السودان في الصحافة العالمية .. ادانات دولية دون أفعال !
امرأة فرت من الفاشر ويبدو عليها الارهاق والحزن الشديد على قارعة الطريق في منطقة خلوية بحثا عن مكان امن : وسائل التواصل الاجتماعي
امستردام 31 أكتوبر 2025 : راديو دبنقا ووكالات
واصلت الصحف العالمية الحديث عن المأساة المتفاقمة بالسودان التي يرى خبراء أنها تتطلب تفعيلا لآليات العقاب الدولي
وكتبت نيكولاس كريستوف مقالا في نيويورك تايمز قال فيه إن العالم فشل مجددا في منع الفظائع بالسودان “حيث لم تحظ الفظائع التي يجري الحديث عن وقوعها بمدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور ، بالاهتمام نفسه الذي حظيت به الإبادة التي شهدها الإقليم قبل عقدين من الزمن”.
ويرى الكاتب أن هذا يحدث “عندما يكون هناك إفلات من العقاب”، وأن طريقة إنهاء هذه الجرائم ضد الإنسانية ليست بإرسال قوات أميركية للغزو وإنما بتفعيل آليات العقاب عبر محكمة دولية ووقف التسليح عن الفصائل المسلحة وداعميها.
كما تناولت صحيفة تلغراف الانتقادات المتزايدة للحكومة البريطانية بعد العثور على أسلحة بريطانية في يد قوات الدعم السريع بدارفور.
ونقلت عن مونيكا هاردينغ -من حزب الديمقراطيين الليبراليين- أن الحرب في السودان “تمثل أكبر أزمة إنسانية في العالم”، وأن احتمال مساهمة المعدات البريطانية في الفظائع التي تقع هناك “أمر مروع”.
وقال أحد خبراء الأمم المتحدة السابقين للسودان إنه “لا جدوى عن ضوابط التصدير عندما ينتهي الأمر بالأسلحة في مكان لا ينبغي أن تكون فيه”.
يمكن للرئيس ترامب فرض سلام بالسودان
وفي مقال طويل، تناولت مجلة نيوزويك الصراع في السودان في مقال تحليلي لكبير محرريها للشؤون الخارجية توم أوكونور، يعتقد فيه أن مهمة الإدارة الأميركية في التعامل مع هذا النزاع المتشابك، والمشحون بالخصومات المحلية العميقة والانتهاكات الواسعة وتضارب المصالح الدولية، تبدو شديدة التعقيد. وتسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستثمار نفوذها في العواصم العربية الكبرى لانتزاع تسوية تنهي أشرس صراع دموي في أفريقيا تسبب في أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم اليوم.
الخطة
حتى الآن تتبع إدارة ترامب نهجا ذا مسارين في التعامل مع الحرب، طبقا للكاتب. فعلى المستوى الدولي، تعمل واشنطن مع شركائها في “الرباعية” لدفع خطة النقاط الـ5 التي كُشف النقاب عنها في سبتمبر الماضي.
وفي تصريح لنيوزويك، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تواصل العمل مع شركائها في اللجنة الرباعية التي تضم إلى جانبها كلا من مصر والسعودية والإمارات، لتنسيق الجهود الرامية لتحقيق سلام دائم في السودان.بما في ذلك تنفيذ الالتزامات الواردة في البيان المشترك الصادر في 12 سبتمبر الماضي، والذي يركّز على تأمين هدنة إنسانية، وإقرار وقف دائم لإطلاق النار، ودفع عملية الانتقال إلى الحكم المدني، ووقف الدعم الخارجي الذي يغذي الصراع.
وأكد مسؤولون أميركيون للمجلة أن محادثات لاحقة جرت لتعزيز هذه المبادرة وسط تدهور الأوضاع.
