المسرحي سيد صوصل-مصدر الصورة: وسائل التواصل


نحن نرتدي الملابس خوفاً من البرد.. لكن القتلة يغتالون الطفولة بأفخر الثياب.-

الحرب تحاول اغتيالي وما زلت “أفرفر” بالحنين والبكاء على الوطن.-

أزمة المبدع في “قبض” المؤسسات الإعلامية لصوته.. و”دبنقا” كانت متنفسنا.-

لو كان “حسكا” في “السوريبة” لما ظل ميتاً في غرفته لأربعة أيام.-


يغوص “راديو دبنقا” عبر “ملفات سودانية” في هذه الحلقة في ثنايا الوجع السوداني مع مبدع يرى في السلام صلاة، وفي المسرح مرآة تكشف عورات الواقع. نستضيف المسرحي سيد صوصل، لنقرأ معه ملامح الحراك الفني الراهن، ونفكك شيفرات الصدمة الدرامية التي أحدثها الفنان “تروس”، ونستشرف مستقبل “غبار الخيانة” في زمن الحرب. حوار يتجاوز حدود النص ليلامس روح القضية، بين حنين الوطن ومرارة المنافي وفلسفة العودة إلى الفطرة الأولى.


أجرى الحوار – أشرف عبدالعزيز
ستاذ سيد، يرى البعض أن حراك الفنانين لوقف الحرب جاء متأخراً وبعد فوات الأوان، لكنك تذهب إلى أن السلام قيمة مطلقة تتجاوز الزمن.. هل ترى أن نداءاتكم الحالية ليست مجرد رد فعل، بل هي حوجة إقليمية وعالمية تزامنت مع بشائر سلام حقيقي بدأت تدنو منا؟
أنا لا أريد أن أدافع عن الفنانين، لكن مثلاً إذا كانت “عقد الجلاد” منذ بداية الثمانينات تصدح: (الناس في بلادي يزرعون الحب، كلامهم بسام، ولونهم أنغام، وحين يتقابلون ينطقون بالسلام)، وإذا كان الراديو منذ الستينات يردد: (يا روحي سلام عليك، وصابحني دايماً مبتسم)، فالسلام عندنا هو القيمة الدائمة مع طلوع الشمس وفي مغيبها، الذي نحتاج للسلام عنده أكثر من الصباح، لأن في ذلك الوقت تتعطل كل الحواس ببدء الظلام، والظلام يحتاج للسلام. نحن الآن نمر بعصر من الظلام والأفضل لنا استجداء السلام. لم يتأخر الفنانون، فهم أثيرون لأجهزة الإعلام، إذا قُبض صوتها قُبض صوت الفنان، وإذا أُطلقت بحرية وديمقراطية أُطلق صوت الفنان. وفي الفترة الماضية لا يحتاج أحد لسبر أغوار ليثبت أن المؤسسات الإعلامية في السودان لا تمنح المبدعين فرصة لعرض إنتاجهم، ولولا وجود إذاعات كـ “دبنقا” لما وجدنا متنفساً.


*أثارت حادثة خلع الفنان محمد تروس لملابسه على المسرح لغطاً واسعاً، لكنك تراها عملاً عادياً في ظل “الظروف الظلامية”.. من منظور فلسفي، كيف ربطت بين “مشيمة الميلاد” وبين فعل تروس؟
تروس أراد إرسال رسالة كفنان مسرحي عالمي، وما قام به من فعل بخلع ملابسه في هذه الظروف الظلامية عادي جداً، لأن ابن آدم ينسى دوماً أنه عندما خرج من بطن أمه لم يكن يلبس شيئاً، فقط يلبس هذه “المشيمة” لا شيء آخر، وأنه سيعود مرة أخرى لله عز وجل وهو مجرد من ملابسه، ولا يلبس سوى أعماله الجميلة، وما نلبسه الآن هو مجرد خوف من البرد. نحن “بقينا عورة”، فقد تجد من يلبس أفضل الثياب وهو متعري من الأخلاق والفضيلة ويمكن أن يغتال طفلاً رضيعاً. نحن في أمسّ الحاجة للتصالح مع أنفسنا وأن نحس بالسلام في دواخلنا. أنا لا أعرف تفاصيل الحالة وقدر الاستفزاز الذي وصل بالفنان تروس إلى هذه المحطة، لكنه قادم من هولندا ومشرب بأفكار درامية اكتسبها من الدراسة والتجربة. كلما تدثرنا بأفضل الملابس (سواء كانت ملابس الفضيلة أو الأخلاق) فهذه فطرة، ولكن كلما تعرينا، يجب أن يكون التعري في “الاعترافات”، لأي شخص ارتكب أي حماقة في حق الآخر فليتعرى ويعتذر للأفراد أو المجموعات أو الوطن.


*الحرب لم تنجح في تغييب صوصل، بل لا تزال “تفرفر” وتقاوم عبر مشاريع جديدة.. حدثنا عن تجربة “غبار الخيانة”؟
الحرب تحاول اغتيال صوصل الموجود أمامكم، وما زال (يفرفر) سواء عبر الحنين والبكاء على الوطن وفقد الأصدقاء. الأعمال الجديدة لنا مع بعض الشباب (هيثم أمين وهيثم وهدان)، حيث نشتغل على تجربة جديدة اسمها “غبار الخيانة”، وهي تتحدث عن إمكانية إدانة الوزير الفاسد في عمل درامي، وهل نستطيع إدانة رئيسنا إذا ارتكب جريمة في حق الشعوب؟ وهل ممكن تصويب القاضي أو الشرطي؟ إشكالنا في كل الحقب السابقة كان عدم قدرتنا على انتقاد المسؤولين ومحاسبتهم.


*مرثية “حسكا”.. وجع الموت في صمت المنافي؟
أنعي صديقي محمد محمود (حسكا) الذي توفته المنون في غرفته ولم يُكتشف إلا بعد 4 أيام، حسكا لو كان في السودان، في (السوريبة) أو أي مكان، لكان جاره افتقده وعرف ما حدث. وأنا نظمت أبياتاً في رثائه:
هلك الخريف الفات يا السيدة ولدك مالك
والقمري البقوقي في غصينو غرد هالك
شن قبحك يا النايرة سنحك وغير حالك
والليلة الطريف فاقد المعاك برفق
وعنافي الأصيل يا السيدة حالتو تشفق
يالسمحة أم كفل مرات تلم فينا مره تدفق

Welcome

Install
×