( دبنقا ترند) : القتل موثقاً: الفاشر تتحول إلى مسرح مفتوح للإعدامات
لقطة شاشة من فيديو لعمليات اعدام لمواطتين مدنيين فارين من الفاشر نفذها ابولولو
أمستردام : كمبالا: الجمعة 31 : راديو دبنقا
لم يكن السودانيون بحاجة إلى نشرات الأخبار لمعرفة ما جرى في مدينة الفاشر غربي السودان بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها فقد بدأت مقاطع قصيرة تنتشر عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، توثق مشاهد إعدامات ميدانية نفذها المسلحون، بعد أن تحولت المدينة إلى مسرح مفتوح لإعدامات ميدانية، واسعة ضد المدنيين، وثقتها عدسات الهواتف وحملت توقيع القتلة أنفسهم، الذين تباهوا بما اقترفوه. ومن بينهم من أعلن أنه قتل ألفي شخص، لكنه فقد العدّ خلال القتال وسيبدأ “من جديد”
الصور والمقاطع لم تترك مجالاً للالتباس. المكان واضح، والأزياء العسكرية معروفة، والهتافات في خلفية المقاطع تشير صراحة لهوية الجهة المنفذة.
إذلال قبل الإعدام
وفق الفيديوهات، الإعدامات لم تكن فورية، بل سبقتها مراحل من الإذلال اثناء الاستجواب المسلحون يوثقون استمتاعهم بتوسلات الأسرى، في محاولة لإطالة معاناتهم النفسية قبل إطلاق النار عليهم.
ظهر مقطع مصور مدته 26 ثانية، يسبق لحظة الإعدام، يوثّق حواراً بين أفراد من قوات الدعم السريع لم تظهر وجوههم، بينما يُسمع صوتهم وهم يخاطبون سبعة أشخاص بزي مدني جالسين على الأرض. سأل أحد المسلحين: “يا جماعة، فيكم مواطن هنا؟” فرد أحدهم: “لا، كلنا عساكر.”
عاد المسلح قائلاً: “قولوا خير، عايزين مواطن.” فأجابوا مجدداً: “كلنا عساكر.”حينها قال بصوت ساخر: “باركوها يا جماعة.”
بعدها يظهر الفيديو الأسرى وهم ينهضون ويحملون ما كان بحوزتهم، يسيرون بخطوات حذرة قبل أن يتحول المشهد إلى لحظة رعب حقيقية، حين دوى الرصاص في خلفية المقطع وسقط أربعة منهم على الفور، بينما فرّ ثلاثة محاولين النجاة من الموت.
في مقطع آخر صُور قبل سقوط مدينة الفاشر بنحو 48 ساعة، يظهر ثلاثة من عناصر قوات الدعم السريع، اثنان يرتديان الزي الرسمي والثالث بملابس مدنية يحمل سلاحاً. يُظهر الفيديو المسلحين وهم يستجوبون خمسة مدنيين داخل خندق ضيق، يسألونهم عما يحملونه، فيردوا : “دقيق، مكرونة، سكر، سجاير.”
عندها قال أحد أفراد الدعم السريع بلهجة حادة: “أي زول طالع حبابو طن سواء عسكري أو مواطن، لكن أي زول شايل إمداد للفاشر بينا وبينو الذخيرة.” ثم أطلقوا النار مباشرة على المجموعة، لتسقط الأجساد تباعاً، ويُسمع صوت أحد المسلحين وهو يأمر رفاقه قائلاً: “الزول دا ما مات، اضرب زي الناس.”
تحالف تأسيس في مرمى الانتقادات
انتشار مقاطع الفيديو دفع تحالف «السودان التأسيسي» إلى الرد رسمياً على الادعاءات المتداولة بشأن انتهاكات الفاشر. في بيان للمتحدث الرسمي دكتور علاء الدين عوض نقد، جدد التحالف إدانته لأي ممارسات تنتهك كرامة المدنيين أو تتعارض مع قواعد القانون الإنساني، وأكد استعداده لتشكيل لجان تحقيق للوقوف على صحة المقاطع والادعاءات والتحقق منها. في الوقت نفسه أشار البيان إلى أن بعض المقاطع المتداولة قد تكون مفبركة أو مجتزأة، بواسطة الحركة الاسلامية والقوة المشتركة الساعية إلى تضخيم هذه المواد لأهداف سياسية، حسب تعبيره
برغم هذا التوضيح، أثار البيان انتقادات من ناشطين وحقوقيين الذين اعتبروا موقف التحالف متساهلاً ومزايداً في الدفاع عن سلوكات عناصرٍه ، مؤكدين أن الإنسان لا يتجزأ وأنه لا يجوز التمييز بين أسير ومدني عند وصف الانتهاكات.