ووفقا للكاتب، فإن خطة ترامب في التعامل مع الحرب في السودان تعتمد على الجمع بين الانخراط الدبلوماسي والضغط السياسي، فإدارته تواصل اتصالاتها المباشرة مع الطرفين المتحاربين للتمهيد لوقف النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية. ويؤكد مسؤولون أميركيون أن إنهاء الحرب يمثل أولوية للرئيس ترامب شخصيا
ويرى خبراء أن قرار إدارة ترامب بتوظيف نفوذها وممارسة الضغط عند الحاجة على الشركاء العرب، قد يثبت فعاليته أكثر من نهج إدارة سلفه جو بايدن، التي فشلت في دفع مسار تسوية مستدامة للحرب، كما ظهر مؤخرا في نجاحها بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
وصرح أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس، لنيوزويك، أن سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور مؤخرا، “رغم عواقبها الكارثية من مجاعة ونزوح جماعي وعدم استقرار على سواحل البحر الأحمر، فإنها أخطر بكثير من المكاسب السياسية المحتملة للدول المجاورة، مما يجعل الدعوة إلى السلام منطقية تماما”.
وفي اعتقاد دي وال أن سقوط الفاشر “قد يفتح نافذة صغيرة للأمل، لكن تاريخ السودان يُظهر أن كل طرف يسعى للانتقام قبل التفاوض، أو يسعى لاستغلال انتصاره لتحقيق مكاسب ميدانية”.
وأضاف أن إدارة بايدن السابقة فشلت في التعامل مع الأزمة السودانية لأنها لم تُشرك شخصيات رفيعة في حوارات مباشرة مع العواصم العربية، لكن وزير الخارجية الحالي ماركو روبيو وضع، على ما يبدو، الإطار الصحيح للمرحلة الأولى من عملية السلام.
نزاع دولي متشابك المصالح
رغم كل ذلك، فإن التحرك الأميركي يصطدم بمصالح متشابكة تتمثل في دعم أطراف إقليمية ودولية لطرفي النزاع.لكن ليام كار، رئيس فريق أفريقيا في مشروع التهديدات الحرجة بمعهد أمريكان إنتربرايز، قال لنيوزويك إن “البيت الأبيض يحتاج إلى تحرك أكثر حزما تجاه قوات الدعم السريع وروابطها الخارجية”.
وأضاف أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على الطرفين، “لكنها شددت على الجيش السوداني، ويجب أن تُعامل قوات الدعم السريع بالمعيار ذاته”.
ويرى كار أن لدبلوماسية ترامب القائمة على الصفقات إيجابيات وسلبيات، فقد ساعدت هذه المقاربة في تحقيق تسويات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، وبين مصر وإثيوبيا، رغم بقاء الوضع على هشاشته.
وقال “يمكن للدبلوماسية التبادلية التي يتبناها ترامب أن تساعد في إبرام اتفاق بين دول الرباعية بحيث يحصل الجميع على مكاسب متبادلة ويتعهدون بكبح جماحهم في السودان، وهو ما من شأنه أن يوقف الدعم الخارجي ويمهد لوقف النار ثم يفضي إلى مفاوضات أوسع”.
لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن هذه الدبلوماسية “قد تصبح مضرة إذا منحت مكافآت مفرطة للمعتدين ولم تعالج الأسباب الجذرية للنزاع”، مشددا على ضرورة ممارسة مزيد من الضغوط في المعادلة، خصوصا ضد قوات الدعم السريع وحلفائها في المنطقة.
وأشار أوكونور في مقاله إلى أن ياسر زيدان، الباحث بجامعة واشنطن والأستاذ السابق في جامعة الخرطوم، يتفق مع هذا الطرح، لكنه يعتقد أن دبلوماسية ترامب التبادلية قد تحقق اختراقا إذا وازنت بين الضغط والمكافأة.
وفي نظر زيدان أن هذا النهج “أهم من إطار الرباعية ذاته، الذي أخفق مرارا في تقديم نتائج ملموسة”، مشيرا إلى الإستراتيجية الأميركية التي تواجه الديناميات الإقليمية مباشرة، وتضع حماية المدنيين السودانيين وحقهم في المشاركة السياسية في صلبها، “هي الأقدر على تحقيق سلام حقيقي ومحاسبة عادلة”.
جذور الحرب
ويُرجع أوكونور في مقاله جذور النزاع إلى صراع بين “أقوى رجلين” في السودان بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل 2019 إثر احتجاجات شعبية.
