خبراء: زيارة وفد البنك الدولي احتواء الدولة من الانهيار ورعاية مصالح “دول الرباعية”
رئيس مجلس الوزراء د. كامل إدريس لدى استقباله ببورتسودان وفد البنك الدولي رفيع المستوى برئاسة السيدة/ مريم سالم المدير الإقليمي للبنك الدولي الثلاثاء 2 ديسمبر 2025: وكالة السودان للانباء
امستردام: 3/ ديسمبر/ 2025م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
استأنف البنك الدولي اتصالاته بحكومة بورتسودان بارسال بعثة رسمية رفيعة المستوى بدأت زيارة رسمية إلى البلاد، أمس الإثنين وتستغرق عدة أيام تلتقي خلالها المسؤولين في الدولة، وتأتي الزيارة بعد تعليق العلاقات مع السودان منذ انقلاب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25/ أكتوبر/ 2021م.
وضمت بعثة البنك الدولي مديره الإقليمي للسودان وإثيوبيا وإريتريا مريم سالم، والمدير القطري للبلاد في البنك يوينشيرو إيشيهارا، بمشاركة د.محمد عثمان الخبير الاقتصادي بمكتب البنك الدولي في السودان. وعقدت البعثة لقاءً مع وزير المالية جبريل إبراهيم وكبار المسؤولين في الوزارة.
وبحث اللقاء المشروعات التي بدأ تمويلها من محفظة البنك الدولي منذ العام 2024م ويستمر إكمال تنفيذها عبر المحفظة خلال الأعوام القليلة القادمة، وتتمثل في تعزيز قدرة المجتمعات على الصمود، دعم طوارئ التعليم الإبتدائي، الاستجابة للطوارئ والمساعدة الصحية، مشروع شبكة الأمان للاستجابة ودعم الطوارئ، ومشروع تعزيز مرونة المجتمعات، وكشف اللقاء عن موافقة البنك على تمويل مشروع جديد في مجال الطاقة النظيفة والرقمية في السودان.

وتباينت وجهات نظر عدد من الخبراء الذين استطلعهم “راديو دبنقا” حول أبعاد الزيارة وشكك البعض بأن هنالك أهداف أخرى. فبينما يرى أنها الخبير المصرفي عمر سيدأحمد بأن هدف الزيارة لاحتواء الدولة من الانهيار، يقول المحلل الاقتصادي كمال كرار بأنها تهدف لتفكيك وخصخصة مشروع الجزيرة.
ويعتقد الخبير الاقتصادي عبدالحليم تيمان بأن الزيارة تهدف إلى التنسيق مع الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لربط المساعدات الإنسانية بالتنمية طويلة الأجل.
لكن الخبير الاقتصادي بروفسير صدقي كبلو يرى أن الهدف من الزيارة رعاية مصالح الدول المشاركة في الرباعية بإصلاح البنية التحتية والخدمات حتى يمكن أن يؤدي السلام لاستغلال موارد الدولة السودانية.
وتضم دول الرباعية كل من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة.

