خبير يتوقع إنشاء “الآلية الرباعية” صندوق خاص بالمساعدات الإنسانية
صورة نشرها مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط على حسابه الرسمي له على منصة اكس ويظهر في الصورة هو وممثلي دول الرباعية السعودية ومصر والامارات بواشنطن - السبت 25 أكتوبر 2025
امستردام: 24نوفمبر2025م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
توقع الخبير في شؤون العمل الإنساني د. صلاح الأمين إنشاء دول الآلية الرباعية، بالتنسيق مع الاتحاد الأوربي صندوق خاص بالمساعدات الإنسانية، مستبعداً صدور قرار من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيادة تمويل المعونة الأمريكية كما كان يحدث في السابق.
وقال الأمين لـ”راديو دبنقا” أنه من المرجح إنشاء صندوق خاص بالمساعدات الإنسانية ضمن إطار دول الآلية الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، بحيث تُسهم فيه دول الرباعية مع الاتحاد الأوروبي لتمويل المنظمات العاملة على الأرض. وذلك لضمان معالجة الآثار الإنسانية الكارثية الناجمة عن الحرب، وتعزيز حماية المدنيين، ضمن خطة الرباعية في تنفيذ الهدنة الإنسانية.
واستبعد في الوقت نفسه، إمكانية زيادة الدعم الأمريكي للمنظمات الإنسانية بمافيها الأمم المتحدة، وذلك بالتراجع عن قراره السابق بخفض تمويل المنظمات وتابع قائلا: “لاأتوقع أن يقدم الرئيس دونالد ترامب على ذلك، مشيراً إلى أن قرار خفض المساعدات من “برنامج المعونة الأمريكية” مرتبط بتركيبة الإدارة الأمريكية نفسها”.
كما قال الأمين إنه لا يتوقع ، أيضاً، صدور قرارمن إدارة ترامب لزيادة تمويل “برنامج المعونة الأمريكية” كما كان يحدث في السابق، مشيراً إلى أن شكل الدعم الإنساني سيتحوّل إلى آليات جديدة تقودها الرباعية بدلاً من القنوات التقليدية.
وأوضح أن عمل “الرباعية” قد يسهم في تعويض هذا النقص، حيث من المتوقع أن تتولى بعض دول الرباعية دعم المنظمات الدولية باقتراح من إدارة ترامب، لتؤدي المهام التي كانت تقوم بها المعونة الأمريكية سابقاً، خصوصاً الدول الغنية داخلها.
وأبدى ترامب رغبته في الانخراط في معالجة الأزمة السودانية وتحقيق السلام، وذلك إثر طلب من وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارة الأخير إلى واشنطن.
وأوضح أن تسوية النزاع في السودان لم تكن ضمن مخططاته، إلا أن وليّ العهد السعودي دعاه إلى التدخل بقوة لحل الأزمة التي تُعدّ – وفق الأمم المتحدة – من أسوأ أزمات العالم.
“وضع إنساني طارئ مركب”:
وفي ذات السياق اعتبر الخبير في الشأن الإنساني والموظف السابق في الأمم المتحدة د. صلاح الأمين، الوضع الإنساني في السودان عموماً، وفي دارفور وكردفان بشكل خاص، يُشخَّص بأنه و”ضع إنساني طارئ مركّب”، مشيراً إلى أنه الوضع الذي ينتج من تواتر الحروب والكوارث الطبيعية، ودائما ما تكون نتيجته بتكرار موجات النزوح لعدة مرات، حيث ينتقل الناس من الفاشر إلى طويلة أو إلى الدبة منها إلى مناطق أخرى.
وقال الأمين إذا لاحظنا في الفترة الأخيرة إنّ هذه التحركات الإنسانية زادت خاصة بعد دخول قوات الدعم السريع إلى الفاشر وحصاره لعدة مدن في كردفان ودارفور، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي بدأ يرى بوضوح حجم المشاكل التي يواجهها السكان.
وأضاف أن ذروة هذه التحركات بلغت قمتها في زيارة القيادي الأممي الرفيع توم فليتشر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، إلى دارفور وبورتسودان ولقائه بالمدنيين في مناطق النزوح، واصفاً ذلك بأنه مؤشر جيد جداً على أن المنظمات الدولية بدأت تتحرك بشكل جاد، رغم أن بعضها كانت موجودة مسبقاً في مناطق بدارفور مثل معسكر طويلة الخاضع لإدارة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور.
وتوقع د. صلاح الأمين تزايد وتيرة الزيارات خلال الفترة المقبلة، مرجحاً أن تشمل كوادر أقل من حيث المرتبة الإدارية من توم فليتشر، لكنها أكثر قدرة ومعرفة على العمل الميداني، حيث ستتولى تحديد الاحتياجات بدقة شديدة، الأمر الذي سيفتح الباب أمام دخول مزيد من المساعدات الإنسانية لاحقاً.
وأشار إلى أن ذلك سيتم عبر اتفاقات مع الحكومة في بورتسودان، أو مع حكومة تأسيس في نيالا، أو مع إدارة عبدالواحد نور، بهدف إدخال المساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين.
موافقة الأطراف المتقاتلة على الهدنة
وتوقع د. صلاح الأمين موافقة كل الأطراف السودانية المتقاتلة على الهدنة الإنسانية، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة التي انعقدت بواشنطن الثلاثاء.