وعقب ذلك، تولت مقاليد الأمور في البلاد حكومة انتقالية قوامها مدنيون وعسكريون، استمرت عامين و6 أشهر بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وشهدت تلك الفترة تحسنا في العلاقات مع واشنطن آنذاك، خاصة بعد انضمام السودان إلى “اتفاقات أبراهام” بقيادة عرّابها ترامب، مقابل رفع العقوبات في أوائل 2021. لكن الكاتب يقول إن البرهان حلّ المجلس السيادي الانتقالي في أكتوبر 2021 وأسس حكما عسكريا، مما أشعل التوتر مع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، التي تطورت من مليشيات الجنجويد التي قاتلت في حرب دارفور (2003-2020).
لماذا لا تتحدثون عن السودان؟
تحت خذا العنوان قالت صحيفة لوتان السويسرية ، مستدلة بالحرب الأهلية السودانية، إن أزمة وسائل الإعلام، ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، سوف تحوّل النزاعات التي لا تؤثر مباشرة في المجتمعات الغربية تدريجيا، إلى نزاعات غير مرئية.
وتساءلت الصحيفة -في تقرير بقلم فريديريك كولير- لماذا لا تتحدثون عن السودان أو اليمن أو أفغانستان؟ وقالت إن هذا السؤال يتكرر كثيرا في غرف التحرير، ويكون الرد الأول عليه بالإنكار “لكننا نتحدث عنها أيضا.. قليلا”.
ويرى الكاتب أن الحروب في مناطق مثل السودان واليمن وأفغانستان أصبحت شبه غائبة عن التغطية الإعلامية العالمية رغم فظاعتها، بسبب أزمة الموارد في وسائل الإعلام وتراجع الاهتمام السياسي الدولي بكل ما لا يمس المجتمعات الغربية مباشرة.
ويوضح كولير أن الرؤية الجيوسياسية الأوروبية باتت تتركز على 3 قضايا فقط، هي مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة، والتهديد الروسي للقارة الأوروبية، والوضع في غزة، لأنها ترتبط بشكل مباشر بحياة الأوروبيين.
حرب متجاهلة
وأشار الكاتب إلى أن هذا التمركز حول الذات ليس حكرا على الأوروبيين، إذ لا يثير السودان اهتمام الآسيويين ولا الأميركيين كذلك، مع أن الحرب الأهلية فيه من بين أكثر الحروب دموية.
واستغرب الكاتب ألا تثير هذه الحرب أي اهتمام لدى الأمم المتحدة، وقال باتريك يوسف، مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أفريقيا إن “هذه ليست حربا منسية، بل إنها حرب متجاهلة”، وأضاف “نحن نركز على أوكرانيا والشرق الأوسط، لكن لا تنسوا أن ما يجري في السودان قد يزعزع استقرار كامل منطقة القرن الأفريقي”.
وذكر الكاتب بأعداد القتلى، التي نشرها تقرير الأمم المتحدة، والتي تستمر في التصاعد بسبب القتال الدائر بين الجيش السوداني النظامي وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، وقال إن معدي التقرير يقدرون أن العدد الحقيقي للضحايا “قد يكون أعلى بكثير مما أوردوه”.
ويصف التقرير النزاع السوداني بأنه “أكبر أزمة إنسانية في العالم”، حيث يهدد الجوع والأوبئة ملايين الأشخاص، ووصفت لي فونغ، ممثلة المفوضية السامية لحقوق الإنسان ما رأته بأنه تزايد الطابع العرقي للنزاع، وكثرة الإعدامات الميدانية ضد المدنيين، واستخدام العنف الجنسي كسلاح حرب.
ونبه الكاتب إلى أن وكالات الأمم المتحدة تؤدي عملها، ولكنها تفتقر إلى الموارد، في ظل الأزمة المالية التي تضرب النظام الدولي، وقال يوسف إن “أسوأ كوابيسي أن ينتشر وباء الكوليرا بشكل أوسع في الخرطوم، حيث تتوقع الأمم المتحدة عودة مليوني شخص بحلول نهاية العام”.
وختمت الصحيفة بالتنبيه إلى أن أزمة التمويل العالمية لا تهدد الإعلام فحسب، بل تمتد إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية نفسها، التي تستعد لتسريحات واسعة عام 2026، مما ينذر بمزيد من الصمت الدولي تجاه المآسي التي لا تمس مصالح القوى الكبرى مباشرة.


and then