احتواء انهيار الدولة:
ويرى الخبير المصرفي والمالي عمر سيدأحمد أن زيارة وفد البنك الدولي إلى السودان الهدف منها محاولة لاحتواء الدولة من الانهيار، وليس لإطلاق عملية إصلاح كبرى وتمهيد أولي لما يمكن أن يكون مرحلة “تعافٍ مبكر” إذا توقفت الحرب واستعادت الدولة قدرتها على العمل.
ويشير سيدأحمد في حديثه لـ”راديو دبنقا” إلى أن الزيارة، أيضاً، تحمل دلالات سياسية واقتصادية مهمة، أبرزها عودة المؤسسة الدولية للتعامل الفني مع السودان في ظل حرب واسعة وانهيار غير مسبوق في الخدمات.
ويقول: رغم أن الحرب عطّلت مؤسسات الدولة وتسببت في تشظي السلطة وانقسام الوزارات، إلا أن البنك الدولي أعلن استمراره في تمويل مشروعات بقيمة تتجاوز 504 مليون دولار.
ويضيف أن البنك الدولي، أوضح بجلاء أن تنفيذ المشروعات لن يتم عبر مؤسسات الدولة، وإنما عبر وكالات الأمم المتحدة، والسبب واضح، بحسب، سيدأحمد هو انهيار القدرات الحكومية، وفقدان السيطرة الإدارية، وعدم الاعتراف السياسي الكامل بالحكومة، ورغبة البنك في حماية أموال المانحين، إضافة إلى قدرة الأمم المتحدة على العمل داخل مناطق النزاع بصورة أكثر أمانًا وتنظيمًا.
تمويل بأطراف ثالثة:
وأوضح أن البنك الدولي أكد التزامه بمبدأ دولي صارم هو: “لا تمويل مباشر للسلطات الفعلية من دون اعتراف سياسي.” ويضيف قائلاً: “وباعتبار أن الحكومة السودانية الحالية لا تتمتع باعتراف دولي كامل، فإن أي تمويل أو مشتريات أو خدمات لن تمر عبرها، بل من خلال أطراف ثالثة ومنظومات رقابة مستقلة”.
ولفت إلى أن بعثة البنك الدولي تركّز على أولويات عاجلة تشمل إعادة الإعمار، دعم الصحة والتعليم والمياه، وتأهيل الزراعة، إضافة إلى مشروع جديد للطاقة النظيفة والرقمية، وهو قطاع أصبح أكثر أهمية بعد انهيار الشبكة القومية.
ويعتقد الخبير المصرفي والمالي عمر سيدأحمد أن عودة البنك الدولي خطوة إيجابية، فإنها تكشف أيضًا هشاشة الوضع الراهن. مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يعود اليوم ليس لتمويل التنمية بالمعنى التقليدي، بل لمنع انهيار الدولة، وحماية ما تبقى من الخدمات الأساسية، ومواجهة الكلفة الإنسانية الضخمة للحرب.

البنك لن يفرط في مشروع الجزيرة:
من جهته يرى الكاتب الصحفي والمحلل الاقتصادي كمال كرار أن الزيارة تهدف إلى تفكيك مشروع الجزيرة مقابل ما وصفه بالرشوة التي سيقدمها البنك الدولي لحكومة بورتسودان بمبلغ الـ502 مليون دولار المقترحة للتمويل.
ويقول كرار في حديثه لـ”راديو دبنقا”: رغم أن البنك الدولي قد قطع علاقاته بالسودان وأوقف تعامله مع وزارة المالية منذ انقلاب 25/ أكتوبر 2021م، إلا أن وزير المالية ومحافظ البنك المركزي كانا يشاركان في الاجتماعات السنوية للبنك في أكتوبر من كل سنة بواشنطن.
ويشير إلى أن آخر اجتماع في أكتوبر الماضي لم يشارك فيه وزير المالية لكن شارك فيه وزير
دولة ووكيل الوزارة، وعقدا اجتماعاً مع رئيس البنك الدولي، الذي أبلغهم بأن لديه مبادرة لتوفير الأمن الغذائي والخدمات الصحية والإعمار، في الدول الفقيرة في إفريقيا ومن ضمنها السودان، وقد تطرق الحديث عن حصة السودان من هذا الدعم خاصة الأمن الغذائي.
ويعتقد كرار بـأنه لاتوجد دولة ومؤسسات ويقول لو أرادت السلطة الحالية اتخاذ أي قرار فمن الساهل جداً أن تنفذ شروط وقرارات البنك الدولي، ويؤكد بأن الزيارة تهدف لتنفيذ تلك الشروط، ويدلل على حديثه بأنه بالرغم من أن مبلغ الـ 504 مليون دولار المرصودة لمشروعات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. وتابع قائلاً: ” من تحت السطور تقرأ أن هنالك حديث عن إجراء تعويضات في القطاع الزراعي”.

