حصاد أولي لحرب السودان.. من انهيار الدولة إلى القيم والأخلاق؟
اثار الدمار بالسوق العربي الخرطوم ، وقدر خبراء الأقتصاد الخسائر بأكثر من 9 مليار دولار - المصدر سوشيال ميديا
منتدى الإعلام السوداني
الخرطوم، 27 أكتوبر 2025 – سودانايل- في صبيحة 15 أبريل 2023، فجع الشعب السوداني بإندلاع الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. كانت شرارة الحرب الأولى في المدينة الرياضية، جنوب الخرطوم، ومن ثم امتدت لتشمل كل العاصمة الخرطوم، بمدنها الثلاث. وتوسعت لتشمل كل ولايات السودان، وتأثرت بصورة خاصة ولايات: الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور، لتقع أخيرا مدينة الفاشر في قبضة قوات الدعم السريع بعد حصار دام لأكثر من سنتين.
وفي كل الأحوال، تحولت من حرب بين طرفين متقاتلين إلى دمار غير مسبوق وتشريد للملايين بين نازح ولاجئ، ثم أخذت منحى خطيرا جدا وأصبحت مهددة بتقويض النسيج الاجتماعي وتفكك الدولة بأكملها وفنائها.
الخسائر البشرية والنفسية
حتى الآن وحسب التقديرات، راح ضحية الحرب أكثر من مليون شخص، بين جريح ومصاب، أكثرهم من المدنيين، خاصة النساء والأطفال. وفي الواقع، لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد القتلى والمصابين والمفقودين في هذه الحرب، وهذا في حد ذاته انتهاك قائم بذاته. وبطريقة أخرى، وعلى سبيل المثال، لا تتوفر تقديرات دقيقة لعدد ضحايا الأمراض الناتجة عن الحرب بشكل منفصل عن الوفيات الإجمالية، وذلك بسبب انهيار النظام الصحي وصعوبة جمع البيانات في مناطق النزاع النشطة.
ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن الوفيات غير المباشرة، بما في ذلك الناتجة عن الأمراض التي يمكن الوقاية منها وسوء التغذية، تشكل جزءا كبيرا ومقلقا من إجمالي الخسائر البشرية.
ومما يزيد من المأساة أن معظم الإصابات بين الجنود والمدنيين كانت إصابات جسدية بالغة خلفت عجزا دائما، مما أدى إلى إصابة الضحايا الذين لم يمواتوا بصدمات نفسية واكتئاب وقلق وانعزال اجتماعي سيلازمهم لسنوات طوال أو لبقية حياتهم.
التفكك الأسري وانتشار الجريمة
أدت الحرب المستعرة إلى تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية بارتفاع معدلات الطلاق والانفصال، وفقدان الثقة، وانتشار العنف والجريمة، نتيجة تدهور الاقتصاد بعد الخسائر المالية الضخمة التي تعرض لها المواطن، حيث دمرت البنية التحتية والمنشآت الحيوية (المستشفيات، المدارس، الجامعات الطرق، شبكات الطاقة والمياه والأسواق والمصانع والمصالح الحكومة والمنازل) وتوقفت الأنشطة الاقتصادية تماما، فأصبح الغالبية، بين عشية وضحاها، عاطلون عن العمل أو مصابون، أو خارج مدنهم أو قراهم.
أكثر من 12 مليون ما بين نازح ولاجئ
تعد حالة النزوح للسودانيين نتيجة الحرب هي أكبر حالة نزوح داخلي وخارجي في العالم، حيث قدر عدد النازحين بأكثر من 12 مليون، وأصبح البقية لاجئين في دول الجوار، مثل مصر وتشاد وجنوب السودان وأوغندا ورواندا وكينيا.
الآثار الصحية والبيئية
من أكثر الكوارث التي حلت بالمدنيين نتيجة الحرب هي الكارثة الصحية التي فاقم منها تدمير المستشفيات والمرافق الصحية، حيث تفشت الأمراض المعدية وازدادت معدلات انتشارها، مثل الكوليرا، حمى الضنك، والملاريا، حيث أصيب عشرات الآلاف حسب تقارير طبية محلية، ولكن العدد الماصب أكثر من ذلك بكثير بسبب تلوث مياه الشرب، وتكدس الجثث في الشوارع دون دفن مناسب، وتدهور خدمات الصرف الصحي، والاكتظاظ في مخيمات النازحين.
ومن آثار الحرب الصحية الخطيرة هي تلوث الهواء والتربة بالمواد الكيميائية وبالغازات السامة وثاني أكسيد الكربون الناتج عن الانفجارات والحرائق وتسريبات المواد الكيميائية والنفط من المعدات العسكرية.
المجاعة
يشهد السودان حاليا نقص في الغذاء يعد الأسوأ في العالم نتج عن تدمير الخدمات الأساسية وسبل العيش، وعرقلة الإنتاج الزراعي ومحاصرة المدن ومنع وصول المساعدات الغذائية والإنسانية، وقد تم تأكيد حالة المجاعة رسميًا في أغسطس 2024 في مخيم “زمزم” للنازحين في شمال دارفور، وهو أول تحديد للمجاعة من قبل لجنة مراجعة المجاعة (FRC) منذ أكثر من سبع سنوات.
ويواجه حوالي 24.6 مليون شخص (ما يقرب من نصف السكان) انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأيضا يواجه مليونا شخص خطر المجاعة أو مستويات كارثية من الجوع (المرحلة الخامسة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي- IPC Phase 5)، وهي أعلى نسبة في العالم.
ويواجه أكثر من ثلث الأطفال سوء التغذية الحاد، وتتزايد معدلات الوفيات المرتبطة بالجوع والأمراض المترتبة عليه.
الإعلام.. الدور السلبي
تشهد الساحة السودانية قبل بدء هذه الحرب وأثناءها حملات إعلامية ضخمة وممنهجة يقوم بها طرفا الحرب بهدف تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام الداخلي والخارجي من خلال نشر معلومات مضللة ومفبركة وإنتاج محتوى زائف ونشره على نطاق واسع عبر مختلف القنوات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي.
تستند هذه الحملات إلى إمكانيات مادية وبشرية ضخمة، يتم ذلك من خلال اختيار انتقائي للمعلومات، تكرار الرسائل، والتلاعب بالصور والمحتوى المرئي والمسموع. مع إخفاء أو تشويه الحقائق التي لا تخدم الأجندة المطلوبة.
وقد لعب الإعلام السلبي دورا كبيرا في تأجيج هذه الحرب، بل ولتحويلها إلى حرب قبلية وعنصرية وجهوية ومناطقية مما ينذر بتفكك السودان وزواله.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والأعضاء المشاركون فيه هذه المادة التي أعدتها صحيفة (سودانايل) لتعكس، بشكل أولي، حجم الدمار الذي أصاب السودان جراء الحرب الشاملة بين الجيش وقوات الدعم السريع. وتشير المادة إلى حالة الإظلام التي غطت على الحرب، إذ تغيب عنها الإحصائيات والمعلومات الدقيقة التي يحتاجها الناس لتلافي ما يمكن تلافيه.



and then