واقترحت دول المجموعة الرباعية في سبتمبر الماضي هدنة إنسانية تمتد من ثلاثة إلى تسعة أشهر، تهدف إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من النزاع، وتُمهّد لوقف شامل للحرب في السودان، يتم بعدها الدخول في عملية سياسية لحل الأزمة.
وفي حين أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على الهدنة الإنسانية التي أعلنتها الرباعية في سبتمبر، لا يزال الجيش يرفض تلك الخطة.
وأوضح الأمين أن الهدنة الإنسانية لا تستند فقط إلى الزخم السياسي الذي أحدثته تصريحات ترامب، بل أيضاً إلى التحركات الأخيرة للأمم المتحدة، التي دفعت بأرفع قياداتها للعمل الإنساني، وفي مقدمتهم وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية توم فليتشر، ما يعكس توجهاً عاماً داخل المنظمات الدولية بضرورة الوصول إلى المدنيين المتضررين من الحرب بأي وسيلة ممكنة وتقديم المساعدة لهم.
وأشار إلى أن هذا التوجّه يتقاطع أيضاً مع النقاشات الدائرة حول مفهوم السيادة، موضحاً بأنه حسب القانون الدولي يفترض أن تكون السيادة للحكومة في بورتسودان، وهو ما يحدث فعلياً على الأرض، إلا أن تجارب كثيرة في مناطق أخرى أثبتت أن السيادة في بعض الأحيان تُمنح عملياً لمصلحة المدنيين المتضررين على الأرض لضمان وصول المساعدات إليهم.
وقال الخبير صلاح الأمين إن هذا المسار يبدو واضحاً في الحالة السودانية، مستشهداً بزيارة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة توم فليتشر إلى بورتسودان، حيث منحته السلطات الإذن بالتحرك نحو مناطق دارفور حتى الخارجة عن سيطرة الحكومة، بما فيها مناطق تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع وأخرى تحت إدارة عبدالواحد محمد نور.
لاخيار سوى الموافقة على الهدنة
واعتبر الخبير في العمل الإنساني د. صلاح الأمين أن وصول المسؤول الأممي لتلك المناطق رغم انطلاقه من بورتسودان يؤكد أن جميع الأطراف باتت تشعر بأنه لا خيار أمامها سوى الموافقة على الهدنة الإنسانية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة.
وأضاف بأن ستكون هنالك أشكال من المساعدات ستختلف من منطقة لأخرى، تبعاً لدرجة تأثرها بالحرب وطبيعة الاحتياجات. فالمناطق التي ما تزال تشهد قتالاً تحتاج إلى أولويات مختلفة مقارنة بالمناطق التي توقفت فيها العمليات العسكرية، أو تلك التي دخلتها الحرب حديثاً.
لكنه أكد بشكل عام أن الوضع العام في السودان يشير إلى أن أكثر من 30 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات مختلفة تشمل الغذاء والماء والتعليم والصحة والحماية والاتصالات وغيرها، وهو ما سيجعل المنظمات تعتمد على تقييمات ميدانية دقيقة لتحديد شكل المساعدة المناسبة لكل منطقة.
حديث الأرقام
وأكد د. صلاح الأمين أن الأرقام التي أعلنتها منظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية”أوتشا” تعكس خطورة الوضع الإنساني في السودان، مشيراً إلى أن التقديرات تشير إلى حاجة البلاد لنحو ستة مليارات دولار، في وقت لم يتمكن المجتمع الدولي حتى الآن من جمع أقل من 6% من هذا المبلغ.
واعتبر أن هذا النقص الهائل في التمويل يعني أن الطريق لا يزال طويلاً يتطلب مضاعفة الجهود أمام توفير الموارد اللازمة لمواجهة الكارثة الإنسانية.
وأوضح الأمين أن هنالك عدداً من المناطق في دارفور وكردفان وجزء من النيل الأزرق وجبال النوبة وصلت بالفعل إلى مرحلة المجاعة الكاملة، مؤكداً أن أكثر من 17 منطقة تعاني من انعدام تام للغذاء.
وأضاف أن أكثر من 30 مليون سوداني فقدوا كل ما يملكون ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة، تختلف طبيعتها من منطقة إلى أخرى، لكنها في النهاية تظل ضرورية وملحة لضمان بقاء السكان على قيد الحياة، إلى جانب الحاجة الملحّة لتوفير الحماية.
وأشار الخبير الإنساني إلى أن حجم الكارثة يتطلب جهداً كبيراً جداً، لا سيما أن دور المنظمات المحلية داخل السودان أصبح محورياً، إذ لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً أساسياً طوال العامين ونصف الماضيين، وتمكنت من بناء شبكات تنسيق فعّالة ساعدت في إبقاء ملايين السودانيين على قيد الحياة رغم الحرب والقمع والصعوبات اللوجستية.
وقال إن هذه الشبكات، التي تشمل غرف الطوارئ، والمطابخ المركزية “التكايا”، والمبادرات المجتمعية الأخرى، مشدداً على أن أي منظمة دولية ترغب في العمل داخل السودان “لابد أن تنسق مع هذه المجموعات المحلية.
ولفت الأمين إلى أن هذه المنظمات المجتمعية خلال العامين ونصف راكمت خبرة مباشرة في العمل الميداني خلال أكثر الفترات قسوة، واستطاعت الوصول إلى المحتاجين في ظروف شديدة الصعوبة. رغم الحرب والقمع والمشاكل اللوجستية التي ظلوا يواجهونها مشيراً إلى أن هذه المنظمات ستكون الأساس الحقيقي للعمل الإنساني في أي منطقة في السودان.


and then