رشوة لحكومة بورتسودان:
ويعتقد المحلل الاقتصادي كمال كرار بأن البنك الدولي يرغب في هذه الفترة تصدر الحكومة الحالية، قرارات لصالحه تتعلق بالمشاريع المروية، مثل الخصخصة، مقابل ما وصفه بـ”الرشوة” بمبلغ الـ504 مليون دولار، ويدلل على حديثه بأن البنك الدولي تحدث عن الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص في المجال الزراعي.
وخلص إلى أن الزيارة تهدف لخصخصة وتفكيك مشروع الجزيرة، وتابع قائلاً: “البنك الدولي لايريد ترك مشروع الجزيرة على حاله هذا، بل ظل يسعى لتفكيكه منذ أمد بعيد، بل لايريد أن يكون هنالك مشروع كبير تابع للقطاع العام وتحت إدارة وإشراف الدولة، لكن في سبيل كسب مبلغ الـ504 مليون دولار ليس لدى “مجموعة بورتسودان” أي مانع في بيع أي مؤسسة في الدولة”.
وأعاد كرار التذكير بأن كل هذا السيناريو مرتبط بالعقد الذي وقعته شركة السكر السودانية مع شركة سعودية لتوريد أسمدة وتقاوي، على أن ترهن لها بعض الأراضي الزراعية.
تقييم آثار الحرب:
من جانبه تطرق الخبير الاقتصادي د.عبدالحليم تيمان عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير. للحديث عن أن السياق العام للعلاقة بين البنك الدولي والسودان قبل الحرب، حيث يرى بأنها تمثلت في وصول السودان إلى نقطة الانطلاق في يونيو 20- 2021 جنباً إلى جنب مع صندوق النقد الدولي، وكان من المأمول أن يصل السودان إلى نقطة الانجاز في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون “هيبك”.
ويعيد التذكير في حديثه لـ”راديو دبنقا” بأن أسباب توقف السودان عن السير في هذا المسار لانقلاب 25 /أكتوبر/ 2021 واندلاع حرب 15 أبريل 2023م، ويشير إلى أنه مسار سياسي واقتصادي يعتمد على الاصلاحات والاستقرار، ويضيف بأن السودان كان من المتوقع أن يصل إلى نقطة الانجاز في نهاية 2023م، ويتمكن بالتالي من إسقاط 50 مليار دولار نهائياً من ديونه، مما يتيح مجال كبير للسودان للحصول على فرص تمويل كبيرة.
ويقول تيمان: لكن طبعا البنك الدولي علق التعامل مع السودان في هذا المسار وإشترط على السودان من أجل استئناف المسار، إنهاء الحرب وإعادة تفعيل برنامج التسهيل الإئتماني المحدد وإستكمال مراجعاته المعلقة، وكذلك هناك شرط خاص بتحقيق معايير الآداء المتفق عليه.
ويعتقد الخبير الاقتصادي بأن الأهداف والأسباب الأفتراضية للزيارة لتقييم الأثر الاقتصادي والإجتماعي للحرب، ومراجعة احتياجات السودان استعداداً لاحتمال توقف الحرب وبدء المسار السياسي، ويرى أنه من أهداف الزيارة، أيضاً لمناقشة إمكانية استئناف المشاريع المعلقة أو إعادة توجيهها لتتناسب مع الواقع الجديد.