وقال منتقدون إن الممارسات التي رُصدت بعد سيطرة الدعم السريع على الفاشر ليست حادثة معزولة بل تكررت في مناسبات سابقة، مما يستدعي محاسبة فورية للقادة الميدانيين وتحملها المؤسسة المسئولية وربما قد تكون هناك انشطارات في التحالف، بسبب سلوك بعض افراد من منتسبي الدعم السريع، لانها القوات الاكثر جهلاً بمبادئ واعراف الحرب والنضال المسلح مقارنةً بباقي قوات التحالف.
على الجانب الاخر اتهمت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم بشعة ضد المدنيين الأبرياء في مدينة الفاشر، موضحةً أن أكثر من 2000 مواطن أعزل، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، قُتلوا خلال يومي 26 و27 أكتوبر الجاري، في عمليات تصفية جماعية جرت على مرأى ومسمع من العالم.
واعتبرت القوة المشتركة أن ما ارتكبته قوات الدعم السريع يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، محملةً القوات شبه العسكرية وتحالف “التأسيس” والدول الداعمة، وعلى رأسها الإمارات، المسؤولية الجنائية والأخلاقية والقانونية عن تلك الانتهاكات. كما طالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الحقوقية الدولية بتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية، وتقديم المتورطين في الجرائم إلى العدالة الدولية.
في المقابل، حاولت بعض الصفحات والنشطاء الموالين للدعم السريع تبرير تلك الجرائم بالقول إن ما جرى في الفاشر جاء انتقامًا لمقتل القيادي يعقوب، وإن القوات فقدت أعدادًا كبيرة من مقاتليها في المعارك.

“أبو لولو” .. وجه الموت
برز اسم ” أبو لؤلؤ” كأحد أكثر الوجوه والاسماء إثارة للجدل، يظهر في مقاطع مصورة مرتديًا زي قوات الدعم السريع، وهو ينفذ إعدامات ميدانية بحق مجموعة من الأسرى والمدنيين لم يطل الأمر حتى تصدر اسمه النقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي.
قبل سقوط مدينة الفاشر بشهر، ظهر المدعو “أبو لؤلؤ” في مقطع فيديو وسط مجموعة من قوات الدعم السريع، وهو يحتفل بقتله 900 شخص، متوعدًا بحماس وثقة بالوصول إلى 1000، وسط ضحكات وتشجيع من حوله، في مشهد يعكس الاستهتار بحياة المدنيين
وفي بث مباشر على تيك توك، ظهر ” أبو لؤلؤ” متباهيًا بما ارتكبه، قائلاً أمام عدد من النشطاء الموالين للدعم السريع إنه قتل ألفي شخص، لكنه فقد العدّ خلال القتال وسيبدأ “من جديد” مضيفًا ببرود: “وما برحمهم، الرحمة عند الله” .
في البث ذاته، ابدي الناشط الموالي للدعم السريع عبد المنعم الربيع عدم ممانعته في قتل خصومهم لكن طلب من «أبو لؤلؤ” التوقف عن تصوير عملياته، مبررًا ذلك بوجود جوانب سياسية وإعلامية وأخرى تتصل بنظرة المجتمع الدولي والواقع الداخلي، و إن المشكلة ليست في القتل ، بل في توثيقه.
من أبرز الحوادث التي ارتبطت باسم “أبو لؤلؤ” ما جرى في مدينة الفاشر، حيث ظهر في مقطع مصور وهو يستجوب أسيرًا يجلس على الأرض. سأله قائلًا: “وريني قائد الفرقة وين؟”، فرد الأسير بأنه لا يعرف، موضحًا أنه صاحب مطعم. عندها قال له أبو لؤلؤ ساخرًا: “مطعم؟”، ثم وجه سلاحه نحوه بينما كان الأسير يتوسل إليه بألا يقتله. سأل أبو لؤلؤ الأسير عن قبيلته، وما إن أجاب حتى أطلق عليه سبع رصاصات متتالية من مسافة قريبة، فسقط مضرجًا بدمائه على الأرض.
رمزية “شارون” و“ياجوج وماجوج”
الصحفي علاء الدين محمود علّق على الظاهرة في صفحت بالفيسبوك قائلاً إن “أبو لؤلؤ” ليس حالة شاذة، بل امتداد لنماذج دمويّة معروفة، مثل شارون الذي اشتهر بالعنف في الجزيرة، أو من نفّذوا مجازر المساليت وأبو نورة . وأضاف أن أبو لؤلؤة لا يعكس حالة فردية غريبة.
وأضاف محمود أن اختيار مثل هذه الأسماء داخل صفوف الدعم السريع لم يأتِ عبثاً، بل من باب التيمن بأفعالٍ وصورٍ ارتبطت بالعنف والدموية، مثل “شارون” الرئيس الاسرائيلي الذي اشتهر بقتل وسحل الفلسطينيين، و“أبو لؤلؤة المجوسي” قاتل الخليفة عمر بن الخطاب، و“ياجوج وماجوج” اللذين ورد ذكرهما في القرآن كمفسدين في الأرض. معتبرًا أن ما فعله أبو لؤلؤ ورفاقه خذل كل من حاول تبرئة الدعم السريع بالقول إنه يقاتل “بشرف”.