ولم يستبعد تيمان أن يعيد البنك الدولي، النظر في حزم تمويلية جديدة تركز على الواقع بعد الحرب، وتوقع أن يكون من بين أهداف الزيارة، التنسيق مع الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لربط المساعدات الإنسانية بالتنمية طويلة الأجل.
لكن في إطار الاقتراحات فقد أقترح، الخبير الاقتصادي د.عبدالحليم تيمان، للبنك الدولي أن يلتزم بدفع رواتب العاملين كما فعل في السابق في اليمن، وأيضا دعم الاستجابة الفورية للإحتياجات الإنسانية والتركيز عليها للسودانين في البلدان التي لجأوا إليها وفي مناطق النزوح في الداخل، حيث يعاني الناس من شح الطعام وانتشار الأوبئة والأمراض.
كما نصح تيمان، البنك الدولي للتركيز على التنسيق مع الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لتوفير خدمات الصحة والتعليم والغذاء لملايين السودانين بالداخل وفي مناطق النزوح وحتى في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وفي الدول التي لجأوا إليها والمساهمة في مجهودات وقف الحرب واستئناف المسار الديمقراطي.
صفقة تقسيم المصالح:
بينما وصف الخبيرالاقتصادي بروفيسر صدقي كبلو أن زيارة وفد البنك الدولي في هذه الظروف بأنها “زيارة غريب” ولكنها “واردة” في ظل المشاورات التي تجري بين الجيش السوداني و”الآلية الرباعية” التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر الامارات، أو على الأقل مع السعودية والولايات المتحدة بهدف التشاور حول أي قضية بما في ذلك القضية الاقتصادية.
ويقول كبلو في حديثه لـ”راديو دبنقا”: بأن الصفقة المزعم عقدها لإبرام سلام في السودان هي في الأساس صفقة حول تقسيم المصالح وتحديد نصيب كل دولة مشاركة في الرباعية من ما ستجنيه من السودان، ويؤكد بأن لن يجني أي أحد منهم شيئا حال لم يتم إحداث الإعمار الأولي المتمثل في استعادة الخدمات الأساسية وإعادة تعمير البنية التحتية الأساسية، ويبين بأن ذلك هو السبيل الوحيد للسماح باستغلال موارد السودان.
ويرى أنه رغم “غرابة التوقيت” فإنَّ زيارة وفد البنك الدولي يمكن تفسيرها في ذلك النطاق، أي أنها تريد أن ترعى مصالح الدول المشاركة في الرباعية بإصلاح البنية التحتية والخدمات حتى يمكن أن يؤدي السلام لاستغلال موارد الدولة السودانية.
ويمضي البروف كبلو للقول بأنه: “ومهما يكن فالمسألة ليست بالسهولة فظروف الحرب ووصول طيران الدعم السريع إلى مناطق مختلفة من السودان، بما في ذلك العاصمة والمناطق التي يسيطر عليها الجيش والعكس صحيح لا يجعل أي استثمار في أمان”. ويرهن ذلك بأن أي استثمار لا بد ان يبدأ بوقف اطلاق النار الدائم وليس المؤقت، وتابع قائلاً: “وهكذا يصبح أن الزيارة هي زيارة تمهيدية ودراسية للترتيبات لن ينجم عنها أي عمل ذو فائدة”.

أما حول اعتماد البنك الدولي على وكالات الأمم المتحدة لتنفيذ برامجه ومراقبة مشاريعه في البلد المعين، فقد أرجع الخبير الاقتصادي بروفيسر صدقي كبلو، السبب إلى أن ذلك دائما يتم في حال توتر العلاقة بين صندوق النقد الدولي والبلد المعين، مؤكداً بأن البنك لا يستطيع ان يقدم مساعدات مباشرة انما يقدمها ضمن برامج الأمم المتحدة المختلفة سواء كان برنامج الأمم المتحدة للتنمية، أوالغذاء، البيئة اليونسكو أو اليونسيف.
ولفت إلى أنها في العادة تكون مشاريع صغيرة بينما المشاريع الكبيرة تتم إما بالشراكة مع الحكومة، أو بإحدى منظمات البنك الدولي المتخصصة في تشجيع الاستثمار الخاص، وهذا يتم عن طريق بنك متخصص مثل البنك الصناعي والبنك الزراعي أو مؤسسة الزراعة الآلية كمان كان في الماضي.
ويرى الخبير الاقتصادي بروفيسر صدقي كبلو أنه ليس غريباً أن تكون العلاقة غير المباشرة مع الأمم المتحدة في ظروف انقطاع التعاون بين صندوق النقد الدولي والسودان، ويبين بأن البنك الدولي لا يتحرك إلا عندما تكون هناك علاقة جيدة بين الصندوق والسودان، حتى يتحرك البنك الدولي بمشاريع.
ويؤكد بأن شهادة الاقتصاد السوداني للاستثمار تأتي من الصندوق قبل ان يتوجه البنك لتقديم عون استثماري، ويقول أن هذا ينطبق على عدد من البنوك العالمية أيضاً ويضيف: على أي حال الزمن كفيل بكشف المسكوت عنه في تلك الزيارة.


and then