ردود الفعل انطلقت أيضاً من داخل أوساط التحالف نفسه كتب القيادي في الحركة الشعبية – شمال، وحليف قوات الدعم السريع، عمار نجم الدين، تعليقاً على الفيديو المتداول قائلاً إنّ ما ارتكبه ذلك الشخص “جريمة تمس جوهر الإنسانية وتهين الكرامة البشرية، وتخرق كل القوانين والأعراف الدولية”.
وأضاف أن ما جرى “ليس شجاعة ولا بطولة، بل سلوك وحشي يعيد إلى الأذهان صفحات مظلمة من تاريخ الحروب في السودان”، مؤكداً أن قتل الأسرى والمدنيين جريمة مدانة بكل القيم والمبادئ، ولا تختلف في جوهرها – بحسب قوله – عن الانتهاكات التي ارتكبها الجيش السوداني عبر تاريخه في المناطق المهمشة، “حيث كان العنف وسيلة لإسكات الضعفاء بدل حمايتهم”.
وختم نجم الدين بالقول إنّ محاسبة الجاني فوراً أمر لا يحتمل التأجيل، حفاظاً على القيم الإنسانية ولمنع تكرار مثل هذه الجرائم.
ورغم ظهوره المتكرر بزي الدعم السريع، ينفي أبو لؤلؤ انتماءه الرسمي لها، ويقول في أحد اللايفات: “أنا ما تابع لأي بشر، عندي قضيتي، وأسرتي ماتت بسبب الجيش. جئت بقوتي الخاصة، ومعاي 300 عربية، وما بقاتل إلا عشان ناسي”. وأضاف أنه جاء بدافع شخصي مثل آخرين، في إشارة إلى جلحة وكيكل.
سجل من الدماء
الاسم الحقيقي للرجل هو الفاتح عبد الله إدريس آدم، ويحمل رتبة عميد،وحسب ناشطين له سجل من الدماء حيث توثق مقاطع مصورة عدة جرائم نسبت إليه في مناطق مختلفة ففي الجيلي نفذ إعدامات بحق أسرى بعد تصويرها بالصوت والصورة، وفي الخوي وهو يقتل مجموعة من الأسرى بدوافع عنصرية.
تكشف صفحته على تيك توك، التي تضم أكثر من 161 ألف متابع ومليون ومئتي إعجاب، عن بداية نشاطه العلني منذ ديسمبر 2024، حيث اعتاد نشر مقاطع توثق مشاركته في معارك الدعم السريع بمصفاة الجيلي وام صميمة وغيرها.
الدعم السريع يعلن اعتقال “أبو لولو”
وبعد أيام من الجدل الواسع حول المقاطع المصورة ” لابو لولو” التي وثقت تنفيذه لعمليات تصفية ميدانية ضد المدنيين، أعلن الدعم السريع، مساء الخميس، القبض على الرجل المثير للجدل وإيداعه سجن شالا بمدينة نيالا، وذلك رغم تبرؤها منه في وقت سابق، حين أكدت أنه لا يتبع لصفوفها.
وفي تطور لافت، أعرب تحالف السودان التأسيسي (تأسيس)، التابع للدعم السريع، عن قلقه البالغ إزاء ما تم توثيقه من انتهاكات ضد المدنيين في الفاشر، مؤكداً رفضه القاطع لأي ممارسات تشكل خرقاً للقانون الدولي الإنساني أو لقانون حقوق الإنسان.
وقال التحالف في بيانٍ له، أمس الخميس، إن التجاوزات الأخيرة تُعد تصرفات فردية صادرة من عناصر غير منضبطة، ولا تعبّر عن قيم التحالف أو مستوى انضباط قواته، مؤكداً اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات ومحاسبة المتورطين.
ويأتي هذا البيان بعد نحو 48 ساعة من بيان سابق للتحالف، كان قد أشار فيه إلى أن بعض المقاطع المتداولة قد تكون مفبركة أو مجتزأة من قبل جهات تابعة للحركة الإسلامية والقوة المشتركة، في محاولة لـتضخيم الأحداث واستغلالها سياسياً.
ويأتي هذا التطور في ظل تزايد الضغوط المحلية والدولية على قوات الدعم السريع عقب سيطرتها على مدينة الفاشر، ومطالبة منظمات حقوقية بإجراء تحقيقات شفافة حول الانتهاكات الموثقة ضد المدنيين.

لقطة شاشة من فيديو نشره الدعم السريع لابولولو بعد القبض عليه


and then